اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي في تونس يعيد الجدل بشأن تأخر تشكيل المحكمة الدستورية

تونس - عاد الجدل في تونس بشأن تشكيل المحكمة الدستورية، مع توجه البلاد إلى إجراء انتخابات رئاسية في الخريف المقبل. ويعود تعطل تشكيل المحكمة الدستورية إلى فترة العشرية التي أعقبت سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي والتي تولت فيها حركة النهضة الإسلامية السلطة بمعية عدد من الأحزاب.
ونصّ دستور 2014 السابق، أول دستور بعد انتفاضة 2011، على إرساء المحكمة الدستورية خلال سنة من الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في 26 أكتوبر 2014. لكن تم تجاوز المدة جراء خلافات حادة بين الكتل البرلمانية وإصرار حركة النهضة على فرض مرشحيها لعضوية المحكمة، واستمر الوضع مع الانتخابات التشريعية في عام 2019.
وعقب تلك الانتخابات عادت حركة النهضة مجددا إلى محاولة وضع يدها على المحكمة الدستورية عبر تعديلات أثارت جدلا واسعا، ورفض الرئيس قيس سعيد المصادقة عليها في مارس 2021. وفي الدستور الجديد للبلاد تنص المادة 125 على أن “المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة تتركب من تسعة أعضاء تتم تسميتهم بأمر (من رئيس الجمهورية)”.
وهؤلاء الأعضاء “ثلثهم الأول أقدم رؤساء الدوائر بمحكمة التعقيب، والثلث الثاني أقدم رؤساء الدوائر التعقيبية (التمييز أعلى من الاستئناف) أو الاستشارية بالمحكمة الإدارية، والثلث الثالث والأخير أقدم أعضاء محكمة المحاسبات”. وحددت المادة 127 مهام المحكمة، ومنها “مراقبة دستورية القوانين بناء على طلب من رئيس الجمهورية أو ثلاثين عضوا من أعضاء مجلس نواب الشعب أو نصف أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم”.
وبحسب المادة 109 فإنه “عند شغور منصب رئيس الجمهورية لوفاة أو لاستقالة أو لعجز تام أو لأي سبب، يتولى رئيس المحكمة الدستورية فورا مهام رئاسة الدولة بصفة مؤقتة لأجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما”. وفيما يتسع الجدل حاليا حيال عدم تشكيل المحكمة الدستورية ضمن حالة استقطاب سياسي حاد في تونس، تلتزم السلطات الصمت تجاه المسألة.
وقال أستاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية الصغير الزكراوي “عندما يكون لبلد ما دستور ولا يقع إحداث محكمة دستورية، يصبح الدستور برنامجا لا قيمة له”. وأضاف الزكراوي أنه “من الطبيعي أن تكون لنا محكمة دستورية (…) تصدر عن علوية دستورية، والقوانين التي تصدر لا بد أن تكون مطابقة للدستور”. وتابع “حاليا من خلال التجارب في الدول، لا يمكن القول بديمقراطية الدولة دون أن تكون لها محكمة دستورية، فهي من المكونات الأساسية للديمقراطية”.
وحذر الزكراوي من عدم تشكيل المحكمة الدستورية بقوله “في هذه المرحلة بتونس، للمحكمة الدستورية مستوجبات خاصة لأن رئيسها هو مَن ينوب عن الرئيس في حالة الوفاة، وعند أي شغور سنجد أنفسنا في حالة فراغ (رئاسي)”. وعلى الجانب الآخر قلّل الأمين العام لحزب “مسار 25 جويلية” محمود بن مبروك من شأن الانتقادات والمخاوف من عدم تشكيل المحكمة الدستورية.
وقال إن “المحكمة الدستورية ضرورية في حالة أن شخصا، أو البرلمان، أراد إثارة أن هناك قانونا غير دستوري، وإلى حد الآن ليس هناك أمر عاجل في هذا الخصوص”. وتابع “لم نرَ شخصا يقول هذا النص أو ذاك غير دستوري، ولم نصل إلى انسداد، لذلك ننتظر شهرين أو ثلاثة ولن يغير ذلك في المشهد السياسي ولن يؤثر على الترشحات (للانتخابات المقبلة)”.
وخلافا لدعوة بن مبروك إلى التمهل، رأى الزكراوي أنه “من الضروري التعجيل في تشكيل المحكمة، خاصة وأن التركيبة موجودة وهي من القضاة”. وعن الشغور في منظومة القضاء، ما يمنع تشكيل المحكمة، قال إن “السلطة التنفيذية هي التي تتحمل مسؤولية الشغور”. وأردف “بإمكان السلطة التنفيذية حل المشكلة، فأعضاء المحكمة هم أقدم رؤساء الدوائر في القضاء الإداري والمالي والعدلي. وربما الرئيس له توجس من أشخاص معينين يشغلون هذه المناصب وهناك حسابات سياسية”.
وأضاف الزكراوي أن “المسؤول عن الشغورات هو رئيس الجمهورية، خاصة وأن القضاء يتبعه تأديبا وعزلا وإعفاءً، وهو يتحكم في هذه المسائل ويمكنه سد الشغورات”. واستدرك “رئيس الجمهورية ليس مسؤولا وحده عن عدم تشكيل المحكمة، بل أيضا مجلس نواب الشعب مسؤول، فرئيسه (إبراهيم بودربالة) قال إن أول قانون سيمرر هو قانون المحكمة الدستورية (وهو ما لم يحدث)”.
واعتبر الزكراوي أنها “مسألة حسابات ضيقة، ورئيس الجمهورية لا يريد أن تراقبه أي جهة”، وأضاف “الموت لما أتى رئيس إيران (إبراهيم رئيسي في تحطم طائرة 19 مايو الماضي) لم يستشر أحدا.. ولا يمكن أن ندير شأن الدولة بهذه الطريقة”. في المقابل شدد بن مبروك على أنه “من المستحيل تشكيل محكمة دستورية حاليا، باعتبار أننا ننتظر الحركة القضائية في نهاية أغسطس المقبل، وعندها سيفكر الرئيس في إنشاء المحكمة للنظر في دستورية القوانين”.
وبخصوص احتمال حدوث شغور رئاسي قبل تشكيل المحكمة، قال بن مبروك “هناك صلاحيات تسيير تُحال إلى رئيس الحكومة وأخرى إلى رئيس البرلمان، فالدستور ليس منغلقا على رئيس المحكمة الدستورية في حالة الشغور”. وأضاف “نتوقع بالتزامن مع الانتخابات أن يتم تركيز المحكمة الدستورية، فمن المحتمل حدوث اعتراضات على ترشحات ما (للانتخابات)، وعلى المحكمة الدستورية أن تنظر فيها”.