اقتراب الدعم السريع من ولاية سنار يوسع نفوذها شرقا

قوات الجيش مستنزفة في معارك مضنية غربا وشرقا وجنوبا.
الخميس 2024/06/27
مغامرة البرهان استنزفت الجيش

لم تفلح عمليات التحشيد التي قام بها الجيش السوداني في إيقاف تقدم قوات الدعم السريع التي باتت تطرق أبواب معقله الرئيس شرق البلاد. ويقول مراقبون إن الإنجازات الميدانية التي حققتها قوات الدعم في الأيام الأخيرة تثبت أن الجيش لا يعرف كيف يقاتل فضلا عن كونه لا يعرف كيف يفاوض.

الخرطوم- أدى تقدم قوات الدعم السريع نحو ولاية سنار في جنوب شرق السودان إلى تراشق بين مؤيديها وبين داعمي قوات الجيش، وتسابق كل طرف لإثبات تفوقه على الآخر عسكريا، وهي واحدة من المعارك التي حظيت بتجاذبات كثيرة، فالاقتراب من سنار يعني أن منطقة شرق السودان التي اتخذها قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان مقرا له وتدير منها الحكومة شؤونها، قد تسقط في يد الدعم السريع قريبا.

وأعلنت قوات الدعم السريع فرض سيطرتها على جبل موية في جنوب شرق البلاد، الواقع على الطريق الحيوي بين ولايتي سنار والنيل الأزرق، ودارت معارك عنيفة مع قوات الجيش على أبواب مدينة سنار، تركزت عند منطقة “كبري العرب” على بعد كيلومترات قليلة من المدخل الرئيسي للمدينة.

وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن التشويش الذي تقوم به جماعات وشخصيات موالية للجيش الهدف منه التقليل من أهمية التقدم العسكري لقوات الدعم السريع، وينطوي على إنكار للواقع الذي تعيشه عناصره من تشتت وتشرذم في أماكن عديدة، فقد أنكر هؤلاء من قبل سقوط ولاية الجزيرة والسيطرة على ود مدني ووعدوا بتحرير الولاية، لكن شيئا من ذلك لم يحدث حتى الآن.

صلاح الدين الدومة: سقوط جبل موية مقدمة عملية لسقوط باقي الولايات
صلاح الدين الدومة: سقوط جبل موية مقدمة عملية لسقوط باقي الولايات

وأكدت المصادر ذاتها أن الوصول إلى مشارف سنار من دون السيطرة على الولاية يشير إلى خلل في توازن القوى بين الجيش والدعم السريع، فالأول لا يتوقف عن إطلاق تصريحات وتهديدات ووعود بلا مضامين حقيقية، بينما الثانية تتقدم بثبات، ولم تدخل منطقة وتخرج منها بسهولة، ما يعزز القناعات بأن وصول قواتها إلى سنار وما حولها يمكن أن يفتح الطريق أمام المزيد من التقدم.

ويعدّ غياب قيادات الجيش الكبيرة عن الاشتباك ولو لفظيا مع معارك سنار دليلا على الارتباك الذي تعانيه عناصره في الميدان، وأن تعدد المعارك على أكثر من جبهة بدأ يسبب متاعب لها، كما أن ما سمّي بالمقاومة الشعبية والميليشيات الإسلامية التي قيل إنها تدعم الجيش لم تفلح في إنقاذه، وتتعرض لهزائم مضنية أمام تقدم الدعم السريع.

وخشيت دوائر سودانية من أن تكون السيطرة على ولاية الجزيرة بداية لانهيار ولايات أخرى في الشرق، فالقضارف وكسلا وبورتسودان، لن تكون بعيدة عن الدعم السريع إذا استمر القتال بنفس الوتيرة، وهو ما يضاعف من المأزق الميداني الذي يواجهه الجيش.

وقد سدت تصوراته السياسية المعلنة بعض المنافذ أمام العودة إلى مفاوضات جدة، والتزامه الصمت وعدم التعليق على المبادرة الأفريقية التي طرحت أخيرا وترمي لعقد لقاء بين البرهان وقائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) يوحي بأن المؤسسة العسكرية لا تعرف كيف تقاتل ولا تعرف أيضا كيف تفاوض.

وقال عميد معهد الدراسات الإستراتيجية بجامعة أم درمان صلاح الدين الدومة لـ”العرب” إن تقدم الدعم السريع بالقرب من سنار ليس جديداً وأن المحصلة النهائية لخارطة السيطرة الآن بعد أكثر من عام على اندلاع الحرب تشير إلى سيطرة الدعم على 13 ولاية من بين 18 ولاية، وأن سقوط باقي الولايات قد يكون مسألة وقت.

وتشير قراءة الوضع العسكري بتجرد على الساحة الآن في السودان إلى هذا التقدم في ظل استمرار عناصر الإسلاميين المسيطرين على القرار داخل الجيش والكذب المفرط من قبلهم لوصف ما يدور على أرض الواقع من تطورات عسكرية.

وأضاف الدومة في تصريح لـ”العرب” أن سقوط جبل موية مقدمة عملية لسقوط باقي الولايات، وما تبقى من أجزاء بعض الولايات الواقعة تحت سيطرة الجيش حتى الآن، وأن الحلول باتت تنحصر بين الذهاب إلى مفاوضات جدة أو القبول بالمبادرة الأفريقية أو تفعيل البند السابع من جانب مجلس الأمن الذي يخوّل التدخل العسكري.

إسماعيل مجذوب: إستراتيجية قوات الدعم السريع سوف تتغير في الأيام المقبلة
إسماعيل مجذوب: إستراتيجية قوات الدعم السريع سوف تتغير في الأيام المقبلة

ولفت إلى أن الخيار الأول شبه معدوم في ظل رفض الجيش الاعتراف بهزائمه المتتالية واستمراره في الحرب، أما الثاني فلا يزال يكتنفه قدر من الغموض، بينما يبدو أن الثالث سوف يصبح هو الأكثر واقعية في الوقت الحالي.

وأشار إلى أن القوى الغربية والولايات المتحدة ودول الترويكا الغربية ربما تدفع نحو انتقال السودان إلى البند السابع بما يسمح بدخول قوات تفرض السيطرة والحزم وتدفع نحو تشكيل حكومة مدنية تجهز الساحة السياسية للانتخابات المقبلة، والتي هي في حاجة إلى جهود ضخمة قد تستغرق سنوات، وأن الحل الأفضل هو الذهاب إلى المفاوضات والبحث عن حلول سياسية منتجة يُصر الجيش على تجاهلها وعدم التطرق إليها.

في المقابل أشار الخبير العسكري اللواء إسماعيل مجذوب إلى أن إستراتيجية قوات الدعم السريع سوف تتغير في الأيام المقبلة بعد أن أخفقت في اختراق مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، واتجهت نحو التصعيد العسكري في وسط السودان، في محاولة لتشتيت قوات الجيش وصرف تركيز جهودها عن الفاشر والخرطوم باتجاه ولايتي الجزيرة وسنار.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن المناطق التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع هي مناطق زراعية لا تتواجد بها نقاط حيوية للجيش، وتجد قوات الدعم راحتها في هذه المناطق وتستفيد من وجود دعم لوجستي لها توفره المحاصيل الزراعية في تلك المناطق، نافيا أن يكون شرق السودان مهددا بعد الوصول إلى حبل موية ومشارف ولاية سنار وأن الجيش يؤمّن كافة حدود الشرق، بدءاً من محلية الفاو وولايات القضارف والبحر الأحمر وهي مناطق متاخمة للجزيرة.

وذكر أن تحركات الدعم السريع ليست لها علاقة مباشرة بالضغط على الجيش للذهاب إلى المفاوضات، وأن المؤسسة العسكرية منفتحة على كل الحلول التي تكمل ما جرى التوصل إليه في السابق عبر إعلان جدة الأول في مايو من العام الماضي، وأنه لا نجاح للمفاوضات ما لم تخرج قوات الدعم السريع من الأحياء المدنية وفتح الطريق أمام الطرق التي تسهّل عملية وصول المساعدات الإنسانية للمواطنين.

وقللت معارك سنار من تركيز وسائل الإعلام عمّا يدور في الفاشر من معارك أيضا، وأسهمت التطورات الجديدة في تأكيد كفاءة قوات الدعم السريع مقارنة بالجيش الذي أخفق في تحقيق أهدافه، ووضع رهانه على المقاومة المدنية والمستنفرين الذين يصعب عليهم مجاراة السرعة التي تسير بها المعارك، وانتقالها من مكان إلى آخر، ونجاح الدعم السريع في الاعتماد على القوى المحلية أو ما يسمى بالإدارات الأهلية.

 

اقرأ أيضا:

        • طرفا القتال في السودان مسلحان بما يكفي لصراع طويل الأمد

2