اغتيال نصرالله يكشف حجم اختراق جواسيس إسرائيل لحزب الله

بيروت – يجمع الخبراء على أن مقتل الأمين العام حسن نصرالله، هو ضربة قوية لحزب الله في أعقاب سلسلة اغتيالات طالت أيضا تسعة من قيادي الصف الأول، وهذه التطورات تشير حسب مراقبين إلى وجود "ثغرة أمنية كبيرة" داخل الحزب اللبناني.
وتواجه جماعة حزب الله، في أعقاب مقتل نصرالله، تحديا هائلا وهو سد الثغرات في صفوفها والتي سمحت لعدوها اللدود إسرائيل باغتيال أمينها العام المخضرم الذي ظل مكان وجوده سرا محفوظا بعناية لسنوات، وقبل ذلك قتل قيادات من الصف الأول إلى جانب تدمير مواقع الأسلحة وتفخيخ مئات من أجهزة البيجر والوكي-توكي المفخخة.
ويشكل مقتل نصرالله ذروة سلسلة سريعة من الضربات التي اغتالت نصف مجلس قيادة حزب الله ودمرت قيادته العسكرية العليا.
وفي الأيام التي سبقت مقتل نصرالله وفي الساعات التي تلت ذلك، تحدثت رويترز مع أكثر من 12 مصدرا في لبنان وإسرائيل وإيران وسوريا وقدموا تفاصيل عن الأضرار التي ألحقتها إسرائيل بالجماعة الشيعية القوية شبه العسكرية بما في ذلك خطوط إمدادها وهيكلها القيادي. وطلب الجميع عدم الكشف عن هوياتهم بسبب حساسية الأمر.
وقال مصدر مطلع على تفكير إسرائيل لرويترز قبل أقل من 24 ساعة من الضربة إن إسرائيل أمضت 20 عاما في تركيز جهود المخابرات على حزب الله ويمكنها استهداف نصرالله عندما تريد وحتى وإن كان في مقر الجماعة.
ووصف المصدر المعلومات الاستخباراتية بأنها "ممتازة"، دون سرد تفاصيل.
وفي المقابل، تجنب نصرالله الظهور العلني منذ حرب 2006 وأخذ حذره لفترة طويلة وكانت تحركاته محدودة ودائرة الأشخاص الذين يقابلهم صغيرة للغاية، وفقا لمصدر مطلع على الترتيبات الأمنية لنصرالله. وأضاف المصدر أن الاغتيال يشير إلى أن جماعته اخترقها جواسيس لصالح إسرائيل.
وقال مصدر أمني مطلع على تفكير حزب الله لرويترز قبل أسبوع إن الزعيم الشيعي بات أكثر حذرا من المعتاد منذ تفجيرات أجهزة البيجر في 17 سبتمبر خشية أن تحاول إسرائيل قتله، واستدل المصدر على ذلك بغيابه عن جنازة أحد القادة وتسجيله المسبق لخطاب أذيع قبل أيام قليلة.
ويقول ماغنوس رانستورب الخبير المخضرم في شؤون حزب الله بجامعة الدفاع السويدية "هذه ضربة هائلة وفشل استخباراتي لحزب الله. علموا أنه كان يعقد اجتماعا. كان يجتمع مع قادة آخرين وهاجموه على الفور".
وفي إفادة صحافية السبت قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي نداف شوشاني إن الجيش حصل على معلومات "في الوقت الفعلي" حول اجتماع نصرالله مع قادة آخرين. ولم يذكر شوشاني كيف علموا بذلك لكنه قال إن القادة اجتمعوا للتخطيط لشن هجمات على إسرائيل.
وقال البريغادير جنرال عميحاي ليفين قائد قاعدة حتسريم الجوية الإسرائيلية للصحافيين إن عشرات الذخائر أصابت الهدف خلال ثوان.
وأضاف ليفين "العملية كانت معقدة وتم التخطيط لها منذ فترة طويلة".
وإلى جانب نصرالله، يقول الجيش الإسرائيلي إنه قضى على ثمانية من أكبر تسعة قادة عسكريين في الحزب هذا العام، قُتل معظمهم الأسبوع الماضي. وقاد هؤلاء وحدات تتراوح من فرقة الصواريخ إلى قوة الرضوان وحدة النخبة العسكرية بالجماعة. كما تعرض نحو 1500 من مقاتلي حزب الله لإصابات وتشوهات نتيجة انفجارات أجهزة البيجر والوكي-توكي يومي 17 و18 سبتمبر.
وستواصل الجماعة القتال وطبقا لتقديرات الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن لديها نحو 40 ألف مقاتل قبل التصعيد الحالي إلى جانب مخزونات كبيرة من الأسلحة وشبكة أنفاق ممتدة قرب حدود إسرائيل.
وتأسست الجماعة الشيعية شبه العسكرية في طهران عام 1982، وهي العضو الأكثر قوة في ما يسمى محور المقاومة ضد إسرائيل وطرف في حد ذاته له أهميته إقليميا. لكن الضربات التي تلقاها الحزب خلال الأيام العشرة الماضية أضعفته من الناحيتين المادية والمعنوية.
وبفضل الدعم الإيراني الذي تلقاه على مدى عقود، كان حزب الله قبل الصراع الحالي من بين الجيوش غير النظامية الأكثر تسليحا في العالم مع ترسانة تضم 150 ألف صاروخ وقذيفة وطائرة مسيرة، وفقا للتقديرات الأمريكية.
وبحسب تقديرات إسرائيلية، يعادل هذا 10 أمثال حجم الترسانة التي كانت لديه في عام 2006 خلال حربه الماضية مع إسرائيل.
وعلى مدار العام الماضي، تدفق مزيد من الأسلحة إلى لبنان من إيران إلى جانب كميات كبيرة من المساعدات المالية، بحسب مصدر مطلع على تفكير حزب الله.
ولم تتوفر سوى القليل من التقييمات العامة المفصلة بشأن مدى الضرر الذي لحق بهذه الترسانة نتيجة الهجوم الإسرائيلي خلال الأسبوع الماضي، والذي ضرب معاقل حزب الله في سهل البقاع بعيدا عن الحدود اللبنانية مع إسرائيل.
وقال دبلوماسي غربي في الشرق الأوسط لرويترز قبل هجوم الجمعة إن حزب الله فقد ما بين 20 و25 بالمئة من قدراته الصاروخية في الصراع الدائر بما يشمل مئات الضربات الإسرائيلية الأسبوع الماضي. ولم يقدم الدبلوماسي أدلة أو تفاصيل عن تقييمه.
وأشار مسؤول أمني إسرائيلي إلى أن "قسما جيدا للغاية" من مخزونات حزب الله الصاروخية دُمر دون أن يقدم مزيدا من التفاصيل.
وفي الأيام القليلة الماضية، استهدفت إسرائيل أكثر من ألف هدف تابع لحزب الله. ولدى سؤاله عن قوائم الأهداف واسعة النطاق للجيش، قال المسؤول الأمني إن إسرائيل واكبت بناء حزب الله لقدراته على مدى عقدين بالاستعدادات لمنعه من إطلاق صواريخ في المقام الأول، في دعم لمنظومة القبة الحديدية للدفاع الجوي التي غالبا ما تسقط الصواريخ التي تُطلق على إسرائيل.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن حقيقة أن حزب الله لم يستطع سوى إطلاق 200 صاروخ فقط يوميا خلال الأسبوع الماضي دليل على أن قدراته تضاءلت.
قبل الضربة التي استهدفت نصرالله، قالت ثلاثة مصادر إيرانية لرويترز إن طهران تخطط لإرسال مزيد من الصواريخ إلى حزب الله تأهبا لحرب يطول أمدها.
وذكر المصدر الإيراني الأول أن الأسلحة التي كان من المقرر إرسالها تشمل صواريخ بالستية قصيرة ومتوسطة المدى منها صواريخ زلزال الإيرانية ونسخة مطورة تتميز بالدقة تعرف باسم فاتح 110.
ورغم استعداد إيران لتقديم الدعم العسكري، فإن المصدرين الإيرانيين الآخرين أكدا أنها لا ترغب في التورط بشكل مباشر في مواجهة بين حزب الله وإسرائيل. ويأتي التصعيد السريع في الأعمال القتالية خلال الأسبوع الماضي في أعقاب مناوشات على مدى عام بالتوازي مع حرب غزة.
وذكرت وسائل إعلام إيرانية اليوم السبت، نقلا عن تقرير للتلفزيون الرسمي، أن نائب قائد الحرس الثوري الإيراني عباس نيلفوروشان قُتل في الضربات الإسرائيلية على بيروت الجمعة.
وأضاف مصدر كبير في المخابرات العسكرية السورية أن حزب الله ربما يحتاج إلى رؤوس حربية وصواريخ معينة إلى جانب طائرات مسيرة وأجزاء صواريخ لتعويض تلك التي دمرتها الضربات الإسرائيلية في مختلف أنحاء لبنان الأسبوع الماضي.
وكانت الإمدادات الإيرانية في الماضي تصل إلى حزب الله عن طريق الجو والبحر. وقال مصدر في وزارة الأشغال العامة والنقل اللبنانية لرويترز إن الوزارة طلبت من طائرة إيرانية عدم دخول المجال الجوي اللبناني اليوم السبت بعد أن حذرت إسرائيل مراقبي الحركة الجوية في مطار بيروت من أنها ستستخدم "القوة" إذا هبطت الطائرة.
وأضاف المصدر أنه لم يتضح بعد ماذا كان موجودا على متن الطائرة.
وقال مسؤول أمني إيراني لرويترز الأسبوع الماضي إن الممرات البرية هي حاليا أفضل طريق لنقل الصواريخ وأجزائها والمسيرات عبر العراق وسوريا بمساعدة الجماعات المسلحة المتحالفة مع طهران في هذين البلدين.
لكن المصدر العسكري السوري قال إن عمليات المراقبة الإسرائيلية بالطائرات المسيرة والضربات التي تستهدف قوافل الشاحنات قوضت هذا الطريق. وفي يونيو، ذكرت رويترز أن إسرائيل كثفت هذا العام هجماتها على مستودعات الأسلحة وطرق الإمداد في سوريا لإضعاف حزب الله قبل أي حرب.
وفي أغسطس، ضربت طائرة مسيرة إسرائيلية أسلحة مخبأة في مقطورات تجارية في سوريا، بحسب المصدر. وفي الأسبوع الماضي، قال الجيش الإسرائيلي إن طائراته الحربية قصفت بنية تحتية لم يحددها تستخدم لنقل الأسلحة إلى حزب الله على الحدود السورية اللبنانية.
وقال جوزيف فوتيل الجنرال السابق الذي قاد القوات الأميركية في الشرق الأوسط إن إسرائيل وحلفاءها يمكنهم بسهولة اعتراض أي صواريخ ترسلها إيران برا إلى حزب الله الآن.
وأضاف "بصراحة ربما ينطوي هذا على مخاطرة هم على استعداد لخوضها".