اعتماد السيسي على المؤسسة العسكرية يبعد شبح تأييدها للثورات الشعبية

الثورات الشعبية في مصر لا يكتب لها النجاح في مساعيها ما لم يتوافر لها دعم مباشر من المؤسسة العسكرية.
الخميس 2023/02/23
السيسي والجيش

القاهرة- ظهرت حملات نالت من الدور الذي يقوم به الجيش المصري في بعض المجالات المدنية بحسن أو سوء نية، ومن يركز في مضمون الانتقادات التي تبنتها شخصيات خليجية مؤخرا يجد تعمدا في الفصل بين الجيش والرئيس عبدالفتاح السيسي الذي لم تقترب منه الانتقادات أو تحمله مباشرة مسؤولية تراكم الأزمات في بلاده.

ومن صاغوا ما يشبه الحملة أو وقفوا خلفها أو دعموها من دوائر مختلفة قد لا يعلمون أن العلاقة بين الجيش والسيسي وثيقة الصلة، وعملية تفكيكها صعبة بعد أن أصبح مصيرهما واحدا، وتم تضييق الهامش الذي كانت تتمتع به المؤسسة العسكرية بعيدا عن منصب الرئيس، كضامنة لأمن واستقرار ووحدة الدولة وليس فقط النظام.

واستفاد الرئيس السيسي من الدروس التي تمخضت عنها ثورتا يناير 2011 ويونيو 2013، ووقتها كان الرجل على رأس جهاز المخابرات الحربية ومشرفا على جميع الأجهزة الأمنية، ما جعله يعمل على تضييق المساحة لأقصى درجة بين الرئيس والجيش الذي يمثل القوة الأكثر صلابة وتنحاز دوما لخيارات الشعب.

وإنحاز الجيش المصري في هاتين الثورتين ضد رئيسين، هما: حسني مبارك في ثورة يناير، ومحمد مرسي في ثورة يونيو، وأسهم في زيادة الضغوط على كليهما وأجبرهما على ترك منصب الرئاسة في سابقة غير مألوفة منذ ثورة يوليو 1952.

السيسي عمل على توسيع صلاحيات الجيش بما يتجاوز الدور التقليدي للجيوش النظامية كي يضاعف التفاهم مع قياداته

وتحكم المؤسسة العسكرية المصرية عقيدة راسخة تمنع قيامه بانقلابات على السلطة، وتمت هيكلتها بما يدعم هذا الاتجاه، والذي يعزز أيضا تأييده للشعب مهما كان شكل النظام الذي أقسم على الولاء له، ما يفسر موقفه الإيجابي من ثورتي يناير ويونيو.

ويعلم الرئيس السيسي تركيبة الجيش التي تقوم على “هيراركية” أو نظام هرمي منضبط، وشاهد بنفسه إدارته للمشهد في الثورتين وكي يضاعف التفاهم مع قياداته عمل على توسيع صلاحياته بما يتجاوز الدور التقليدي للجيوش النظامية.

ودفعت هذه المعطيات نحو الانخراط في مجالات مدنية متباينة لأسباب فهمت في البداية على أن السيسي يريد جمع شتات ما أسماه سابقا “شبه الدولة”، وكان لزاما الاعتماد على قوة كبيرة وصلبة يمكنها القيام بمهام وإنجازها خلال فترة قصيرة.

وبدأت المسألة على هذا الشكل وقبل غالبية المواطنين بتوسيع دور الجيش خارج المنظومة المعتادة بغرض إنقاذ الدولة من الفوضى التي أخذت ملامحها تتوالى، وأسهمت قدرته على الإنجاز السريع والحنكة في زيادة منسوب الثقة فيه.

ووجد السيسي أن الجيش هو الجهة الوحيدة في البلاد التي تستطيع مقاومة التكتلات الاقتصادية وجماعات الضغط المختلفة والقضاء على ما تبقى من نفوذ لجماعة الإخوان في المجتمع، وهو ما استلزم زيادة الأعباء الملقاة على عاتقه مبكرا، وأصبح قاسما مشتركا في كثير من المجالات المدنية.

وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن توسيع صلاحيات الجيش ومشاركة قياداته في مشروعات تنموية عملاقة جاء بسبب سرعة الإنجاز والثقة والانضباط والارتياح للتعامل مع هذه الفئة من قبل الرئيس، من دون أن يخلو من أهداف أخرى، أبرزها المشاركة التضامنية بين السيسي والجيش، فكل الخطوات التي قام بها داخليا وخارجيا، مدنيا وعسكريا، سياسيا واقتصاديا، كانت المؤسسة العسكرية قاسما مشتركا فيها.

وربما أغضبت هذه الطريقة وزارات وهيئات مدنية بسبب تداخل الاختصاصات، غير أنه جرى التكيف معها وتركت المساحة كاملة أمام القيادات العسكرية للتصرف بلا رقابة من جهات أخرى، ورأى مدنيون أنه من مصلحتهم وضع العبء كله على عاتق المؤسسة العسكرية، لأن هذه الطريقة تعفيهم من أي مسؤولية في المستقبل.

وأضافت المصادر ذاتها أن الرئيس السيسي استوعب تجارب التاريخ الحديث، وتيقن من ضرورة تعظيم دور الجيش في خطابه المتكرر، وأدار العملية بشكل يوحي بأن أي انتقادات توجه إليه ستوجه بالتبعية للمؤسسة العسكرية، والعكس صحيح.

الاحتجاجات في مصر لا يكتب لها النجاح ما لم يتوافر لها دعم مباشر من الجيش، ما جعل الاعتماد عليه يبعد شبح التأييد مجددا للثورات الشعبية

وأسفرت هذه الازدواجية في الوجدان الشعبي عن إزالة الكثير من الخطوط والفواصل بين منصب الرئيس والجيش المصري صاحب المكانة الرفيعة، وقطعت تقريبا مساحة المناورة التي تمتعت بها المؤسسة العسكرية على مدار عقود ماضية، والتي ساعدتها على أن تصبح داعما وضامنا لرئيس الدولة وفي الوقت نفسه تقويمه عند الضرورة.

وظهرت تجليات هذه المسألة في أواخر فترة الرئيس مبارك عندما بدا الجيش ممتعضا وغير راغب في نقل السلطة إلى ابنه جمال مبارك، وانتهز فرصة الحراك الشعبي للتخلص من سيناريو التوريث، ولعب دورا كبيرا في إنهاء حكم الإخوان عندما تأكد أن الرئيس مرسي ينحاز لجماعته أكثر من انحيازه للأمن القومي للدولة.

وتؤثر مشاركة الجيش في كثير من الأعمال المدنية على مصالح فئات تمتعت بالسيطرة على بعض المفاصل الحيوية، ما جعله والرئيس في بؤرة استهداف كل من تضرر من توسع أنشطته، وغضب من وجدوا في دوره الاجتماعي تقويضا لأدوارهم.

ورغم تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية وتلقي الرئيس السيسي تحذيرات من جهات أمنية بشأن إمكانية خروجها عن السيطرة، إلا أنه بدا غير مكترث بذلك مؤخرا، لأنه على يقين بأن أي احتجاجات في الشارع لن تكون مجدية طالما أن المؤسسة العسكرية لا تقف في صف الحراك الشعبي، كما حدث في ثورتي يناير ويونيو.

وجاءت هذه الثقة من نجاح السيسي في المزاوجة بين منصب الرئيس وبين الجيش حاليا، فأي غضب حياله سيجر غضبا موازيا ضد المؤسسة العسكرية التي كانت شاهدة ومشاركة في كل كبيرة وصغيرة في مصر السنوات الماضية، ما يعني عدم جدوى الانتقادات التي تسعى للتفرقة بينهما.

وتشير الخبرة إلى أن الاحتجاجات في مصر لا يكتب لها النجاح ما لم يتوافر لها دعم مباشر من الجيش، ما جعل الاعتماد عليه يبعد شبح التأييد مجددا للثورات الشعبية.

وشككت مصادر مصرية في جدوى المزاوجة بين السيسي والجيش في بعض الملفات، وإذا كانت هناك مزايا مادية فهي قاصرة على بعض كبار الضباط، بينما شريحة كبيرة من عناصر الجيش الوطني وتقترب من نصف مليون شخص غير مستفيدة.

ولدى هذه الشريحة قناعات تجعلها متمسكة بثوابت حماية الدولة والرئيس معا، وإذا تعارضت المصالح فحماية الدولة أولا، وهؤلاء على يقين بعدم وجود تعارض بين الجانبين حتى الآن، وأن التنسيق مستمر بما لا يخل بالعقيدة العسكرية المصرية.

2