اعتقال الجزائر للكاتب بوعلام صنصال يوحد أصوات الفائزين بنوبل للآداب

مثّل اختفاء الكاتب الفرنسي – الجزائري بوعلام صنصال خبرا صادما بالنسبة إلى الأوساط الأدبية في فرنسا، ليتبين بأن السلطات الجزائرية اعتقلت الكاتب في مطار الجزائر، بينما أثار حفيظة الكتاب والمتابعين غياب المعلومات عن حيثيات الاعتقال، والاعتقال في حد ذاته لأجل الرأي والمواقف، منددين به ومطالبين بإطلاق سراحه الفوري.
باريس – دعا الفائزون بجائزة نوبل للآداب آني إرنو وجان ماري لو كليزيو وأورهان باموك ووول سوينكا، بالإضافة إلى عدد من الكتاب من بينهم سلمان رشدي وروبرتو سافيانو، إلى “الإفراج الفوري” عن الكاتب الفرنسي – الجزائري بوعلام صنصال، في مقال نُشر على الموقع الإلكتروني لمجلة “لوبوان”.
وطالب الأدباء في المقال الذي نُشر بمبادرة من الكاتب في “لوبوان” الجزائري كمال داود الفائز بجائزة غونكور هذه السنة، بـ”الإفراج الفوري عن بوعلام صنصال وجميع الكتاب المسجونين بسبب أفكارهم”.
تنديد بالاعتقال
جاء في تنديد الكتاب “لا يسعنا أن نبقى صامتين. فالمسألة متعلقة بالحرية وبالحق في الثقافة وبحياتنا، ككتاب مستهدفين بهذا الترهيب”. كما تحدث الكاتب الفرنسي نيكولا ماتيو عن “فخ” نُصب له، أما الفرنسي – المغربي الطاهر بن جلون فقد دعا إلى “تحرير” صنصال.
وكتب مواطنه ياسمينة خضرا في بيان له “اعتقاله يزعجني. المثقف مكانه حول طاولة مستديرة، في جلسة لمناقشة الأفكار، وليس في السجن.” وفي مجلة “لوبوان” ندد الكاتب الفرنسي – الجزائري كامل داود بوجود “أخيه خلف القضبان، مثل الجزائر بأكملها.” وذكرت وسائل إعلام عدة أن الكاتب البالغ 75 عاما أوقف في السادس عشر من نوفمبر في مطار الجزائر العاصمة آتيا من فرنسا.
وأكدت وكالة الأنباء الجزائرية الحكومية الجمعة “توقيف صنصال في مطار الجزائر” العاصمة، من دون أن تحدد تاريخ ذلك. ولم تتوافر أي معلومات رسمية أخرى عن مصيره في ظل توتر العلاقات بين باريس والجزائر.
وتبدي الأوساط السياسية والأدبية قلقها بشأن مصير بوعلام صنصال المعروف بمواقفه المنددة بالتشدد الديني والاستبداد. وأعربت دار “غاليمار” الفرنسية التي تنشر مؤلفات صلصال “عن قلقها العميق بعد توقيف أجهزة الأمن الجزائرية الكاتب”، ودعت في بيان الجمعة “إلى الإفراج عنه فورا.”
وكانت دار “غاليمار” مُنعت من المشاركة في معرض الجزائر الدولي للكتاب خلال الشهر الجاري. كما أن كامل داود يواجه دعوتين في الجزائر تتهمانه مع زوجته الطبيبة النفسية باستخدام قصة مريضة في رواية “حوريات” التي تستحضر الحرب الأهلية في البلاد والتي نال عنها أخيرا جائزة “غونكور”، أبرز مكافأة أدبية فرنسية.
علاوة على الكتاب أعرب عدد من القادة السياسيين الفرنسيين عن قلقهم إزاء اعتقال صنصال، أبرزهم رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب الذي يرى أن الكاتب “يجسد” بشكل خاص “الدعوة إلى العقل والحرية والإنسانية ضد الرقابة والفساد والإسلاموية.”
وقالت أوساط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس إنه “قلق للغاية بشأن هذا الاختفاء”، موضحا أن “أجهزة الدولة مستنفرة لكشف ملابسات وضعه”، وهو ما أكده مصدر دبلوماسي فرنسي الجمعة.
وبحسب صحيفة “لوموند” الفرنسية، فإن السلطات الجزائرية انزعجت من تصريحات أدلى بها صنصال لمجلة “فرونتيير” الفرنسية المعروفة بمواقفها اليمينية المتطرفة، تبنى فيها موقفا مغربيا يقول إن أراضي مغربية انتُزعت من المملكة تحت الاستعمار الفرنسي لصالح الجزائر. ويشكل ذلك “خطا أحمر” بالنسبة إلى الجزائر، وقد يؤدي إلى اتهام الكاتب بـ”المساس بسلامة وحدة الوطن”.
انتقدت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية فرنسا الجمعة لدفاعها عن “مُنكر يشكك في وجود الجزائر واستقلالها وتاريخها وسيادتها وحدودها”، واصفة الكاتب بأنه “دمية التيار التحريفي المعادي للجزائر.”
وتأتي هذه الأحداث في سياق دبلوماسي متوتر بين فرنسا والجزائر، بعد دعم باريس لخطة الحكم الذاتي المغربية في منطقة الصحراء المغربية المتنازع عليها نهاية يوليو الفائت.
متهم بالإسلاموفوبيا
الأوساط السياسية والأدبية تبدي قلقها بشأن مصير بوعلام صنصال المعروف بمواقفه المنددة بالتشدد الديني والاستبداد
وبوعلام صنصال من الأسماء البارزة في الأدب المعاصر الناطق بالفرنسية، يُعرف بكتاباته الملتزمة ضد الظلامية ومن أجل الديمقراطية، من دون محرمات، وبأسلوب لاذع في بعض الأحيان.
بدأ صنصال المولود عام 1949 في الجزائر لأب من أصل مغربي وأم تلقت تعليما فرنسيا، الكتابة في عمر 48 عاما، ونشر روايته الأولى “Le Serment des Barbares” بعد عامين على ذلك. ويروي في هذا الكتاب صعود قوة الأصوليين الذي ساهم في إغراق الجزائر في عقد من الحرب الأهلية التي خلفت 200 ألف قتيل بين عامي 1992 و2002.
وبعدما كان مدرسا ورجل أعمال وموظفا حكوميا كبيرا، فُصل من وزارة الصناعة عام 2003 بسبب موقفه النقدي ضد الحكومة، ولاسيما في ما يتعلق بتعريب التعليم. وفي العام 2019، شارك في احتجاجات في الجزائر العاصمة التي أدت إلى استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.
ومن كتبه “Le village de l’Allemand” (قرية الألماني) سنة 2008 الذي خضع للرقابة في بلده الأم، ويستحضر فيه تاريخ الهولوكوست والحرب الأهلية في الجزائر وحياة الجزائريين في الضواحي الفرنسية. وفي كتابه “2084، نهاية العالم” (2084 ,la fin du monde) الصادر سنة 2015، يندد صنصال بتهديد التطرف الديني على الديمقراطيات.
وبات لهذا الكاتب الذي يجاهر بإلحاده، بسبب تحذيراته لأوروبا من هذا الخطر، خصومات قوية، مقابل دعم من مثقفين ووسائل إعلام يمينية ويمينية متطرفة أشادوا بتصريحاته حول “نظام إسلامي” يحاول “ترسيخ نفسه في فرنسا”.
وفي الجزائر، تزايدت التهديدات بحقه منذ توجهه إلى إسرائيل لتسلم جائزة أدبية عام 2014. وينفي بوعلام صنصال باستمرار الاتهامات الموجهة ضده بالإسلاموفوبيا. وقال في تصريحات سابقة “لم أقل قط أي شيء ضد الإسلام من شأنه أن يبرر هذا الاتهام”، لكن “ما لم أتوقف عن إدانته هو استغلال الإسلام لأغراض سياسية واجتماعية.”