اعتصام النواب داخل البرلمان سابقة جديدة في الحياة السياسية اللبنانية

البرلمان اللبناني يفشل مجددا في انتخاب رئيس جديد للبلاد.
الثلاثاء 2023/01/24
الاعتصام قد يأتي بنتائج عكسية

بيروت - مع استمرار الفراغ في كرسي الرئاسة اللبناني أعلنت مجموعة من النواب اللبنانيين، الأسبوع الماضي، الاعتصام المفتوح داخل أروقة البرلمان وعدم مغادرته إلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية خلفا للرئيس السابق، ميشال عون، الذي انتهت ولايته في أكتوبر الماضي.

وتعد عملية الاعتصام التي بدأت الخميس الماضي في البرلمان سابقة جديدة في الحياة السياسية اللبنانية، حيث تدفع إلى التساؤل عن أسباب استمرار فشل انتخاب الرئيس وتأثير الاعتصام، وما إذا كان هناك أفق لحل هذه الأزمة؟

وعقد مجلس النواب الللبناني الخميس جلسته الحادية عشرة لانتخاب رئيس للجمهورية، دون أن يتم الاتفاق على اسم يحظى بالأغلبية اللازمة من أصوات النواب، وهو ما يدل بشكل واضح على فقدان كافة الأطراف والتحالفات السياسية في البلاد للأغلبية في البرلمان الجديد، الذي تم انتخابه في مايو 2022، الأمر الذي يحتّم الاتفاق على اسم يحظى بقبول عابر للانقسامات السياسية أو إبرام تسويات سياسية على غرار ما حصل عام 2016 حين انتُخب ميشال عون.

سامي الجميل: ندرس خطوة الالتحاق بالاعتصام وقد ننضمُّ إليها في أي وقت
سامي الجميل: ندرس خطوة الالتحاق بالاعتصام وقد ننضمُّ إليها في أي وقت

وتميزت جلسة الخميس عن سابقاتها بإعلان فريد من نوعه لم يسجل في تاريخ الحياة السياسية اللبنانية من قبل، جاء من ناحية النائبين ملحم خلف ونجاة صليبا، المحسوبَين على تكتل نواب قوى التغيير، الذي انبثق عن الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد بين عامي 2019 و2020، ونجح في تحصيل تكتل نيابي من 11 نائبا، حيث أعلن النائبان نيتهما البقاء في قاعة الهيئة العامة للبرلمان اللبناني، والاعتصام سلميا للضغط باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية.

ولاقت الخطوة دعما من عدد من نواب المعارضة، من بينهم حزب الكتائب اللبنانية الذي قال رئيسه النائب سامي الجميل “ندرس الخطوة وقد ننضمُّ إليها في أي وقت”، فيما بدأت الاتصالات مع نواب وكتل أخرى بهدف توسيع دائرة المشاركة، وقرّر النواب البقاء في قاعة المجلس مع إطفاء التيار الكهربائي بعد الظهر، في حين حرص عدد من النواب على البقاء معهما لدعمهما وتأمين ما يحتاجان إليه.

ومن بين النواب الذين ساندوا الاعتصام وضاح الصادق، الذي قال في تصريحات صحفية “هناك دعم كبير لقرار الاعتصام في المجلس، وما نطالب به ليس إلا تطبيق الدستور الذي ينص على إبقاء جلسات الانتخاب مفتوحة”، مضيفا “الوضع السياسي المتأزم في لبنان كان بحاجة إلى مبادرة مختلفة، وما نعمل عليه اليوم هو التواصل مع الكتل لتأمين أوسع مشاركة”.

ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في نهاية أكتوبر الماضي، فشل البرلمان للمرة الحادية عشرة في انتخاب خلف له جراء الانقسامات السياسية العميقة، خصوصا أنه لا يملك أي فريق سياسي أكثرية برلمانية تخوّل له إيصال مرشح.

وتسببت التجاذبات بين التيارات السياسية، وخاصة الكتلتين الرئيسيتين في البرلمان، وعدم حضور كتل أخرى للجلسات الانتخابية، أو انسحاب بعض الكتل من الجلسات، وعدم وجود كتلة تملك الأكثرية، في فراغ رئاسي تعمقت معه الأزمة في لبنان.

ويزيد استمرار الأزمة السياسية في لبنان تدهور الوضع السياسي والاقتصادي؛ حيث سجلت الليرة تدهورا قياسيا، إذ تجاوز سعر الصرف عتبة الخمسين ألفا في مقابل الدولار الأميركي الواحد، في مؤشر على عمق الأزمتَين السياسية والاقتصادية اللتَين لا تلوح في الأفق أي حلول لهما.

وواصل النواب المعتصمون في مبنى البرلمان الأحد احتجاجهم، في ظل زيارات تضامن من قبل عدد من زملائهم، وإن كانت لا تزال خجولة، مثل حراك الشارع الذي لم يواكب حتى اللحظة هذه الخطوة، في حين لا يزال أفق هذا التحرك غير واضح. لكن الاستحقاق الرئاسي بقي معلقاً حتى إشعار آخر. كما أدى اعتصام النواب إلى نتائج عكسية، على ما يبدو، حيث لم يحدد رئيس مجلس النواب نبيه بري أي موعد جديد لجلسة انتخابية أملاً في إنجاز هذا الاستحقاق.

وتتفاوت المواقف من خطوة النواب إلى حدّ التناقض؛ فهناك مؤيدون لها يعتبرون أنّها تحمل “هدفًا نبيلاً” لا بدّ منه في ذروة “المهزلة” التي تكرّسها جلسات “رفع العتب” الأسبوعية، ومعارضون لها يضعونها في خانة “الشعبوية المفرطة” التي تكرّس أداء نواب اختاروا منذ اليوم الأول لدخولهم البرلمان “لعبة المزايدات” فقط، متناسين أنّهم باتوا جزءًا من المعادلة السياسية، وإن اتفق الجميع على كونها “رمزية”، لن تقدّم أو تؤخّر الكثير.

ومن جهة أخرى أكد البطريرك الراعي أن المساعي الداخلية والدولية لم تؤدّ إلى إحراز تقدّم فعلي نحو انتخاب رئيس جديد، وأعرب عن أسفه.

ويرى محللون أنه طالما لا توجد تسوية دولية أو إقليمية لاختيار رئيس للبنان، كما يريده المجتمع الدولي وشريحة كبيرة من اللبنانيين رئيسا إصلاحيا وقادرا على انتشال لبنان من المحنة التي يمر بها، أي رئيسا يتمتع بالسيادة ولا يتبع قوى خارجية، فلن تستقر الأمور في لبنان.

2