اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة يثير انتقادات دولية واسعة

واشنطن – أثار اعتذار الزعيم السني سعد الحريري الخميس عن تشكيل حكومة لبنانية، موجة انتقادات حادة ودعوات إلى ضرورة كسر حالة الجمود السياسي في البلاد والإسراع بتشكيل حكومة تجنبا لانهيار كلي وشيك.
وقال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الجمعة إن الاتحاد يشعر "بأسف عميق" لقرار رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري، الاعتذار عن عدم تشكيل حكومة وإبقاء البلاد في طريق مسدود.
وقال بوريل في بيان "يشعر الاتحاد الأوروبي بأسف عميق للمأزق السياسي المستمر في البلاد، وعدم إحراز تقدم في تنفيذ إصلاحات عاجلة".
ويستعد الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على قادة سياسيين محددين، يعتبرهم مسؤولين عن وصول الوضع إلى طريق مسدود في البلاد، في نهاية يوليو.
وحصل توافق سياسي بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع في بروكسل الاثنين، للتحضير لهذه العقوبات.
وقال بوريل "منذ عام تقريبا لا توجد في لبنان حكومة قادرة على العمل، ما أدى إلى أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة يعاني الشعب اللبناني من عواقبها المأساوية".
وأضاف "تقع على عاتق القادة اللبنانيين مسؤولية حل الأزمة الداخلية الحالية التي تسببوا فيها هم أنفسهم"، مؤكدا أن "لبنان بحاجة إلى حكومة قادرة على تنفيذ إصلاحات اقتصادية والحكم والتحضير لانتخابات 2022، التي يجب إجراؤها في موعدها المحدد".
وأكد وزير خارجية الاتحاد أن "اتفاقا مع صندوق النقد الدولي يبقى ضروريا لإنقاذ البلاد من الانهيار المالي".
وأتى اعتذار الحريري الخميس عن مهمّة تشكيل الحكومة في وقت يمرّ فيه لبنان بأزمة سياسية واقتصادية خانقة لا يمكن حلّها في نظر المانحين الدوليين، إلا بتشكيل حكومة تنفّذ إصلاحات بنيوية.
ومساء الخميس اعتبر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أنّ تخلّي سعد الحريري عن تشكيل حكومة في لبنان بعد تسعة أشهر من تكليفه بهذه المهمة، يمثّل "خيبة أمل جديدة" للشعب اللبناني الغارق في أزمة سياسية واقتصادية خانقة.
وشدد بلينكن في بيان على "الأهمية الحاسمة لأن تُشكّل الآن حكومة ملتزمة وقادرة على تنفيذ إصلاحات ذات أولوية".
وأعرب بلينكن في بيانه عن أسفه لأنّ "الطبقة السياسية في لبنان أهدرت الشهور التسعة الماضية".
وأضاف أنّ "الاقتصاد اللبناني في حالة سقوط حرّ والحكومة الحالية لا تقدّم الخدمات الأساسية بشكل موثوق به".
إقرأ أيضا:
وتابع الوزير الأميركي "يجب على القادة في بيروت أن ينحّوا جانبا خلافاتهم الفئوية وأن يشكّلوا حكومة تخدم الشعب اللبناني".
وفشل الحريري في تشكيل الحكومة بسبب التناحر السياسي في بلد يواجه انهيارا اقتصاديا، رجّح البنك الدولي أن يكون من بين ثلاث أشدّ أزمات في العالم منذ عام 1850.
ولفت بلينكن إلى أنّه من أبرز ما يتعيّن على الحكومة المقبلة أن تقوم به، إلى جانب وقف التدهور الاقتصادي، هو تنظيم الانتخابات التشريعية المفترض أن تجري في 2022، مشدّدا على وجوب أن تحصل هذه الانتخابات "في مواقيتها وأن تجري بطريقة حرة ونزيهة".
لكن ساسة ومحللين يقولون إن تشكيل حكومة قبل الانتخابات البرلمانية العام المقبل بات بالغ الصعوبة الآن فيما يبدو، إلا إذا حدث تحول جذري في المشهد السياسي.
وبعد إعلانه الاعتذار، أغلق محتجون من أنصار الحريري بعض الطرق في المناطق ذات الأغلبية السنية ببيروت، وأشعلوا النار في صناديق القمامة وإطارات المركبات.
وانتشرت قوات الجيش وأطلقت النار في الهواء لتفريق المحتجين الذين رشقوا الجنود بالحجارة ومقذوفات أخرى. وقال مصدر أمني إن جنديا أصيب.
وكان الحريري كلف بتشكيل الحكومة في أكتوبر الماضي عقب استقالة حكومة حسان دياب إثر انفجار مرفأ بيروت، لكنه عجز خلال أشهر عن إيجاد صيغة للتوافق على تشكيلة حكومية تبدأ مسارا إصلاحيا يطلبه المجتمع الدولي، لمساعدة لبنان على الخروج من أسوأ أزمة مالية واقتصادية تعصف بالبلاد.
ويواجه لبنان انهيارا اقتصاديا وصفه البنك الدولي بأنه أحد أسوأ حالات الركود في التاريخ المعاصر. ودفعت الأزمة المالية أكثر من نصف السكان إلى دائرة الفقر، وشهدت تراجع قيمة العملة بأكثر من 90 في المئة خلال نحو عامين، وتنامت المخاوف من اضطرابات اجتماعية.
ويمثل قرار الحريري ذروة صراع مستمر منذ أشهر على المناصب الوزارية مع عون رئيس الدولة المسيحي الماروني، المتحالف مع حزب الله الشيعي المدعوم من إيران.
وتبادل الحريري وعون الاتهامات.
وقال الحريري لقناة الجديد اللبنانية في مقابلة بعد ساعات على قراره، "اعتذاري عن التشكيل هو لأني رأيت أن رئيس الجمهورية لا يريد أن يشكل.. أنا لا أستطيع أن أقدم تشكيلة للحكومة ورئيس الجمهورية لا يريد إعطاء الثقة، بل يريد الثلث المعطل".
وتابع أن عون طلب تعديلات جوهرية في التشكيلة الوزارية التي قدمها يوم الأربعاء.
وأضاف الحريري للصحافيين بعد اجتماع مع عون بالكاد استمر لمدة 20 دقيقة، "واضح أننا لن نستطيع أن نتفق مع الرئيس… فلذلك قدمت اعتذاري عن تشكيل الحكومة والله يعين البلد".