اعتدال المزاج السياسي بين الجزائر وفرنسا يفاجئ مشروع تجريم الاستعمار

إحالة مرتقبة للمشروع على الرف من أجل تأكيد النوايا لتسوية الأزمة.
الخميس 2025/03/27
دعوات لإطلاق سراح صنصال

تبادل الرئيسان الجزائري عبدالمجيد تبون والفرنسي إيمانويل ماكرون رسائل تهدئة في الآونة الأخيرة، في خطوة مهدت الطريق حسب المراقبين نحو إضفاء نوع من الاعتدال في المزاج السياسي بين البلدين، فضلا عن قطع الطريق أمام منظري مشروع تجريم الاستعمار الساعين إلى مفاقمة الأزمة.

الجزائر - وجد منظرو مشروع تجريم الاستعمار الذي حقق خطوات أولية، أنفسهم أمام اختبار حقيقي، لا يبعد مبادرتهم عن مصير المحاولات السابقة، وذلك في أعقاب ظهور اعتدال في المزاج السياسي بين هرمي السلطة في الجزائر وباريس، حيث تبادل قصرا المرادية والإليزيه رسائل تهدئة، قد يكون أول ضحاياها مشروع تجريم الاستعمار، قياسا بما ينكؤه في جراح التاريخ والذاكرة المشتركة.

ويبدي متابعون لملف العلاقات التاريخية بين الجزائر وفرنسا مخاوفهم من إمكانية تأثير الاعتدال المسجل في أزمة البلدين على المشروع، وإمكانية تعطيل مشروع تجريم الاستعمار، الموجود قيد الإعداد لدى البرلمان، مرة أخرى بإيعاز من هرم السلطة، أو يكون عائقا أمام أيّ تسوية منتظرة للأزمة القائمة. وسبق لمحاولات نيابية سابقة أن حاولت استصدار قانون لتجريم الاستعمار، لكنها فشلت في أربع مرات بسبب تدخل السلطة السياسية في آخر المطاف، لسحبه من الإعداد والتداول، تفاديا لتعكير العلاقات المعقدة بين الجزائر وفرنسا.

وتزامن الإعلان عن تشكيل لجنة صياغة المشروع، المكونة من ستة نواب برلمانيين يمثلون عدد الكتل النيابية داخل المجلس الشعبي الوطني، فضلا عن شخصيات أخرى من نفس الهيئة وما يعرف بـ”الأسرة الثورية”، وهي المنظمات والجمعيات التي تمثل الوعاء البشري لثورة التحرير، كالشهداء، والمجاهدين، وأبناء الشهداء والمجاهدين، مع الإشارات الإيجابية التي تلقفتها الجزائر من فرنسا، بعد التصريحات التي أدلى بها الرئيس عبدالمجيد تبون، في لقائه الدوري مع وسائل الإعلام المحلية، وهو ما أعطى الانطباع أن المشروع، الذي تأجل عدة مرات، سيتأجل للمرة الخامسة لموعد غير محدد، بعدما لم يبق وحيدا في محور الجزائر – باريس، ودخول فرصة للتسوية الودية للأزمة القائمة بين البلدين منذ سبعة أشهر.  

وكانت المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية صوفي بريماس، قد رحبت بتصريحات الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بشأن نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، واعتبرتها “إشارة إيجابية في سبيل استعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين.” وأوضحت بريماس، خلال استضافتها في برنامج “لقاء الأحد الكبير”، على “أوروبا 1 وسي نيوز، والأصداء”، بأن “تصريحات الرئيس تبون التي أكد فيها أن ماكرون هو مرجعيته الوحيدة في فرنسا تعكس نية لفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية.”

وقالت “سمعت أن الرئيس تبون أرسل إشارة إيجابية تجاه إيمانويل ماكرون، وهذا أمر جيد. إنه مدخل لاستئناف الحوار ومناقشة القضايا الحساسة بين البلدين.” ولفتت المسؤولة الفرنسية إلى أن “هناك عدة ملفات تتطلب نقاشا جادا بين الجانبين، من بينها مسألة الجزائريين الخاضعين لأوامر الترحيل من فرنسا، التي ترفض الجزائر استقبالهم، بالإضافة إلى قضية اعتقال الكاتب الفرنسي – الجزائري بوعلام صنصال، وأن باريس عازمة على استعادة علاقات طبيعية مع الجزائر، والعمل على تجاوز الخلافات الحالية.”

◙ صحيفة "لوفيغارو" أكدت أن قضية الكاتب بوعلام صنصال قد تشهد انفراجا قريبا رغم أن الجزائر لديها موقف مختلف

وذكرت صحيفة “لوفيغارو” بأن الدبلوماسية الفرنسية تلقت هذه التصريحات بارتياح، واعتبرتها مؤشر على استعداد للحوار رغم هشاشة الوضع، وأن هذا التصريح رسم ملامح الفريق المكلف بإعادة العلاقات، وهم الرئيسان ووزيرا الخارجية. وأكدت الصحيفة أن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، اقترح مرتين زيارة الجزائر لمعالجة الملفات العالقة، وأن المحاولة الأولى لم تكلل بالنجاح، لكن الثانية لقيت ترحيبا إيجابيا من الجانب الجزائري.

ولفتت الصحيفة إلى أن وزير الخارجية الفرنسي التقى نظيره الجزائري على هامش قمة العشرين في روما، كما حضر حفل إفطار في مسجد باريس بدعوة من عميده شمس الدين حفيظ، الذي وصفته الصحيفة بسفير غير رسمي للجزائر في باريس، وأن هذه الخطوات لقيت تقديرا خاصا من الجزائر.

وأشارت “لوفيغارو” إلى أن قضية الكاتب بوعلام صنصال قد تشهد انفراجا قريبا، رغم أن الجزائر لديها موقف مختلف، وأن تصريحات ماكرون حول ثقته في بصيرة تبون لحل المسألة تعكس رغبة فرنسية في التهدئة، لكن ملفات معقدة مثل الهجرة والذاكرة لا تزال عالقة.

ولم يستبعد مصدر مطلع تسريع القضاء الجزائري لملف الكاتب الموقوف بوعلام صنصال، في الآونة الأخيرة، حيث ينتظر صدور حكم أولي في حق الرجل الخميس القادم، ينطوي على مخرج للقضية، يكون بإدانة الكاتب على أن يحظى بعفو رئاسي، كما حدث في عدد من الحالات، كالناشط السياسي المعفى عنه العام 2024 رشيد نكاز.

وأمام المستجدات المذكورة في مسار علاقات البلدين، وظهور بوادر إيجابية لحلحلة الأزمة المتفاقمة، يجزم متابعون للملف، بأن مشروع تجريم الاستعمار سيكون أول ضحية للتقارب بين البلدين، وسيتم تجميده على جانب للتعبير عن حسن نوايا الطرف الجزائري في تسوية الخلافات مع نظيره الفرنسي. وكان فاعلون في المشروع قد أكدوا على أن المبادرة ستحقق توازنا في الذاكرة المشتركة بين الجزائر وفرنسا، وهي أحد المطالب المرفوعة من طرف الجزائريين منذ عدة عقود.

وأكد العضو في لجنة إعداد مشروع تجريم الاستعمار بلخير زكريا بأن “المشروع لن يكون مجرد نصوص أدبية، بل آليات لدفع الفرنسيين للاعتراف بالحقبة الاستعمارية للجزائر (1830 – 1962)، والاعتذار للجزائريين ودفع التعويض المادي،” وهو سقف عال، اصطدم في أكثر من مرة، مع توجهات القيادات السياسية المتداولة على سدة الحكم في الجزائر.

ويعد المشروع المذكور المبادرة الخامسة من نوعها التي حاولت تجريم الاستعمار الفرنسي، لكنها فشلت تحت ضغط تداخل المصالح بين النخب السياسية الحاكمة، وعدم حظوته بالإجماع بسبب الرؤية القائلة بأنه لا جدوى من تجريم الاستعمار مؤسساتيا، فهو جريمة دولية متفق عليها، وأن الأولوية لإرساء علاقات براغماتية مع أجيال جديدة من الفرنسيين، صونا للمصالح المشتركة بين البلدين.

4