اضطهاد الجزائر لمسيحيي القبائل يدفع للاستغاثة بواشنطن لفرض عقوبات

الجزائر - وجه ائتلاف المسيحيين في منطقة القبائل الأمازيغية في الجزائر نداء إلى الإدارة الأميركية، مطالبا بفرض عقوبات على الحكومة الجزائرية على خلفية ما وصفوه بـ"الاضطهاد الممنهج" الذي يطال المسيحيين، وبتدخل مباشر لحماية الحريات الدينية في البلاد.
وهذه الاستغاثة الدولية، التي تأتي في سياق توترات متصاعدة بين الحكومة الجزائرية وأبناء منطقة القبائل وانتقادات دولية متزايدة للملف الحقوقي، ترسم صورة قاتمة للوضع الديني في بلد يُفترض أنه يكفل الحريات الفردية.
وبعث الائتلاف الطائفة المسيحية الإنجيلية في منطقة القبائل، برسالة إلى البيت الأبيض، أوردتها وكالة "أخبار شمال أفريقيا"، انتقد فيها بشدة استمرار السلطات الجزائرية في استخدام قوانين مكافحة الإرهاب، وعلى رأسها المادة 87 مكرر، لتجريم الممارسات الدينية السلمية، بما في ذلك إقامة الصلوات أو التجمعات المنزلية للمؤمنين، وأشار إلى أن هذا النص القانوني الذي أُدخل في الأصل عام 2021 لمكافحة الإرهاب، بات اليوم أداة لقمع الأصوات المعارضة واستهداف الأقليات.
وأفادت الرسالة بأن جميع الكنائس الإنجيلية في منطقة القبائل أُغلقت قسرا باستثناء واحدة فقط، وهو ما ترك الآلاف من أتباع هذه الديانة دون أماكن عبادة، معرّضين للمضايقات والاعتقالات والملاحقة القضائية، وأوردت الرسالة حالات موثقة تعرض فيها قساوسة ومصلون للتوقيف فقط لأنهم اجتمعوا في منازل للصلاة.
وأكد المسيحيون القبائليون أن "هذا الانتهاك الصارخ لحرية الدين يتعارض مباشرة مع التزامات الجزائر بموجب المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان؛ بمن في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تُعد الجزائر طرفا فيه”، مشيرين إلى إدراج وزارة الخارجية الأميركية الجزائر على "قائمة المراقبة الخاصة" منذ عام 2020، وكذا تصنيف منظمة "الأبواب المفتوحة" لهذا البلد كواحد من أسوأ الدول في اضطهاد المسيحيين.
ولفت الائتلاف إلى التمييز الصارخ الذي يتعرض له المتحولون من الإسلام إلى المسيحية، حيث يواجهون تهما فضفاضة مثل "تقويض أمن الدولة"، تصل عقوباتها إلى السجن، في تجاهل واضح للمواثيق الدولية التي صادقت عليها الجزائر، بما فيها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وفي سياق استعراضه لملف الاضطهاد، سلط الائتلاف الضوء على قضية سليمان بوحفص، الناشط الحقوقي ورئيس لجنة التوجيه في جمعية القديس أوغسطين المدافعة عن حقوق المسيحيين، والذي سُجن ثلاث سنوات قبل الإفراج عنه في سبتمبر الماضي، ولكنه لا يزال يتعرض للملاحقة.
وأمام هذا الوضع، دعا المسيحيون القبائليون إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى اتخاذ خطوات ملموسة، تشمل فرض عقوبات على المسؤولين الجزائريين المتورطين في هذه الانتهاكات بموجب "قانون ماغنيتسكي العالمي"، وإدراج الجزائر ضمن قائمة “الدول المثيرة للقلق الخاص” وفق قانون الحرية الدينية الدولية.
وقانون ماغنيتسكي العالمي هو تشريع أميركي يسمح للحكومة الأميركية بفرض عقوبات على الأفراد والكيانات الأجنبية المتورطين في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والفساد.
وتشمل هذه العقوبات تجميد الأصول وحظر السفر إلى الولايات المتحدة، ويمكن أن يكون لتطبيق هذا القانون تأثيرات كبيرة على المسؤولين الجزائريين المتورطين في انتهاكات حقوق المسيحيين، حيث قد يواجهون قيودا مالية وشخصية تعيق حركتهم ونشاطاتهم الدولية، مما يزيد من الضغط على الحكومة الجزائرية لمعالجة هذه القضايا.
كما شددت الرسالة على ضرورة ربط المساعدات الأميركية والاتفاقات التجارية مع الجزائر بتحقيق تقدم واضح في ملف الحريات الدينية وفتح الكنائس المغلقة، محذرة من أن استمرار القمع دون مساءلة سيشجع أنظمة أخرى على السير في النهج ذاته.
ومنذ 2017، بدأت السلطات الجزائرية حملة لإغلاق الكنائس البروتستانتية بحجة "عدم حصولها على ترخيص"، مما أدى إلى إغلاق معظم كنائس القبائل، كما شهدت القبائل المسيحية استدعاءات أمنية للعديد من القساوسة والمتحولين للمسيحية للتحقيق، وأدين بعضهم بالسجن، كما تتعرض هذه الجماعات لحملات تشويه من الإعلام الرسمي أو المقرب من الدولة، ويتم تصويرها أحيانا كأدوات لـ"الاختراق الغربي".
وينظر إلى هذه الرسالة في سياق أوسع من التوتر بين الحكومة الجزائرية وأبناء منطقة القبائل، الذين يتهمون الدولة بممارسة التمييز العرقي والديني والثقافي ضدهم، في وقت يشهد فيه الملف الحقوقي في الجزائر انتقادات متزايدة من منظمات دولية.
وترفض الجزائر حتى الآن الاعتراف القانوني بالكنائس الإنجيلية، رغم المطالبات المتكررة من المجتمع الدولي، وتعتبر بعض الأنشطة الدينية غير المرخصة انتهاكا للقوانين المنظمة للعبادات.
ويأتي هذا التحرك بالتزامن مع جهود الإدارة الأميركية الحالية لإعادة ضبط أولوياتها في مجال الحريات الدينية حول العالم، مما قد يعزز من فرص الضغط الأميركي على الجزائر في هذا الملف خلال المرحلة المقبلة.