اضطراب سوق العمل يفرمل التوطين المتسرع للوظائف في الكويت

ملامح عملية إصلاحية جديدة قوامها فصل القرار الاقتصادي عن الضغوط الفئوية والحزبية الممارسة عن طريق نواب البرلمان.
السبت 2023/12/30
مشاق يعتبر الكويتيون أنفسهم في غنى عنها

الكويت - دفع نقص الأيدي العاملة في القطاع الخاص بالكويت سلطات البلاد إلى اتّخاذ إجراء استثنائي تمثّل في السماح للعمال الوافدين بالعمل لدى أكثر من مُشغّل، الأمر الذي أكّد عدم إمكانية الاستغناء ولو جزئيا عن هؤلاء العمال في نطاق البرنامج الجاري تنفيذه والهادف لتعديل التركيبة السكانية باتجاه الحدّ من أعداد الوافدين التي تبلغ حوالي ضعف عدد المواطنين.

وتمثّل الإجراء الذي اعتمده وزير الداخلية الشيخ طلال الخالد في السماح للعامل الوافد بالعمل الجزئي لدى صاحب عمل ثان غير المشغّل الأصلي بشرط موافقة الأخير على ذلك.

واضطرت الحكومة لاتّخاذ هذا القرار الذي بدا مخالفا لجوهر ما يعرف محليا بعملية “التكويت” التي تعني إحلال المواطنين محل الوافدين في الوظائف ومواطن العمل، ما تسببت فيه ندرة العمال من ارتباك في عدد من مشاريع وأعمال القطاع الخاص الذي فشلت الدولة الكويتية في إقناع المواطنين بالتوجّه إليه بدل الإقبال الشديد على الوظائف الحكومية الأكثر راحة والأعلى أجرا.

وبدأ عدد من أصحاب المشاريع يتذمرون من تعطّل أعمالهم جرّاء نقص اليد العاملة بفعل ما بات يتخّذ من إجراءات تعقّد عمليات استقدام العمال من الخارج وتضيّق نطاقها. ولا تقتصر الظاهرة على القطاع الخاص وحده بل أصبح النقص يطال بعض فروع القطاع العمومي على غرار التعليم الذي عرف مطلع السنة الدراسية الحالية اضطرابا ناتجا عن نقص في الكادر التدريسي.

تبدو الكويت مع تولي الأمير الجديد لمقاليد السلطة مقبلة على عهد جديد قوامه الإصلاح، وخصوصا ما يتعلّق منه بالاقتصاد الذي يعاني من اختلالات لا تتناسب وحجم الثروة النفطية التي تمتلكها البلاد

وبينما تبدو السياسة السكانية للحكومات الكويتية متأثرة في التعامل مع قضية عدد الوافدين بحالة من الضغط الشديد مارستها جهات نيابية على مدى السنوات الماضية باعتماد التضخيم من خطر الظاهرة على البلد أمنيا واقتصاديا واجتماعيا، يبدو في المقابل أن ما اتّخذ من إجراءات في نطاق تلك السياسات لم يأخذ نصيبه الكافي من الدراسة والتمحيص ووضع الآليات التنفيذية اللازمة له والواقية من تبعاته على اقتصاد البلاد.

وعلى هذا الأساس لم تخل الساحة الكويتية من أصوات منادية بالتريث في تطبيق سياسة “التكويت” وخصوصا من قبل الفاعلين الاقتصاديين الخواص المتضررين منها بشكل مباشر. ويجيز القرار الحكومي الجديد، وفقا لما أوردته صحيفة “الرأي” المحلية، للعاملين في القطاع الخاص ممارسة العمل الجزئي لدى صاحب عمل آخر بمعدّل حصّة يومية لا تتجاوز الأربع ساعات، وذلك بعد إصدار إذن استثنائي بذلك من الهيئة العامة للقوى العاملة، على أن يستثنى من شرط تحديد مدّة الحصّة قطاع مقاولات البناء.

ويكشف الاستثناء الأخير مدى تضرر القطاع من قلة اليد العاملة نظرا لنشاطه الكثيف في ظل الإقبال على مشاريع البنية الأساسية والإسكان، من ناحية، ومستوى جاذبيته التي تكاد تكون منعدمة لليد العاملة المحلية غير الوافدة من ناحية أخرى.

ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة أن كلفة الأيدي العاملة في مشاريع البناء في المدن الإسكانية الجديدة ارتفعت بشكل كبير وبلغت خلال العام الجاري ما بين 81 و97 دولارا يوميا للعامل الواحد، وهو الأمر الذي كانت له آثار سلبية على الكثير من المواطنين أصحاب القسائم الذين اضطر بعضهم إلى وقف العمل مؤقتا بانتظار انفراجة في ملف أجور العمال خصوصا وقد ترافق ارتفاع الأجور مع موجة تضخم وارتفاع في أسعار مواد البناء.

وربطت المصادر القرار الحكومي بالسماح للوافدين بالعمل لدى أكثر من مشّغل بـ”المحاولات الرامية إلى ضبط سوق العمل والحد من آثار سياسات ضبط التركيبة السكانية التي أدت إلى شح في العمالة المهنية والحرفية وتاليا ارتفاع الأجور بشكل كبير في قطاعات البناء والتشييد والقطاعات الخدمية كالمطاعم والمقاهي وخدمات التوصيل وغيرها”.

الإصلاحات المرتقبة تبنى أساسا على تصويب عملية اتخاذ القرار الاقتصادي في ضوء المصلحة العامّة وليس استجابة للضغوط الفئوية والحزبية الممارسة عن طريق نواب مجلس الأمّة

وأشارت المصادر إلى أنّ جهات اقتصادية ومالية عدة في البلاد دعت الحكومة إلى مراجعة سياسات إصلاح التركيبة السكانية وإعادة النظر في بعض القرارات التي أدت إلى تراجع أعداد العمالة في بعض القطاعات الحيوية، وشددت على ضرورة مراعاة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية في مثل هذه الأمور وعدم حصر المسألة في البعد الأمني، لافتة الى تضرر قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بشكل كبير. ونقل النائب عبدالوهاب العيسى عن وزير الداخلية قوله إنّه سيعاد “فتح البلد وإرجاع الحركة التجارية إلى شكلها الطبيعي بعد إقرار قانون إقامة الأجانب الجديد”.

ويهدف القانون إلى إعادة تنظيم استقدام الأجانب وإقامتهم في البلاد بتغليظ العقوبات بحق من يتلاعب بتصاريح الاستخدام والإقامة، لكنّه يهدف في نفس الوقت إلى تيسير قدوم فئات ذات فائدة خاصّة للاقتصاد الكويتي حيث تتضمن بعض مواده منح إقامات مطوّلة وقابلة للتجديد لملاك العقارات والمستثمرين، بالإضافة إلى منح العامل أو الفني الوافد حق الإقامة بناء على طلب الجهة الراغبة في تشغيله لديها.

وتبدو الكويت مع تولي الأمير الجديد الشيخ مشعل الأحمد لمقاليد السلطة مقبلة على عهد جديد قوامه الإصلاح، وخصوصا ما يتعلّق منه بالاقتصاد الذي يعاني من اختلالات لا تتناسب وحجم الثروة النفطية التي تمتلكها البلاد.

ويتوقّع متابعون للشأن الكويتي أن تبنى الإصلاحات المرتقبة أساسا على تصويب عملية اتخاذ القرار الاقتصادي في ضوء المصلحة العامّة وليس استجابة للضغوط الفئوية والحزبية الممارسة عن طريق نواب مجلس الأمّة (البرلمان)، وهو الأمر الذي تجسّد في السابق باتخاذ قرارات غير ملائمة لمجرّد استرضاء النواب ومن بينها ما يتعلّق بسياسة “التكويت” المتسرّعة على سبيل التمثيل لا الحصر.

3