اضطراب الأسواق يوسع فرص أفريقيا في سلاسل الإمداد العالمية

ينظر المحللون والخبراء إلى الفرص الثمينة التي قد تستفيد منها أفريقيا، ولاسيما دول شمال القارة، لتوسيع انخراطها في سلاسل الإمدادات العالمية لما تتمتع به من بيئة خصبة للأعمال جراء الاضطرابات الراهنة في العمليات التجارية وارتباطها بنشاط الأسواق.
جنيف - أكد خبراء مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) أن أفريقيا بإمكانها أن تصبح قوة عالمية في سلاسل التوريد في حال اغتنمت الفرص الكثيرة التي أفرزتها الأزمات منذ تفشي وباء كورونا قبل أكثر من ثلاث سنوات.
وذكرت المنظمة الأممية في تقرير “التنمية الاقتصادية في أفريقيا لعام 2023” الذي نشرته على منصتها الإلكترونية أن بلدان القارة يمكن أن تصبح مشاركا رئيسيا في سلاسل التوريد العالمية من خلال تسخير مواردها الهائلة.
وقالت الأمين العام لأونكتاد ريبيكا غرينسبان إنه “مع وفرة الموارد والسوق الاستهلاكية المتنامية، يمكن أن تصبح أفريقيا وجهة تصنيع بارزة للصناعات كثيفة التكنولوجيا ورابط رئيسي في سلاسل التوريد العالمية”.
وأضافت أن “وفرة المعادن المهمة في أفريقيا، بما في ذلك الألمنيوم والكوبالت والنحاس والليثيوم والمنغنيز، والمكونات الحيوية في الصناعات كثيفة التكنولوجيا، تضع القارة كوجهة جذابة للتصنيع”.
وأوضحت أن ذلك سيكون مفيدا لاقتصادات القارة مع الضبابية الناجمة عن الاضطرابات التجارية والأحداث الجيوسياسية وعدم اليقين الاقتصادي ما يجبر الشركات المصنعة على تنويع مواقع إنتاجها.
وخلال العقود الماضية ظلت أسواق القارة بعيدة عن المساهمة بشكل كبير في الاقتصاد العالمي، ولكن مع بروز تنافس بين الدول الكبرى في مقدمتها الصين والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا ومؤخرا روسيا، بات ثمة اهتمام كبير بالاستثمار في أفريقيا.
وتشير المنظمة إلى وجود العديد من القطاعات التي يمكن للدول العربية في أفريقيا الدخول إليها، أو تعزيز تواجدها فيها، على غرار صناعة السيارات والمنتجات المرتبطة بها، إضافة إلى الهواتف الذكية والألواح الشمسية.
وتأثر قطاع السيارات، على سبيل المثال، بشدة بالأزمات التي قد تطرأ في سلاسل الإمداد، وهو ما ظهر جليا خلال الجائحة وما بعدها. ويبقى إنتاج السيارات الجديدة منخفضاً، بما يمثل نحو 1.2 في المئة من حجم التجارة العالمية.
وبحسب التقرير تهيمن كل من جنوب أفريقيا والمغرب والجزائر ومصر على التوالي على هذه الصناعة في القارة، ولديها فرص هائلة للتوسع.
وأنتجت جنوب أفريقيا في العام 2019 نحو 632 ألف سيارة، في حين وصل الإنتاج في المغرب إلى 403 آلاف سيارة، أما الجزائر فأنتجت أكثر من 60 ألفا ومصر نحو 18.5 ألف.
وتظهر خرائط سلاسل الإمداد أن البلدان الأفريقية لا تزال تعتمد إلى حد كبير على استيراد قطع غيار ومكوّنات السيارات من خارج القارة، إلا أن هناك مجالاً للتكامل مع سلاسل الإمداد الإقليمية بشكل أكبر.
ويوفر تصنيع الأجزاء والمكونات ذات التكنولوجيا الأقل أحد خيارات الإنتاج الأكثر جدوى لمعظم بلدان القارة، نظراً إلى أن متطلباتها التكنولوجية أقل، وغالبا ما تتطلب معادن وفيرة كمدخلات.
وبحسب الخبراء تمثل هذه الأمور مكوّنات أساسية لتحقيق التنويع في سلاسل التوريد العالمية.
وبالنسبة إلى الهواتف الذكية فيمكن لهذه الصناعة أن تجذب الكثير من المستثمرين والشركات التي تسعى إلى تنويع سلاسل الإمداد الخاصة بها، وهي تنظر فعلاً إلى أفريقيا بوصفها مكاناً ممكناً لهذا الأمر.
ويلفت التقرير إلى أن معظم المعادن والمواد التي تدخل في تصنيع الهواتف الذكية، يمكن استخراجها في أفريقيا. فعلى سبيل المثال تضم القارة احتياطات ضخمة من الكوبلات والنحاس والجرافيت والليثيوم والمغنيزيوم والنيكل.
وفيما يتعلق بالألواح الشمسية فإنها من القطاعات المغرية للاستثمار في القارة، مع ارتفاع الطلب على الطاقة المتجددة.
وتشير التقديرات إلى أنه بين عامي 2000 و2020 ارتفع حجم الاستثمار في قطاع الطاقة النظيفة في أفريقيا بمعدل سنوي يصل إلى 96 في المئة، بفضل إمكانات المنطقة الواسعة في الطاقة الشمسية.
ولكن أونكتاد حذرت من أن القارة تعاني من فجوة في الاستثمار، حيث تحصل على نحو اثنين في المئة من حجم الاستثمار العالمي في قطاع الطاقة المتجددة.
وأشار المؤتمر في تقريره إلى أن إنتاج الألواح الشمسية الكهروضوئية محدود، مع ظهور بعض الفرص في مصر والمغرب وجنوب أفريقيا.
ولا يقل تصنيع الأدوية والأجهزة الطبية أهمية من القطاعات السابقة، ففي أفريقيا تتركز صناعة المنتجات الصيدلانية بشكل رئيس على الأدوية العامة التي تتميز بعملية إنتاج بسيطة ومحدودة لعناصر المواد الفاعلة.
كما أن هناك نقصا في عمليات البحث والتطوير في هذا المجال في القارة. وارتفع العجز التجاري في المنتجات الصيدلانية من 2.3 مليار دولار في 2020 إلى 12.5 مليار دولار في 2022.
وبحسب معدي التقرير تستطيع دول أفريقيا التعاون مع الشركات العالمية لضمان وصولها إلى المعرفة والتكنولوجيا اللازمة لإنتاج سلاسل توريد مرتبطة بالأجهزة الطبية والمنتجات الصيدلانية.
وسيكون ذلك رهينا بتطوير المصادر المحلية وصناعة المواد الأولية الداخلة في هذه الصناعة. وعلى سبيل المثال، هناك مبادرات بحثية محلية كبرى جارية في مصر لإنتاج المكونات الصيدلانية الأكثر فعالية.
ورغم الثروة الكبرى للقارة والاستثمارات الضخمة في قطاع التعدين، إلا أن أفريقيا لم تتمكن من ترجمة مواردها إلى اقتصاد ثابت يمكنه أن يؤدي إلى تطور اجتماعي وبيئي.
وترى أونكتاد أنه من الضروري أن تدعم دول العالم الموردين الأفارقة في قطاع التعدين الذي يمكن أن يتفاوت من المنتجات مثل السيارات والحفارات إلى الخدمات مثل الموارد البشرية.
بلدان شمال أفريقيا تتمتع بإمكانيات هائلة للتحول إلى نقاط رئيسية للتجارة مع تركيز صناعات ذات قيمة
وفي غضون ذلك تلعب الكثير من العوامل دوراً في قرارات الشركات بشأن تغيير بلدان ومناطق سلاسل الإمداد، وبناء العلاقات مع الموردين.
وقسّم التقرير هذه العوامل إلى قسمين، مرتبطة وأخرى أصيلة. ومن بين العوامل المرتبطة الابتكار التكنولوجي والخدمات المالية والسياسات.
ومن بين العوامل الأصيلة التوريد والمواد الأولية، إضافة إلى الإنتاج الذي ينقسم بدوره إلى التكنولوجيا المستخدمة في الإنتاج، والعمالة ورأس المال وأخيراً التوزيع الذي ينقسم إلى المكان، والنقل والتخزين ومبيعات التجزئة والجملة والطلب.
وأشار التقرير إلى أن أفريقيا عموماً وبعض الدول العربية فيها، لديها الإمكانات في الكثير من هذه الأقسام ما يجعلها مغرية للشركات.
وعلى سبيل المثال، فإن أونكتاد لفت إلى أن غالبية الدول الأفريقية، وفي مقدمتها مصر، احتلت في 2018 مكانة قريبة جداً من المعدل العالمي في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية.
كما أن الزيادة السكانية في القارة لها تأثيرها على قرار الشركات. فوفقاً للأمم المتحدة فإن أكثر من نصف الزيادة المتوقعة في عدد سكان العالم حتى 2050 ستتركز في ثمانية بلدان فقط.
وهذه البلدان هي الكونغو الديمقراطية ومصر وإثيوبيا والهند ونيجيريا وباكستان والفلبين وتنزانيا، وهو ما يعني أن خمسة من الدول الثماني في أفريقيا.
ويمكن أن يعزز النمو الديموغرافي إمكانات النمو المستقبلية للأسواق الاستهلاكية في أفريقيا والتي هي على نحو متزايد من التطور والعولمة ومنخفضة الكلفة.