اضراب مفاجىء بالبريد يكشف توجها لتشدد الحكومة الجزائرية في التعاطي مع الحريات النقابية

الجزائر - قضت محكمة جزائرية بعدم شرعية إضراب عمال البريد، كما أمر وكيل الجمهورية بفتح تحقيق حول الجهات التي روجت للإضراب عبر شبكات التواصل الاجتماعي، مما يترجم نوايا الحكومة في التشدد مع العمل النقابي وحق الإضراب، وفق مشروع قانون جديد بدأ يثير مخاوف الجبهة الاجتماعية على ما تصفه بالمكاسب التقليدية للطبقة الشغيلة بالبلاد.
وأفادت برقية لوكالة الأنباء الرسمية أن محكمة الدار البيضاء أصدرت مساء الأحد حكما يقضي بـ”عدم شرعية التوقف عن العمل الذي تم تسجيله على مستوى بعض المكاتب البريدية”.
وأوضحت البرقية بأنه “فضلا عما ستقرره العدالة وفقا لنتائج التحقيقات التي تمت مباشرتها بشأن النداءات مجهولة المصدر على وسائل التواصل الاجتماعي، ستتخذ المديرية العامة لبريد الجزائر كل الإجراءات والتدابير المنصوص عليها في النصوص القانونية والتنظيمية سارية المفعول”.
وهو ما يترجم نوايا الحكومة في مراجعة آليات العمل النقابي في البلاد وحق العمال في الإضراب، وفق مشروع القانون الجديد المتواجد على مستوى الحكومة، والذي أثار عدة مخاوف لدى الطبقة السياسية والنقابية، حول ضياع مكاسب الطبقة العاملة التي اكتسبتها منذ بداية التعددية في نهاية ثمانينات القرن الماضي.
الحكومة تسارع لاستباق أي انفلات اجتماعي عبر تطويق الأصوات النقابية واجهاض الإضرابات والحركات الاحتجاجية
وكانت زعيمة حزب العمال لويزة حنون قد دعت السلطة إلى سحب مشروع القانون وعدم المغامرة باستفزاز الجبهة الاجتماعية، واستغربت نية الحكومة في العزل بين العمل السياسي والعمل النقابي، كما دعت المركزية النقابية الموروثة عن نضالات الاستقلال ونقابات مستقلة إلى تجميد المشروع إلى غاية فتح مشاورات موسعة مع الفاعلين في المشهدين النقابي والسياسي.
وذكرت حنون بأن “مشروع القانون الجديد يمثل تهديدا مباشرا للعمل النقابي وللحريات المكتسبة منذ عقود كاملة، وأن الحكومة تريد الهيمنة على كل شيء، دون أن تقدر العواقب المحتملة، لاسيما استفزاز الطبقة العمالية بترجيح كفة المستخدمين على حساب مصالح العمال”.
وتفاجأ الشارع الجزائري يوم السبت بإضراب غير معلن في القنوات الرسمية لعمال وموظفي قطاع البريد، مما أدى إلى تسجيل حالة من الازدحام والطوابير الطويلة أمام مكاتب القطاع في مختلف ربوع البلاد، الذي يمثل إجازة أسبوعية في البلاد حيث يتفرغ الجزائريون لأداء معاملاتهم البريدية.
ويهدف الإضراب عن العمل للمطالبة بيوم إجازة ثان، ورفع الرواتب والمنح كالمردودية الفردية والجماعية وقيمة الأرباح السنوية، ودفع منحة جائحة كورونا.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد أقر زيادات جديدة في الرواتب تمس موظفي قطاع الوظيفة العمومية، لتصل تدريجيا إلى نحو 50 في المئة إلى غاية العام 2024، في حين لم يتم طرح رواتب عمال القطاعات الأخرى للنقاش، لاسيما المنتجة، الأمر الذي سيثير حساسية بين منتسبي مختلف القطاعات.
ويعد قطاع البريد والاتصالات المملوك للحكومة من بين القطاعات ذات المردودية العالية قياسا باستقطابه لغالبية المعاملات المالية والبريدية في البلاد، حيث يحوز على نحو 26 مليون حساب و10 ملايين بطاقة ائتمانية، فضلا عن مختلف الخدمات الأخرى، ويوظف حوالي 30 ألف موظف.
ويبدو أن الحكومة تسارع لاستباق أي انفلات اجتماعي عبر تطويق الأصوات النقابية وإجهاض الإضرابات والحركات الاحتجاجية العمالية، حيث أبطل القضاء شرعية الإضراب الذي شنه عمال القطاع، كما تم فتح تحقيق حول الجهات التي روجت له عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
وأمرت نيابة الجمهورية لدى القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال بمجلس قضاء العاصمة بـ”فتح تحقيق فوري لكشف ملابسات قضية النداءات المجهولة الداعية عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى عرقلة السير الحسن لعمل بعض المؤسسات العمومية، لاسيما مصلحة البريد”.
ولفت بيان للمجلس إلى أنه “تطبيقا لأحكام المادة 11 فقرة 3 من قانون الإجراءات الجزائية، يعلم وكيل الجمهورية لدى القطب الجزائي الوطني لمكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال، الرأي العام، أنه تبعا لرصد نداءات مجهولة عبر منصات التواصل الاجتماعي تدعو إلى عرقلة السير الحسن لعمل بعض المؤسسات العمومية التي تقدم خدمات للمواطنين، لاسيما مصلحة البريد، والتي تتزامن مع صرف منحة البطالة للمستفيدين منها، أمرت نيابة الجمهورية بفتح تحقيق فوري لكشف ملابسات القضية والمتورطين فيها، وأن القانون سيطبق بالصرامة اللازمة”.
واتهم المدير العام لبريد الجزائر لؤي زيدي في تصريح للتلفزيون الحكومي “محرّضين بدفع عمال في بعض مراكز البريد للتوقف عن العمل والدخول في إضراب غير قانوني”.
وقال إن “نسبة الاستجابة لدعوات التوقف عن العمل لم تتعدّ 15 في المئة على المستوى الوطني، وأن الدعوة إلى الإضراب قامت بها حسابات مجهولة في موقع فيسبوك”.
وأضاف أن “مصالح المؤسسة بصدد رفع دعاوى قضائية ضد أشخاص ساهموا في التحريض على الإضراب، والترويج للنداءات المشبوهة في شبكات التواصل الاجتماعي”، وتساءل عن “خلفيات تزامن الحركة الاحتجاجية مع يوم نهاية الأسبوع وصرف منحة البطالة ومختلف الزيادات التي أقرها رئيس الجمهورية”، وهو تلميح مبطن إلى تعطيل إجراءات الدولة وتأليب الشارع على السلطات العمومية.