اشربوا ماء البحر

إذا شرب الإنسان ماء البحر، فإنه سيتم امتصاص الملح في الدم الذي سيصبح مالحا بالطبع، وسيتعين على الكلى إزالة ذلك الملح، ولتقوم بذلك ستحتاج إلى المزيد من الماء بمعدل كوب من الماء العذب مقابل كل كوب من الماء المالح.

في ذات الوقت يمكن لبعض الثدييات البحرية (مثل الحيتان والفقمات) والطيور البحرية (مثل النوارس وطيور القطرس) شرب مياه البحر، حيث تمتلك الثدييات البحرية كلى فائقة الكفاءة، وللطيور البحرية غدة خاصة في أنوفها تزيل الملح من الدم.

وبحسب الدراسات العلمية، فإن تركيز مياه البحر العادية يبلغ حوالي 3.5 في المئة بينما هناك أماكن مثل البحر الميت ستكون أعلى، وستكون بعض الأماكن الأخرى أقل، وتركيز المحلول الملحي العادي الذي يستعمل في بعض العلاجات بشكل عام حوالي 0.9 في المئة، وهو نفس تركيزه في البلازما البشرية.

هذه المعطيات تجعل الإنسان يموت عطشا وهو على ظهر قارب يمخر عباب الموج، أو وهو على الشاطئ، بسبب افتقاده للمياه العذبة، أو ذات المعدل البسيط من الملح.

ولا يُشرب ماء البحر، لكن الأشخاص المدربين سيجدون الحل المناسب، إذ يمكن تحلية مياه البحر عن طريق غليان هذه المياه في وعاء لتجميع الماء المقطر.

خلال الحرب العالمية الثانية، استخدم بعض البحارة الصينيين والبريطانيين أساليب مماثلة لإنتاج كمية كبيرة من المياه العذبة على الجزر الصحراوية غير المأهولة، وحافظوا على حياتهم لمدة 76 يوما، وتم إنقاذهم أخيرا عندما اكتشفتهم الطائرات البريطانية.

هناك قصص وأساطير كثيرة حول موضوع إزالة الملح من مياه البحر منذ العصور القديمة، ولكن لم تبدأ الجهود لاستخراج المياه العذبة من مياه البحر إلا في القرن السادس عشر.

في ذلك الوقت، استخدم المستكشفون الأوروبيون المواقد الموجودة على متن السفينة لغلي مياه البحر لتكوين مياه عذبة خلال رحلاتهم الطويلة.

حوالي عام 1850، نظرا إلى أن صناعة السكر كانت بحاجة إلى استهلاك الكثير من الوقود لتسخين سائل السكر لتبخير الماء الموجود فيه، قام المهندسون الأميركيون بتطوير تقنية تكرير السكر للتبخر متعدد التأثيرات.

المؤكد علميا أن حوالي 97 في المئة من المياه الموجودة على كوكب الأرض هي مياه البحر، و3 في المئة فقط هي مياه عذبة، ومعظم المياه العذبة موجودة على سطح الأرض على شكل أنهار جليدية.

موارد المياه العذبة التي يمكن للبشر استخدامها على سطح الأرض تمثل فقط حوالي 0.26 في المئة من إجمالي موارد المياه العالمية.

بحسب بيانات الأمم المتحدة، يعيش أكثر من مليار شخص في العالم في مناطق تعاني من نقص المياه. وبحلول عام 2025، سيرتفع هذا الرقم إلى 1.8 مليار.

وإذا كانت هناك 25 دولة تعاني أكثر من غيرها من شح الموارد المائية، فإن من بينها 15 دولة عربية لن تجد أمامها إلا ماء البحر لتحليته واستهلاكه في الشرب والري ومختلف بقية حاجاتها الحياتية.

“اشرب ماء البحر” لم يعد نوعا من التحدي اللفظي الفضفاض وإنما هو حقيقة علينا أن نتعامل معها بجدية كاملة، وإلا كان مآلنا الموت ظمأ.