اشتداد الجفاف يفاقم خطر انعدام الأمن الغذائي على اليمنيين

الحكومة اليمنية تبذل جهودا مضنية للحد من آثار تغير المناخ وتبني حزمة من الإجراءات لتخفيف أثار الجفاف.
الثلاثاء 2023/03/07
من أين يأتون بالماء؟

تتضاءل هوامش ابتعاد اليمن عن حدود العجز الهائل في الأمن الغذائي، والذي يتفاقم بدرجة خطيرة جراء موجة الجفاف القاسية وقلة المساعدات الخارجية، ما يدفع مسؤولين إلى التحذير من اتساع دائرة الجياع رغم ظهور بوادر مرتبكة لتحريك نشاط الزراعة.

عدن - تكافح الحكومة اليمنية بشق الأنفس لتأمين غذاء الناس بعدما تضررت الزراعة من نقص المياه، والتحديات الاقتصادية الحادة الأخرى التي يعاني منها البلد منذ أكثر من ثماني سنوات.

وتعكس استغاثات المسؤولين بسبب عجزهم عن مواجهة مشكلة الجفاف لوحدهم مدى اختناق الوضع، وتؤكد في الوقت ذاته تفاقم معضلة نقص الغذاء في بلد يعاني من أزمة مالية غير مسبوقة في ظل الحرب.

وتتفاقم معاناة المزارعين يوما بعد يوم بعد أن وقفوا على حجم الخسائر التي يتكبدونها، بينما اضطر البعض منهم إلى زراعة محاصيل أقل استهلاكا للمياه وحفر الآبار الجوفية.

ويحتل اليمن مع بعض الدول العربية مرتبة الأشد فقرا في مخزون المياه، حيث يعتبر ضمن البلدان التي تواجه أزمة حادة في عصب الحياة لأسباب مختلفة ومتعددة، منها تلوث الأحواض الجوفية والحفر العشوائي للآبار الارتوازية.

واعد باذيب: اليمن من أقل الدول قدرة على مواجهة آثار تغير المناخ
واعد باذيب: اليمن من أقل الدول قدرة على مواجهة آثار تغير المناخ

وأكد واعد باذيب، وزير التخطيط اليمني، خلال جلسة عمل ضمن فعاليات المؤتمر الخامس للأمم المتحدة للدول الأقل نموا، الذي انطلق الأحد في الدوحة، أن بلاده “تحتل المرتبة السابعة عشرة بين الدول الأقل قدرة على مواجهة آثار تغير المناخ”.

ونقلت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية عن باذيب قوله “تشير الإحصاءات إلى أن التغيرات المناخية الكبيرة والمفاجئة قد أعاقت جهود الأمن الغذائي بسبب تأثر العديد من الأراضي بالفيضانات والسيول، وكذلك الجفاف، نتيجة التصحر الذي تعاني منه الأراضي الزراعية”.

وحاليا، لا توفر الزراعة في اليمن سوى ما بين 15 و20 في المئة من الاحتياجات الغذائية بسبب محدودية الأراضي الزراعية وشح موارد المياه، واتباع الممارسات الزراعية السيئة التي تفاقمت بسبب سنوات الحرب وارتفاع أسعار الوقود.

وتبذل الحكومة جهودا مضنية للحد من آثار تغير المناخ وتبني حزمة من الإجراءات، على رأسها إعداد خطة طوارئ مناخية لمواجهة الكوارث الطبيعية والتخفيف من حدتها، علاوة على مكافحة التصحر ووقوف زحف الرمال وتخفيف أثار الجفاف.

وأشار باذيب إلى أن تفاقم الأزمة الإنسانية المستفحلة في اليمن، والتي تتجلى في احتياج نحو 80 في المئة من السكان إلى المساعدات الإنسانية ووجود قرابة 4.3 مليون نازح في الداخل، تزيد معدلات الفقر والبطالة إلى مستويات حرجة، فضلا عن انكماش الاقتصاد.

ويواجه اليمن مشكلات بيئية خطيرة، فهو يحتل المرتبة 171 من أصل 182 دولة على مؤشر نوتردام العالمي للتكيف، الذي يقيّم قابلية التأثر بتغير المناخ والاستعداد للتكيف معه.

وكبدت الحرب اقتصاد اليمن خسائر 126 مليار دولار، وفق إحصائيات الأمم المتحدة، وبات معظم سكان البلاد، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات، في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم.

ودمر الصراع البنية التحتية للمياه، وترك الملايين من الأشخاص دون مياه صالحة للشرب أو لزراعة المحاصيل. وتم إهمال نظام الزراعة التقليدية المستخدمة كمصدر للغذاء والمعيشة في البلد.

وتقول مؤسسات مالية دولية إن القطاع الزراعي تدمر بشكل بالغ وكبد البلاد خسائر لا حصر لها. كما أن تراجع عمليات الإنتاج أثر بوضوح على تحقيق الأمن الغذائي، خاصة وأنه كان يساهم سنويا بنحو 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لليمن.

محصول هزيل لا يكفي الحاجة
محصول هزيل لا يغطي الحاجة

وأشار خبراء منظمة الأغذية والزراعة “فاو” في تقاريرهم الدورية إلى أن الزراعة لا تزال أهم قطاع اقتصادي في اليمن، ولكنها تضررت بشدة من آثار الصراع والأمراض، مما أدى إلى تقلص فرص كسب العيش.

ووفق تحليل أجرته المنظمة الأممية قبل فترة، يعاني حاليا ما يقرب من نحو 16.2 مليون يمني من أزمة انعدام الأمن الغذائي الحاد، أي في المرحلة الثالثة وأعلى من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي.

وأكد البنك الدولي في تقرير نشره في أغسطس الماضي أن “تغير المناخ يجعل هطول الأمطار في اليمن أقل موثوقية ويجري تجفيف طبقة المياه الجوفية، وخاصة في حوض صنعاء بسرعة”.

ويحتاج المزارعون إلى حفر على عمق ألف متر حتى يتمكنوا من الوصول إلى المياه الجوفية، بعدما شهدت السنوات القليلة الماضية حالات جفاف في اليمن تتخللها أمطار غزيرة، مما تسبب في فيضانات خاطفة لم تغذ طبقات المياه الجوفية.

ولا يزال بعض المزارعين يحاولون الاحتفاظ بالمحاصيل الغذائية وإنقاذها في العديد من المناطق، لكنهم يقولون إنهم يحتاجون إلى مساعدة، إذ إن منتجات مثل الخيار والطماطم تتطلب ريها بالماء كل يومين.

وتوقع أحد التقارير الحديثة أن تشهد منطقة شرق البحر المتوسط والشرق الأوسط ارتفاعا في درجات الحرارة تقريبا أسرع مرتين من المتوسط العالمي، مع ارتفاع درجة حرارة عامة تصل إلى 5 درجات مئوية أو أكثر بحلول نهاية القرن الحالي.

التغيرات المناخية الكبيرة والمفاجئة قد أعاقت جهود الأمن الغذائي بسبب تأثر العديد من الأراضي بالفيضانات والسيول وكذلك الجفاف نتيجة التصحر

ويضع عدم قدرة المزارعين على تحمل تكاليف الإنتاج في ظل ارتفاع الأسعار إلى جانب موجة الجفاف وغزو الجراد، الثروة الزراعية اليمنية أمام تحد كبير لا يمكن تخطيه إلا بالاستعانة بالمساعدات والدعم الحكومي.

وفي أكتوبر الماضي، لجأ البعض من المزارعين إلى زراعة القمح بأنفسهم، بعدما أثرت الاضطرابات العالمية على الواردات ودفعت الأسعار إلى الارتفاع.

وقال مزارع يدعى خالد معصر لوكالة رويترز إن “معظم اليمنيين لا يستطيعون تحمل أسعار القمح الأجنبي مع ارتفاع الأسعار إلى نحو 20 ألف ريال (ما يعادل 33 دولارا).

ومنذ نحو أسبوعين، شهدت العملة تحسنا طفيفا بواقع 1240 ريالا للدولار الواحد، مقابل 1260 منتصف فبراير الماضي بعد ضخ السعودية لوديعة بقيمة مليار دولار في حسابات البنك المركزي في عدن.

وتضاعف تضخم أسعار المواد الغذائية بالفعل في غضون عامين فقط في بعض أجزاء البلاد. وأكد خالد أن “المزارع إذا كان يعمل في الحقل وهذا يوفر له دخلا فهذه نعمة عظيمة. وهذا ما يدفع الناس إلى العودة إلى زراعة القمح”.

أما المزارع عبده سنان فقال “نتيجة للأزمة الأوكرانية، بدأ الأشخاص الذين لم يزرعوا محاصيل من قبل في زراعة القمح في أراضيهم”. وأضاف “يستغل الناس أراضيهم، وهذا أفضل من الاعتماد على الواردات”.

ويمثل الإنتاج المحلي واسع النطاق للقمح في اليمن تحديا نظرا لندرة مياه الري، والبنية التحتية اللازمة للاستفادة من الأمطار غير متوفرة.

وفي عام 2021، أنتج اليمن حوالي 250 ألف طن من القمح. وأطلقت الحكومة مشروع إضافة أفدنة لزيادة المساحات المزروعة.

11