استهداف مطار بورتسودان يبعثر خطط الجيش

يشكل استهداف شرق السودان تحولا لافتا في مسار الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، ويجهض طموحات القيادة العسكرية التي كانت تعتقد أن قواتها باتت تمتلك أفضلية ميدانية تخول لها حسم الحرب لصالحها.
الخرطوم - استهدفت قوات الدعم السريع بمسيّرات مطار بورتسودان في العاصمة الإدارية التي تتخذها الحكومة السودانية مقرا لها في الشرق، ما يشكل تطورا نوعيا في الحرب التي تركزت في ولايات الوسط والجنوب والغرب دون أن تصل إلى أطراف الشرق والشمال، ما يبعثر أوراق الجيش الذي أكد قرب حسمه الحرب عسكريا مع السيطرة على الخرطوم وولاية الجزيرة وسط السودان.
وأعلنت السلطات السودانية الأحد استئناف العمل في مطار بورتسودان، بعد ساعات من إغلاقه جراء قصف طائرات مسيرة تابعة لقوات الدعم السريع أجزاء منه.
وهزت سلسلة انفجارات عنيفة مدينة بورتسودان في الساعات الأولى من صباح الأحد، نتيجة هجوم بخمس طائرات مسيّرة استهدفت محيط مطار بورتسودان بالمدينة الواقعة على البحر الأحمر، وهو ثاني أكبر المطارات السودانية من حيث الحركة الجوية والوجهات الدولية، بعد مطار الخرطوم، ويعتمد عليه بشكل رئيسي للوصول إلى السودان منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وقال المتحدث باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبدالله في بيان إن “العدو (الدعم السريع) استهدف صباح الأحد بمسيّرات انتحارية قاعدة عثمان دقنة الجوية، ومستودعًا للبضائع، ومنشآت مدنية ببورتسودان،” مشيرا إلى أن الجيش تمكن من إسقاط عدد من المسيرات، وتسبب بعضها في أضرار محدودة تمثلت في إصابة مخزن للذخائر بالقاعدة، ووقعت انفجارات متفرقة دون إصابات بين الأفراد.
يأتي هذا التطور في وقت وظفت فيه قوات الدعم السريع حصولها على طائرات مسيرة متقدمة في استهداف مناطق لم تصلها الحرب، في ولايات الشمال والشرق، وتعزيز هجماتها على مناطق أحكم الجيش سيطرته عليها في ولاية غرب كردفان بالقرب من غرب السودان، ما يقطع الطريق على وصول إمداداته إلى مدينة الفاشر، عاصمة شمال ولاية دارفور، والتقدم في بعض المناطق بجنوب الخرطوم.
واختلفت حسابات حسم الحرب عسكريا، وفقا لمتغيرات ميدانية، وهناك تفوق نوعي حققته قوات الدعم السريع مع تحديث أسلحتها، واستعادة بعض القوات التي هربت من الخرطوم، وبدا أن تمركزها بشكل رئيسي في غرب السودان تحول إلى تطور إيجابي، مكنها من إعادة ترتيب أوراقها والتجهيز لإعادة الانتشار، وهي خطة استخدمها الجيش حينما ترك مساحة تحت سيطرة الدعم السريع قبل أن يحرر أجزاء كبيرة منها.
وتدحض الضربات التي طالت بورتسودان تصريحات أدلى بها نائب القائد العام للجيش السوداني الفريق شمس الدين كباشي، قال فيها إن الصراع بلغ نهايته، معتبرا أن انتشار الأسلحة أحد أكبر التحديات التي ستواجه الدولة في المرحلة المقبلة.
ويشيرهذا الأمر إلى أن خطاب الحسم العسكري سريعا الذي تم ترويجه منذ الساعات الأولى لاندلاع الحرب لم يعد مقنعا لسودانيين عانوا من ويلاتها في الفترة الماضية.
استهداف بورتسودان جاء بعد يوم واحد من تعرض مطار كسلا على الحدود مع إريتريا لهجوم من الدعم السريع
وقال الخبير الأمني الفريق أحمد التهامي إن حرب السودان لم تعد بين الجيش والدعم السريع، وبدأت تتمدد مع ظهور مساندة عبر تهريب الأسلحة من خلال مطار نيالا في دارفور إلى عناصر الدعم السريع واستخدام مسيرات متطورة، ويؤكد الوصول إلى منشآت حيوية وجود قدرات عسكرية تؤشّر على أن الحرب مفتوحة.
وأضاف التهامي في تصريح لـ”العرب” أن ضربات بورتسودان استهدفت مخازن السلاح داخل المطار الحربي، وليس المطار المدني، ما يشكل تطورا ملحوظا، وبحاجة إلى جهود عسكرية كبيرة للتعامل معه من جانب الجيش، لافتا إلى أن إثارة القلاقل في ولايات لم تشهد معارك عسكرية تعرقل وصول الجيش إلى دارفور وكردفان.
وذكر أن الحوار السياسي لم تغلق أبوابه، لكنه أضحى صعبا مع دخول أطراف خارجية على خط الصراع، بجانب حالة التراجع التي أصابت الدعم السريع، وأن المجتمع الدولي من المفترض أن يلعب دورا أكبر في دعم الحل السياسي قبل الوصول إلى تفكك الدولة.
وتوقع أن تتخذ الحرب مسارات أكثر تعقيدا الفترة المقبلة، وسيحاول الجيش استعادة التوازن مجددا، وأن الأصوات داخله تتجه للاستمرار في الحرب مع وجود قناعة بأن ما يحدث في السودان يختلف عن تجارب كان فيها اللجوء إلى المصالحات حلا ناجزا.
وجاء استهداف بورتسودان بعد يوم واحد من تعرض مطار مدينة كسلا، الواقعة في شرق السودان أيضا وعلى الحدود مع إريتريا، لضربات مماثلة من قبل قوات الدعم السريع عبر استخدام سلاح المسيرات، وطالت الضربات منطقة خزان الوقود في مطار كسلا على مسافة حوالي 450 كلم من الخرطوم.
ومنذ أن تعرض قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان لمحاولة اغتيال بطائرة مسيرة في جبيت بولاية البحر الأحمر أثناء حضوره مهرجان تخريج طلاب الكلية الحربية في يوليو الماضي لم يشهد إقليم الشرق توترا، وكانت الضربة دافعا إلى وضع خطط مغايرة ينتقل فيها الجيش من الدفاع إلى الهجوم وبدأ تنفيذها في سبتمبر الماضي.
وأكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان صلاح الدين الدومة أن توفير الدعم العسكري المطلوب لأي من الجانبين قادر على حسم الحرب عسكريا، وهو ما يعول عليه كلاهما، لكن تظل المفاوضات هي الطريق الأفضل، غير أن التيار الإسلامي فوت هذه الفرصة على الجيش، وفي مرات كثيرة كـان يمكـن تحقيق مكـاسب أفضل.
وأوضح الدومة في تصريح لـ”العرب” أن وصول الحرب إلى مناطق لم تصلها أمر متوقع مع التطور التكنولوجي في مجال الطائرات المسيرة، وسهولة الحصول عليها من قبل الدعم السريع والجيش، ومسألة التأرجح في النتائج بين التفوق والخسارة للطرفين سوف تظل حاضرة، وقد لا يكون ذلك في صالح الجيش على المدى الطويل، لافتا إلى أن إقصاء بعض العسكريين ممن لديهم خبرات تؤهلهم للتعامل مع مثل هذه المواقف قد تتكشف ملامحه السلبية داخل صفوف الجيش.
ورغم أن الضغوط الخارجية على الجيش لوقف الحرب مستمرة لا توجد استجابة منه حتى الآن، وسط هيمنة تنظيم الإخوان على دوائر القرار في الحكومة، ولن يتحقق للجيش حسم الحرب عسكريا في ظل عدم إيمان الكيزان (الإخوان) بوحدة الدولة، ما يزيد الاتهامات والانتقادات بين المكونات الداعمة للجيش.