استهداف كنيسة مار إلياس يثير مخاوف من موجة أعمال إرهابية في سوريا

خلف الهجوم الانتحاري الذي استهدف كنيسة مار إلياس في جنوب شرق دمشق صدمة في أوساط السوريين، وزاد مخاوف الأقليات من إمكانية أن يكون الحادث الإرهابي مقدمة للمزيد من العمليات.
دمشق - أربك الهجوم الانتحاري الذي استهدف كنيسة في العاصمة دمشق السلطة الانتقالية في سوريا، وأثار مخاوف كامنة لدى السوريين من موجة إرهاب قادمة، لاسيما وأن الهجوم استتبعته تهديدات باستهداف كنائس أخرى.
وتعهّد الرئيس السوري أحمد الشرع الاثنين بأن ينال المتورطون في الهجوم الانتحاري الذي جد الأحد داخل كنيسة مار إلياس “جزاءهم العادل”.
وأسفر الهجوم غير المسبوق داخل الكنيسة، والذي نددت به الأمم المتحدة وعدة دول، عن مقتل 25 شخصا وإصابة 63 آخرين بجروح.
وفاقم الهجوم مخاوف الأقليات التي كان المجتمع الدولي حضّ السلطة الجديدة مرارا على حمايتها وضمان إشراكها في إدارة المرحلة الانتقالية.
وقال الشرع في بيان “نعاهد المكلومين بأننا سنصل الليل بالنهار، مستنفرين كامل أجهزتنا الأمنية المختصة، لضبط كل من شارك وخطط لهذه الجريمة النكراء، وتقديمهم للقضاء لينالوا جزاءهم العادل.”
واعتبر أن “الجريمة البشعة… تذكرنا بأهمية التكاتف والوحدة، حكومة وشعبا، في مواجهة كل ما يهدد أمننا واستقرار وطننا،” مضيفا “نقف اليوم جميعا صفا واحدا، رافضين الظلم والإجرام بكل أشكاله.”
وأعلنت وزارة الداخلية لاحقا عن “إلقاء القبض على عدد من المجرمين المتورطين في الهجوم،” وقال الوزير أنس خطاب إن الاعتقالات هي نتيجة عمليات “دقيقة” في ريف دمشق استهدفت “مواقع لخلايا إرهابية مرتبطة بتنظيم داعش.”
وكانت وزارة الداخلية السورية قالت الأحد إن منفذ الهجوم من تنظيم داعش.
وجاء الإعلان عن خلفية منفذ الهجوم بعد أقل من ساعة من حصول الحادث الإرهابي، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول ما إذا كان فعلا تنظيم داعش من يقف خلفه، لاسيما وأن الأخير لم يعلن حتى مساء الاثنين أي مسؤولية عنه.
وحذر مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن من حصول المزيد من الأعمال الإرهابية في سوريا، خصوصا أن الكثير من الأشخاص المتطرفين موجودون في المدن، منهم منتمون إلى تنظيم داعش ومنهم من هم على علاقة بهيئة تحرير الشام، موضحا أن بعض جدران الكنائس كتبت عليها تهديدات لكن لم يتلق مسؤولون عن كنائس أي تهديدات جديدة.
وردا على سؤال حول تحميل وزارة الداخلية السورية تنظيم داعش مسؤولية الهجوم، لفت إلى أنه حتى الآن الدولة لا تعرف من المسؤول عن المجازر التي ارتكبت بحق العلويين، فكيف عرفت خلفية منفذ الهجوم خلال أقل من نصف ساعة، مشيرا إلى أن هناك تناقضا بين هذه الرواية ورواية أخرى رسمية تحمل فلول النظام السابق المسؤولية.
وكانت البطريركية التي تتبع لها كنيسة مار إلياس دعت في بيان إثر الهجوم “السلطات القائمة إلى تحمل المسؤولية الكاملة تجاه ما حصل ويحصل من انتهاك لحرمة الكنائس وإلى تأمين حماية جميع المواطنين.”
سوريا تضمّ أقلية مسيحية انخفض عددها من نحو مليون قبل اندلاع النزاع عام 2011 إلى أقلّ من 300 ألف
وقالت إن البطريرك يوحنا العاشر “يجري اتصالاته المحلية والإقليمية لنقل الصورة السوداوية من دمشق إلى العالم أجمع، ويدعو إلى التحرك لوقف هذه المذابح.”
وألحق التفجير أضرارا بالكنيسة الواقعة في حي الدويلعة الشعبي في جنوب شرق دمشق، حيث أقفلت المحلات التجارية الاثنين أبوابها، بينما كان شبان يلصقون أوراق نعي الضحايا على الجدران.
وفي الكنيسة كان عناصر من الدفاع المدني يعملون على جمع ما تبقى من أشلاء متناثرة ووضعها في أكياس بعدما أزيل الجزء الأكبر من الركام ليلا.
وتضمّ سوريا أقلية مسيحية انخفض عددها من نحو مليون قبل اندلاع النزاع عام 2011 إلى أقلّ من 300 ألف، جراء موجات النزوح والهجرة، وفق تقديرات خبراء.
وبعيد توليها الحكم حضّ المجتمع الدولي والموفدون الغربيون الذين زاروا دمشق السلطة ذات التوجه الإسلامي على حماية الأقليات وضمان مشاركتها في إدارة المرحلة الانتقالية، وسط مخاوف من إقصائها، لاسيما بعد وقوع أعمال عنف على خلفية طائفية، إضافة إلى انتهاكات في مناطق عدة.
الهجوم فاقم مخاوف الأقليات التي كان المجتمع الدولي حضّ السلطة الجديدة مرارا على حمايتها وضمان إشراكها في إدارة المرحلة الانتقالية
ويشكل بسط الأمن أبرز التحديات التي تواجهها السلطة الانتقالية منذ وصولها إلى دمشق، بعيد الإطاحة بنظام الحكم السابق الذي لطالما قدّم نفسه حاميا للأقليات التي طالتها هجمات عدة خلال سنوات النزاع تبنت تنظيمات جهادية عددا منها بينها تنظيم داعش.
وأكد مفتي سوريا الشيخ أسامة الرفاعي الاثنين “رفضنا التام استهداف دور العبادة وترويع الآمنين،” مستنكرا الهجوم الذي وصفه بـ”عمل غير مبرر”.
وشددت وزارة الداخلية ليل الأحد، على لسان المتحدث باسمها نورالدين البابا، على أن أمن دور العبادة خط أحمر وأن كل الجهود ستسخر لضمان حرية أداء المواطنين شعائرهم الدينية.
وأضاف “يهدف تنظيم داعش إلى بثّ الفرقة الطائفية وإلى تشجيع كل مكون في سوريا على حمل السلاح، بغية أن يُظهر الدولة السورية عاجزة عن حماية مكوناتها ومواطنيها.”
وكان وزير الداخلية أنس خطاب أفاد في مقابلة صحفية الشهر الجاري بأن التنظيم “انتقل من العمل العبثي الذي يسبب أذية فقط، إلى عمل مدروس لأهداف إستراتيجية.”
وأثار الهجوم الانتحاري تنديدا دوليا. وأعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الإثنين عن “تضامننا مع العائلات المفجوعة والجرحى،” مؤكدا أن بلاده “تدعم الشعب السوري في كفاحه ضد الإرهاب ومن أجل عودة السلام.”
واعتبر الناطق باسم المفوضية الأوروبية المعني بشؤون السياسة الخارجية أنور العنوني في بيان أن “هذا العنف الشنيع والجبان إزاء المسيحيين هو هجوم ضدّ السوريين برمتّهم،” مشدّدا على “ضرورة تكثيف الجهود لمواجهة التهديد الإرهابي والقضاء التام” على تنظيم داعش.
ودعا رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس الاثنين “الحكومة السورية إلى اتخاذ تدابير ملموسة لحماية جميع الأقليات العرقية والدينية.”
من جهته شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن بلاده لن تسمح بجر سوريا “إلى وضع جديد من عدم الاستقرار بفعل منظمات إرهابية (تتحرك) بالوكالة،” متعهّدا بدعم الحكومة الجديدة في معركتها ضد جماعات مماثلة.