استهداف الإعلام الداخلي والخارجي في تركيا: أردوغان ينظر إلى الإعلام كشريك في الاحتجاجات

إسطنبول – تصنف السلطات التركية الإعلام الداخلي والخارجي خصما مباشرا وتتصرف إزاءه كما لو أنه جزء من المعارضة أو يتحرك بتعليمات منها؛ وهو ما يعكس رؤية دأبت عليها أنقرة في ظل حكم رجب طيب أردوغان سواء حين كان رئيسا للوزراء أو لمّا صار رئيسا، وتقوم على اتهام الإعلام وشيطنته إذا نقل أخبارا وصورا لا تتماشى مع سياساته.
ويريد أردوغان من إعلام المعارضة أو الإعلام الخاص أن يكون في صفه، كما هو الحال بالنسبة إلى الإعلام الحكومي، أو ليصمت إما باختياره أو عن طريق التوقيف والإحالة إلى القضاء ووضع العراقيل الإدارية أمام المؤسسات الإعلامية الخاصة. لكن هذه القبضة الحديدية لم تحقق ما يريده الرئيس التركي ودفعت الإعلام إلى أن يكون في طليعة المنتقدين.
والغالبية العظمى من وسائل الإعلام التركية الرئيسية مؤيدة للحكومة، ولم تعرض القنوات الكبرى سوى القليل من لقطات المظاهرات التي عمّت البلاد.
وباتت القنوات والصحف الرئيسية داعمة بقوة لحكومة أردوغان بعد ضغوط قانونية ومالية مارستها الحكومة لسنوات، فضلا عن الاستحواذ على شركات والرقابة الذاتية.
تشدد أردوغان تجاه الإعلام التقليدي دفع الأتراك، وخاصة الشباب، إلى استخدام مواقع التواصل كمصدر معلومات بديل
ويقول مراقبون إن تشدد أردوغان تجاه الإعلام التقليدي والعراقيل التي تضعها السلطات أمام الصحافيين دفعا الأتراك، وخاصة الشباب، إلى استخدام مواقع التواصل كمصدر معلومات بديل ومنبر لإقامة النقاشات وتقييم الوضع العام في البلاد، ما حول الشباب إلى قوة معارضة لسياسات أردوغان.
وألقى تحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى إعلام بديل بضغوط على الرئيس التركي، وعجز عن التصدي لهذا التأثير الواسع ما دفعه إلى اتهام الحسابات على مواقع التواصل بـ”التلاعب بعقول الشباب والاعتماد على الأكاذيب.”
وأعلنت هيئة تنظيم ومراقبة البث الإذاعي والتلفزيوني في تركيا الخميس فرض حظر على بث قناة سوزجو التلفزيونية المعارضة لعشرة أيام، على خلفية اتهامها بـ”التحريض على الكراهية والعداء” في تغطيتها للاحتجاجات الحاشدة.
وطردت السلطات الخميس مراسل هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) مارك لوين الذي جاء لتغطية الاحتجاجات في البلاد، واتهمته بأنه يمثل “تهديدا للنظام العام.”
ووصفت ديبورا تورنيس، الرئيسة التنفيذية لبي.بي.سي، ترحيل المراسل بأنه مبعث “قلق بالغ”، وقالت إن الهيئة ستناقش الأمر مع السلطات التركية.
وقال لوين الذي عاش سابقا في تركيا لمدة خمس سنوات إن ترحيله “مُحزن للغاية”، مضيفا أن حرية الصحافة عنصر أساسي للديمقراطية.
وأمر القضاء التركي بإطلاق سراح عشرة صحافيين أتراك كانوا قد أوقفوا في إسطنبول لتغطيتهم أكبر احتجاجات تشهدها البلاد منذ عقود بدأت قبل ثمانية أيام عقب توقيف رئيس بلدية المدينة، وفق محاميهم ونقابة الصحافيين.
ومن بين الصحافيين الذين أفرج عنهم مصور وكالة فرانس برس ياسين أكجول الذي أوقف فجر الاثنين في منزله بإسطنبول وأفرج عنه مساء من سجن في إسطنبول. لكن محاميه أكد للوكالة أن القضاء لم يُسقط التهم الموجهة إلى الصحافي البالغ من العمر 35 عاما.
وردا على ذلك دعا أوزغور أوزيل، زعيم حزب الشعب الجمهوري، قوة المعارضة الرئيسية إلى التظاهر أمام مقر هيئة تنظيم ومراقبة البث الإذاعي والتلفزيوني في أنقرة.
وانتقد دنيز يوجيل، المتحدث باسم الحزب، “عقلية الرقابة” المستوحاة من جوزيف غوبلز وزير الدعاية في الرايخ الثالث.
وقالت منظمة “مراسلون بلا حدود”، التي تصنف تركيا في المرتبة 158 بين 180 دولة من ناحية حرية الصحافة، إنها “تشعر بالارتياح” للإعلان عن الإفراج عن الصحافيين الأتراك.
وندّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس بـ”اعتداءات” على أسس الديمقراطية في تركيا، على خلفية توقيف مئات الصحافيين أو المعارضين لأردوغان.
وقال ماكرون في ختام قمّة في باريس جمعت الدول الداعمة لأوكرانيا إن “الطابع المنهجي للملاحقات ضدّ شخصيات المعارضة والمجتمع المدني وانتهاكات حرّية الحصول على معلومات والتجمّع وتوقيف رئيس بلدية إسطنبول واحتجازه، كلّها عوامل تشكّل على نحو واضح جدّا انتهاكات واعتداءات هي موضع استنكار.”
من جانبه قال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية الخميس إن المملكة المتحدة تتوقع من تركيا “احترام” سيادة القانون.
وأضاف “لأننا نتقاسم علاقة قوية ومهمة مع تركيا، وكما هي الحال مع جميع حلفائنا، نتوقع احترام الالتزامات الدولية التي نتقاسمها وسيادة القانون، بما في ذلك الإجراءات القضائية السريعة والشفافة.”
وخلال لقاء مع الصحافة في إسطنبول أكد وزير العدل التركي يلماز تونش أن القضاء التركي مستقل ومحايد، مشددا على أن تركيا “دولة قانون”.
وذكر أن اعتقال أكرم إمام أوغلو ليس “سياسيا”، مستنكرا “الاتهامات الظالمة وغير القانونية وغير المبررة” الموجهة إلى أردوغان. وخلص إلى القول “حاولوا ربط التحقيق القضائي برئيسنا. نرفض بشكل قاطع هذه التصريحات غير المسؤولة.”
ويتصدر الشباب الاحتجاجات التي بدأت في 19 مارس، وهي الأكبر منذ احتجاجات جيزي التي انطلقت من ساحة تقسيم في إسطنبول عام 2013.
في العاصمة أنقرة تظاهر طلاب الطب وبعض أساتذتهم مرة أخرى الخميس. وفي إسطنبول حيث الاحتجاجات الأوسع تجمع المئات من الشباب في منطقة تم فيها اعتقال رئيس بلدية آخر من حزب الشعب الجمهوري، بعد ليلة الأربعاء التي كانت أكثر هدوءا من الأيام السابقة.
وتوقف حزب الشعب الجمهوري، قوة المعارضة الرئيسية، الذي كان يدعو الآلاف من المتظاهرين إلى التجمع كل مساء أمام مبنى بلدية إسطنبول، عن القيام بذلك ودعا إلى التظاهر ظهر السبت في موقع آخر من إسطنبول.
من جهته أكّد أردوغان -الذي شدد لهجته تجاه المعارضة مشيرا إلى أن تحقيقات فساد جديدة قد تطال حزب الشعب الجمهوري- أنه لن يستسلم لـ”إرهاب الشوارع” مرارا.
وأعلنت السلطات، التي حظرت التجمعات في الكثير من المدن الكبرى عبر البلاد، أنها أوقفت أكثر من 1879 شخصا منذ 19 مارس. ومن بين هؤلاء 260 شخصا مسجونون أو قيد الاحتجاز، في حين تم الإفراج عن أكثر من 950 شخصا نصفهم تحت إشراف قضائي.