استنفار داخل الوزارات والهيئات الحكومية في الكويت مع اتساع نطاق الحرب على الفساد

تحركات لوضع حد لفوضى تشكيل اللجان وفرق العمل الوزارية.
السبت 2023/03/04
القيادة ترنو إلى فتح صفحة جديدة في الكويت

لم تحل استقالة الحكومة الكويتية دون مضيها في الحرب التي تخوضها ضد الفساد، وتتوالى الإجراءات الحكومية المتخذة في هذا الصدد، والتي طالت في أحد جوانبها تشكيل اللجان وفرق العمل الوزارية في ظل شبهات فساد تطال عمليات تشكيلها.

الكويت - تخوض الحكومة الكويتية حربا على الفساد طالت العديد من القطاعات والهيئات، في استجابة لضغوط نيابية وشعبية لطالما دعت إلى ضرورة وضع حد لهذه الظاهرة التي اتسع نطاقها خلال السنوات الأخيرة، وباتت تعرقل جهود دفع عجلة الإصلاح.

وتشهد الوزارات والهيئات الحكومية في الكويت هذه الأيام حالة من الاستنفار، فيما يتحسس الكثير من المسؤولين رؤوسهم من أن تطالهم رياح المحاسبة، في ظل تواتر تقارير عن ملفات ضخمة يجري فتحها.

ويقول متابعون إن حكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح على الرغم من كونها حكومة مكلفة بتصريف العاجل من الأمور بعد تقديمها الاستقالة في يناير الماضي على خلفية أزمة مع مجلس الأمة، لكن ذلك لم يحل دون مضيها قدما في تجفيف منابع الفساد وإصلاح مكامن الخلل داخل المنظومة الحكومية.

المعركة الجارية على الفساد ليست وليدة تحرك منفرد من الحكومة بل تأتي في سياق تنفيذ توصيات القيادة

ويرى المتابعون أن المعركة الجارية على الفساد ليست وليدة تحرك منفرد من الحكومة بل تأتي في سياق تنفيذ التوصيات التي أعلن عنها ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح في الخطاب الذي ألقاه في الثاني والعشرين من يونيو الماضي.

وأصدرت وزيرة الأشغال الكويتية أماني بوقماز قرارا يستهدف وضع حد لسياسة “التنفيع والمجاملات والفوضى” في تشكيل اللجان والفرق التابعة للوزارة. وذكرت صحيفة “القبس” المحلية أن القرار يتضمن وضع ضوابط جديدة بشأن تشكيل الفرق واللجان على مستوى جميع قطاعات الوزارة.

وتضمنت الضوابط دراسة الطلبات المقدمة من القطاعات المختلفة بشأن طلب تشكيل فرق عمل أو لجان، والتأكد من الحاجة الماسة إليها، والفائدة المرجوة من تشكيلها، مع استدعاء الوكيل المساعد للقطاع المختص لشرح مبررات طلب تشكيل الفريق أو اللجنة ومدى الحاجة إليها.

وشدد القرار على تأكيد أن اختصاصات الفريق أو اللجنة ليست من صميم عمل الوحدات الإدارية في الوزارة، ولا تتعارض مع اختصاصاتها، فضلا عن ضرورة قيام رئيس الفريق أو اللجنة المشكلة بعرض أسماء الأعضاء المراد اختيارهم وخبراتهم، ومهام كل عضو، ومدى توافق الخبرات والاختصاصات مع مهام الفريق المراد تشكيله.

ونص القرار على عدم جواز اختيار أعضاء لا تتجاوز خبرتهم أكثر من ثلاث سنوات، مع اشتراط أن تتجاوز الخبرة عشر سنوات في الفرق واللجان ذات الطبيعة الخاصة، ومراعاة عدم تكرار أسماء الأعضاء في الفرق، وألا تزيد مشاركة العضو على فريقين أو لجنتين، واشتراط موافقة الوزير لاشتراك الشخص نفسه في أكثر من لجنتين حال الحاجة.

وشهدت الكويت خلال السنوات الأخيرة فضائح فساد مدوية على غرار قضية الصندوق الماليزي، والمشتريات الدفاعية، وقضية ضيافة الداخلية.

وقد طفت تلك القضايا في وقت تشهد فيه البلاد أزمات سياسية مركبة أدت إلى إسقاط حكومات وحل مجلس الأمة في أكثر من مناسبة. ومع تولي الشيخ أحمد النواف رئاسة الحكومة أظهر رغبة في فتح جميع ملفات الفساد، وقد خطا خطوات مهمة في حيز زمني قصير، ما لقي إشادات واسعة في الداخل، فكان أن قام بحملة إعفاءات واسعة طالت مسؤولين في هيئات حكومية وازنة.

ولم تؤثر استقالة حكومته على المعركة المفتوحة وهو ما ترجم في التحركات التي يشهدها عدد من الوزارات وفي مقدمتها وزارة الشؤون الاجتماعية التي فتحت مؤخرا ملف الجمعيات التعاونية، بالنظر إلى حجم الفساد المتغلغل في هذه التعاونيات.

استقالة الحكومة لم تؤثر على المعركة المفتوحة
استقالة الحكومة لم تؤثر على المعركة المفتوحة

وكشفت مصادر مطلعة أن وزارة الشؤون الاجتماعية تعتزم إصدار لائحة جديدة ضمن سيناريوهاتها التي لا تزال محل دراسة لحظر مخاطبة مجالس إدارات الجمعيات التعاونية لمستثمري المحال التجارية بشكل مباشر، ودون إخطار الوزارة سواء في شأن تجديد أو عدم تجديد عقود الاستثمار، أو بزيادة الإيجار، وغيرها من الأمور التعاقدية مع المستثمر.

ونقلت صحيفة “الرأي” المحلية عن المصادر قولها إن المقترح يفرض على مجالس إدارات الجمعيات التعاونية الحصول على موافقة مسبقة من “الشؤون” على الإجراء التعاقدي، بعد تقديم إفادات مقنعة لمسؤولي الوزارة توضح خلالها الأسباب التي بنت عليها قرار تجديد أو عدم تجديد أي من العقود الاستثمارية لديها أو زيادة الإيجار على المستثمر.

وأشارت إلى أنه من المتوقع أن يكون خيار تجديد العقود الاستثمارية محدداً من قِبل الوزارة بثلاث شرائح دعم للجمعية، تتضمن فترة سنة بألف دينار وثلاث سنوات بـ15 ألفاً وخمس سنوات بـ50 ألفاً، علماً أن هذه المبالغ تدفع كدعم للجمعيات عند التجديد إضافة إلى القيمة الإيجارية المتفق عليها، لكنها تدفع حالياً بآلية غير التي تنوي “الشؤون” إقرارها.

وأضافت المصادر أنه في حال تبني خطوة حظر مخاطبة مجالس إدارات الجمعيات التعاونية لمستثمري المحال دون علم “الشؤون” وإذنها، ستكون الوزارة قدّمت ضابطاً إجرائياً جديداً ينظّم العقود الإيجارية بالجمعيات التعاونية، متوقعة أن تصدر الوزارة قراراً في هذا الخصوص خلال الفترة القريبة المقبلة.

وكانت وزيرة الشؤون الاجتماعية والتنمية المجتمعية وزيرة الدولة لشؤون المرأة والطفولة مي البغلي أعلنت في وقت سابق عن إحالة عدد كبير من أعضاء مجالس إدارات وموظفين في جمعيات تعاونية على النيابة العامة، إضافة إلى حل مجلس إدارة جمعية، بناء على نتائج لجان التحقيق المشكلة من قبل الوزارة للبحث والتقصي عن أعمال وأنشطة وحسابات بعض الجمعيات.

وزيرة الأشغال الكويتية أماني بوقماز تصدر قرارا يستهدف وضع حد لسياسة "التنفيع والمجاملات والفوضى" في تشكيل اللجان والفرق التابعة للوزارة

وذكرت الوزيرة الكويتية أن “سلسلة التقارير المرفوعة من لجان التحقيق بالوزارة، نتجت عنها إحالة 5 أعضاء في مجالس إدارات جمعيات تعاونية إضافة إلى ثلاثة رؤساء مجالس إدارات سابقين وحاليين على النيابة العامة لاستكمال التحقيقات الخاصة بشبهات الفساد التي قاموا من خلالها بالاعتداء على المال العام وأموال المساهمين”.

وتلعب الجمعيات التعاونية في الكويت دورا بارزا في التنمية الاقتصادية، وهي تنتشر تقريبا في جميع أنحاء الدولة، ما يجعلها عرضة للاختراق من قبل شبكات الفساد.

وقد لاقى التفاعل الإيجابي للوزارة مع حل ملف التعاونيات تفاعلا واسعا في الشارع الكويتي، الذي سبق وأن اشتكى من تقصير الحكومات السابقة في محاربة الفساد.

ويرى المتابعون أن سلوك رئيس الوزراء يشي بأنه باق على رأس الحكومة المقبلة، وأنه من المنتظر عودة معظم التشكيل الوزاري، باستثناء بعض الوزراء الذين يضع نواب مجلس الأمة فيتو عليهم ومن بينهم وزير الأوقاف.

ويلفت المتابعون إلى أن الحرب الجارية على الفساد من شأنها أن تعيد ثقة المواطن الكويتي في الدولة، وأيضا ثقة المستثمرين الأجانب.

وبحسب تقرير أصدرته جمعية الشفافية الكويتية، فقد تراجعت الكويت أربعة مراكز في مؤشرات مدركات الفساد للعام 2022، حيث جاءت في المركز السابع بعد الإمارات وقطر والسعودية وعُمان والأردن والبحرين في هذا المؤشر.

وسبق أن حذرت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي من أن “الفساد يمثل سمة أساسية من سمات الحياة اليومية في الكويت ويهدّد وجود الدولة وقدرتها على العمل”.

وذكر تقرير للمنظمة أن الفساد في الكويت له أشكال مختلفة و”لا يقتصر على الاختلاس وغسيل الأموال، بل هو منظومة من خمس طبقات تتقاطع مكوّناتها ويغذّي بعضها بعضا ما يصعّب عملية مكافحتها”.

3