استقطاب تكالة وتهميش الدبيبة عنوان لقاء ثلاثي بالقاهرة

احتضنت جامعة الدول العربية حوارا ثلاثيا بين رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، في مسعى لحلحلة الأزمة الليبية، في وقت يواصل فيه المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي الحديث مع الأطراف السياسية الليبية لتشكيل حكومة موحدة جديدة للإشراف على الانتخابات.
القاهرة - لم تتوقع دوائر ليبية أن يحقق اجتماع دعت إليه جامعة الدول العربية بمقرها في القاهرة، الأحد، اختراقا سياسيا في الأزمة الليبية، انطلاقا من هامشية دورها السنوات الماضية وغلبة أدوار قوى ومنظمات إقليمية ودولية أخرى على المشهد. ويصعب أن تقود الدعوة التي وجهها الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط لكل من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، إلى نتائج ملموسة وتحدث تطورا مهما في الأزمة، لكنها لا تخلو من دلالات قد يكون لها تأثير رمزي على المشهد الليبي.
وهذه واحدة من المرات النادرة التي تنخرط فيها الجامعة العربية في الأزمة الليبية، حيث عزفت عنها بإرادتها أو بدونها، وكانت غالبية التحركات تتم بعيدا عنها، من خلال الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وقوى إقليمية ودولية متعددة، ولا يعني عقد اجتماع في مقرها بالقاهرة أنها قادرة على التأثير فعلا في أزمة تتجاذبها قوى عدة.
وأحد العناوين الظاهرة في اجتماع القاهرة هو غياب رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، في محاولة لتكريس تهميشه سياسيا، والذي بدأ يتزايد الفترة الماضية داخل ليبيا وخارجها، وظهر تراجعه في مواقف بعض الجهات التي كانت تتمسك باستمرار حكومته، في مقدمتها الولايات المتحدة التي دعا مبعوثها أخيرا إلى تشكيل حكومة تصريف أعمال، ومبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا الذي دعا إلى تشكيل حكومة موحدة تشرف على عملية إجراء الانتخابات.
وكشفت مصادر ليبية في القاهرة لـ”العرب” أن الجامعة العربية لن تستطيع المساهمة بدور نشط في الأزمة حاليا، لكن مشاركة رئيس مجلس الدولة وغياب الدبيبة، يحملان إشارة على سعي لاستقطاب الأول نحو معسكر الشرق، الذي ينتمي إليه عقيلة والمنفي، وإبعاد تكالة عن الدبيبة الذي يمثل أحد أهم حلفائه في المعادلة السياسية. وأضافت المصادر ذاتها أن هذه الخطوة تصب في مصلحة القاهرة التي لا تزال تتمسك بممانعتها لاستمرار حكومة الدبيبة، ووظفت ضمنيا ما يعرف تقليديا بـ”وزارة خارجية الظل”، أي الجامعة العربية، لخدمة موقفها بشكل دبلوماسي، يحافظ على الحد الأدنى من علاقاتها مع جميع الأطراف، ومنح الاجتماع شرعية عربية نسبيا.
وتقول دوائر ليبية مراقبة إن اجتماعا واحدا لن يؤثر في الأزمة الليبية المعقدة، حيث تعجز الجامعة العربية عن القيام بدورها، وتتداخل في الأزمة قوى كبرى، وتملك مفاتيح قوية للتأثير في مفاصلها. وردت المصادر التي تحدثت معها “العرب” على ذلك بأن الأزمة الليبية لن يربحها أحد بالضربة القاضية وتسجيل النقاط يمكن أن يكون له دور فاعل في بعض تفاصيلها.
وأشارت المصادر إلى أن تفاهم تكالة أو اقترابه من عقيلة والمنفي، ومعهما قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، سيلعب دورا في تحديد الشخصية التي يمكن اختيارها لرئاسة الحكومة الجديدة، والمنوط بها الإشراف على إجراء الانتخابات، كما يقلل انحياز تكالة إلى هذا الفريق فرص الدبيبة لتعطيلها أو اختيار شخصية قريبة منه. وقال الناطق الرسمي باسم الأمين العام للجامعة جمال رشدي في بيان له إنّ الدعوة جاءت “استشعارا لمسؤوليات الجامعة العربية الأصيلة تجاه هذا البلد العربي المهم، وفي هذا التوقيت الدقيق، ومسعى لإخراج ليبيا من أزمتها التي طال أمدها”.
وتزامن الاجتماع الثلاثي بالقاهرة مع حث المبعوث الأممي عبدالله باتيلي الأطراف السياسية على تشكيل حكومة موحدة جديدة للإشراف على الانتخابات التشريعية والرئاسية. وتواجه جهود الأمم المتحدة عثرات لتنفيذ مبادرتها التي أعلن عنها مبعوثها إلى ليبيا في نوفمبر الماضي، واستهدفت جمع القادة الأساسيين على طاولة خماسية، وهم: رؤساء مجالس النواب والأعلى للدولة وحكومة الوحدة والرئاسي وقائد الجيش الليبي.
واشترط وقتها رئيس مجلس النواب لحضور الاجتماع الخماسي استبعاد الدبيبة أو مشاركة أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب كنوع من التوازن. وأكد عقيلة صالح أخيرا أن الأمور جاهزة لتشكيل حكومة جديدة موحدة لمدة محددة ولزمن محدد، ومن المحتمل التوصل إليها خلال شهر رمضان، و”إذا أراد الدبيبة الترشح فليترك الحكومة، ويرشّح نفسه لرئاسة الوزراء أو رئاسة الدولة كأيّ مواطن”.
وعُقدت عدة اجتماعات بين قوى ليبية مختلفة مؤخرا توافقت على سحب البساط من الدبيبة، كمحاولة للاتجاه نحو مرحلة تمّهد لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية قريبا. ومع أن المبعوث الأممي وبعض القوى الإقليمية والدولية بدوا متمسكين بالحوار الخماسي ودعم حكومة الدبيبة حتى وقت قريب، غير أن حديث باتيلي الجديد عن تشكيل حكومة تقود البلاد إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية يقّوض دور الدبيبة.
وأكد باتيلي في اجتماع عقده مع أعضاء كتلة التوافق الوطني بالمجلس الأعلى للدولة في طرابلس قبل أيام، “شجعت الأعضاء على مواصلة جهودهم لبناء توافق في الآراء داخل المجلس الأعلى للدولة ومع مجلس النواب، ومع الطيف السياسي الليبي الواسع بشأن تنفيذ القوانين الانتخابية وتشكيل حكومة موحدة تقود ليبيا نحو الانتخابات”. ويواصل باتيلي الكلام مع الفاعلين الأساسيين في الأزمة الليبية دون أفق واضحة، حيث تعثرت جهود الوسيط الأممي لتقريب وجهات النظر بين فرقاء الساحة الليبية حول إجراء الانتخابات، وهو مسار يبدو شديد التعقيد في ظل خلافات وانقسامات حادة.
وسبق أن دعت الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان (حكومة شرق ليبيا) إلى إبعاد المبعوث الأممي عن المشهد الليبي نهائيا واتهمته بأنه يفتقد للحياد بانحيازه لطرف سياسي في إشارة على ما يبدو إلى حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها والتي يقودها رجل الأعمال عبدالحميد الدبيبة. وجاءت تصريحات المبعوث الأميركي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند بشأن الدعوة إلى تشكيل حكومة تصريف أعمال مؤقتة، لتقدم إشارة على أن واشنطن لم تعد متمسكة باستمرار حكومة الوحدة الوطنية، وأنها تريد تغييرا في المشهد، وهي إشارة التقطتها الجامعة العربية للتحرك في سياق خلق أمر واقع يطوي صفحة الدبيبة بطريقة ناعمة.