استقبال الإمارات للأسد رسالة إلى الشعب السوري

ليس هناك من سبب خفي لزيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.
صحيح أن المسألة لا تخلو من تحد وقرار شجاع، غير أن ذلك القرار يدخل في إطار الاستقلال الإماراتي ومحاولة القيادة الإماراتية للنأي بعيدا عن الاستثمار الغربي في الأزمة السورية لمناسبة الحرب الروسية في أوكرانيا.
بالنسبة إلى الإمارات فإن سوريا هي شيء بينما أوكرانيا شيء آخر. وليست روسيا هي عامل مشترك بين الإثنين.
غضب المعارضة السورية بسبب تلك الزيارة التي لم تكن سرية ولا تم الإعلان عنها إلا بعد نهايتها لم يكن مبررا بالنسبة إلى الإمارات.
الإمارات تفعل ما تراه مناسبا لها ومنسجما مع سياستها الخارجية إضافة إلى أن المسألة السورية تعتبر شأنا يخص الأمن العربي. ولا يدخل ذلك ضمن أجندة المعارضة المقفلة على محاربة نظام بشار الأسد في محاولة لإسقاطه.
ولمناسبة ذكر المعارضة علينا أن نتذكر أن الإمارات لم تلعب دورا سيئا في الحرب السورية. كانت محايدة بطريقة إيجابية دائما ولم تضع مالها في خدمة المشاريع التي دمرت سوريا. لم تعقد الإمارات صفقات سرية مع المعارضة السورية كما أنها لم تقف مع النظام السوري في معالجاته الأمنية. كان سجلها أبيض في تلك المسألة الشائكة.
لم تكن الإمارات تبحث عن مكاسب مرتجلة على مستوى إرضاء الغرب. فهي تعرف جيدا أن ما فعله الغرب في سوريا لم يكن حبا في الشعب السوري بل رغبة منه في تدمير سوريا انطلاقا من محو عروبتها. ولم يكن إسقاط النظام القمعي الحاكم سوى حجة كاذبة.
زيارة الأسد هي صفعة إماراتية إلى الغرب. غير أن ذلك ليس المسألة كلها. لقد مررت الإمارات رسالة إلى الشعب السوري فحواها "نحن نقف معكم"
ولأن للإمارات رسالتها على مستوى إرساء السلام في العالم فإنها كانت حذرة في المضي وراء الهجمة العمياء على سوريا، دولة وشعبا. ذلك ما لم تفهمه المعارضة السورية وهي تنظر إلى حشود المصفقين للقتل والتشرد السوريين الذين لم تكن معالجاتهم ترمي سوى إلى المزيد من القتل ومن التشرد من غير أي بعد إنساني أو أخلاقي. لقد مضى كل شيء إلى العدم. فالحرب لولا التدخل الروسي كان من الممكن أن تذهب بسوريا إلى العدم. لن يبقى النظام ولن تتمكن المعارضة السورية من أن تقيم دولة ديمقراطية على أنقاضه.
كان الأسد شجاعا في زيارته التي يمكن أن تؤطَر بنوع من الشكر بالنسبة إلى رجل وجد نفسه وحيدا يحاربه العالم كله. والحق يُقال إن ذلك الرجل الوحيد قاوم وحدته وعزلته وكآبته ولم يشعر بالإحباط. هل انتصر على أعدائه؟ لا أعتقد أن واقع سوريا اليوم يسمح له بالتفكير في الانتصار. لا طعم للانتصار في ظل الخراب العظيم الذي ضرب سوريا التاريخية وسوريا الحاضر. لقد نسفت الحرب كل شيء.
لم يحضر الأسد إلى الإمارات باعتباره رئيسا منتصرا.
ولم تستقبل الإمارات الرئيس السوري باعتباره زعيم حرب منتصرا.
ربما ستضغط الصحافة الغربية على الإمارات لأنها استقبلت الأسد وتُحمل الزيارة معاني ليست فيها من أجل أن تحرج الإمارات التي تعرف أن حجم مسؤوليتها يتجاوز تلك المعاني المبتسرة والمريبة والمضللة. لا تريد الإمارات أن تضلل أحدا. لقد استقبلت الرئيس المنبوذ باعتباره رئيسا سوريا يحق له ما يحق لغيره من الزعماء. تلك معادلة متوازنة تستحق الإمارات من أجلها كل تقدير.
ومع كل هذا تظل زيارة الأسد للإمارات لحظة استثنائية مدهشة عبرت الإمارات من خلالها في هذا الزمن العصيب بالذات عن استقلال موقفها السياسي وانفصالها عن الغرب من جهة حرصها على الأمن القومي العربي. وفي المقابل فإن الأسد لم يتعامل مع المسألة بطريقة شخصية، بل أدرك أن نافذة تفتح أمامه ليطل من خلالها على العالم العربي هي مكسب لسوريا.
ربما ستكون لزيارته معان رمزية. ولكن الإمارات لن تكتفي بتلك المعاني. لا تقبل أن تكون وسيطا بين سوريا والعالم. هي أكبر من أن تكون وسيطا. دورها الحقيقي يكمن في أن تفهم اللحظة السورية وتسعى لحاجة سوريا إلى أن تخلص إلى نفسها. وكما أتوقع فإن الغرب قد صُدم بزيارة الأسد. ولكن الإمارات لن تكون معنية بصدمة الغرب الذي مارس غباء سياسيا في مسألة النووي الإيراني. لقد أعطى إلى إيران كل ما لا يمكن أن يعطيه إلى العرب.
زيارة الأسد هي صفعة إماراتية إلى الغرب. غير أن ذلك ليس المسألة كلها. لقد مررت الإمارات رسالة إلى الشعب السوري فحواها “نحن نقف معكم”. وهي المرة التي يسمع فيها الشعب السوري نداء عاطفيا عربيا منذ أكثر من عشر سنوات.