استقالة وزير المالية تكشف عن خلافات وتخبط داخل الحكومة الكويتية

أثارت استقالة وزير المالية مناف الهاجري بلبلة في الأوساط المالية والاقتصادية في الكويت، خصوصا وأنه كان ينظر إلى الهاجري على أنه أحد الأعمدة التي يمكن الرهان عليها في إطلاق ورشة الإصلاح المالي والاقتصادي في البلاد.
الكويت - كشفت استقالة وزير المالية مناف عبدالعزيز الهاجري، الثلاثاء، عن أزمة داخلية تواجهها الحكومة الكويتية التي لم يمض على تشكيلها أقل من شهر.
ويقول متابعون إن استقالة الهاجري هي رسالة سلبية للرأي العام الكويتي الذي راهن على الحكومة الجديدة برئاسة الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح، في إطلاق ورشة إصلاحات كبرى تهم أساسا الجانبين المالي والاقتصادي.
وتعاني الكويت من اختلال في منظومتها المالية بفعل أزمات هيكلية، واستمرار رهانها على النفط كمصدر رئيسي لتمويل موازنتها، وكان الكويتيون يأملون في أن تعيد حكومة الشيخ أحمد النواف تصويب الوضع المالي وتهيأ الطريق للحاق بركب محيطها الخليجي، لاسيما على مستوى تنويع مصادر الدخل، لكن استقالة وزير المالية، والتسريبات بشأن دوافعها، من شأنها أن تخفف من هذه الرهانات الشعبية.
ونقلت صحيفة “القبس” الكويتية عما أسمته بمصادر موثوقة قولها إن وزير المالية قدم كتاب استقالته رسميا إلى رئيس الوزراء، في ظل حديث عن خلافات داخل الحكومة وتخبط في اتخاذ قرارات طالت الملفات الاقتصادية والمالية.
وربطت المصادر الاستقالة السريعة لوزير المالية، بخلافات حول نقل تبعية الهيئة العامة للاستثمار إلى وزير الشؤون الاقتصادية والاستثمار، مؤكدة في الوقت نفسه “أن الفصل بين وزارة المالية ووزارة الشؤون الاقتصادية والاستثمار تسبب بحالة من الارتباك وعدم الوضوح لدى عدد من الجهات التابعة، الأمر الذي دعاها إلى مخاطبة الجهات المعنية لاستيضاح تبعيتها لأي وزارة”.
استقالة وزير المالية مرتبطة بخلافات حول نقل تبعية الهيئة العامة للاستثمار إلى وزير الشؤون الاقتصادية والاستثمار
والهيئة العامة للاستثمار هي هيئة حكومية كويتية مستقلة مسؤولة عن إدارة صندوقي الاحتياطي العام واحتياطي الأجيال القادمة نيابة عن دولة الكويت، بالإضافة إلى إدارة أيّ اعتمادات أخرى تعهد إليها من قبل الوزير المعني.
ويشمل النشاط الاستثماري للهيئة السوق الكويتي المحلّي والأسواق العربيّة والدوليّة من خلال مكتبها الرئيسي في دولة الكويت ومكتب الاستثمار الكويتي في لندن. وتعد الهيئة صندوق الثروة السيادي الكويتي، الذي يدير احتياطي الدولة وصندوق التوليد المستقبلي للدولة.
وبحسب وكالة “بلومبرغ”، فقد استثمرت الهيئة العامة للاستثمار في العام الماضي 2.8 مليار دولار فقط، مقارنة بـ25.9 مليار دولار من قبل هيئة أبوظبي للاستثمار، و20.7 مليار دولار من قبل صندوق الاستثمارات العامة السعودي.
وذكرت الوكالة في تقرير صدر مؤخرا أن ندرة الصفقات البارزة تمثل تحولا جذريا في الصندوق الكويتي، الذي كان في يوم من الأيام من بين أكثر الصناديق نشاطا في المنطقة، وحتى وقت قريب، كانت الهيئة العامة للاستثمار مستثمرا عالميا رائدا.
ويرى خبراء أن هذا التراجع للهيئة يحتاج من الحكومة إعادة النظر في طريقة إدارتها للشأن المالي والاقتصادي في البلاد، وقد تكون خطوة استقالة وزير المالية بمثابة جرس إنذار للحكومة بأن عليها إعادة ترتيب أوراقها في حال أرادت فعلا تصحيح المسار في الدولة الخليجية.
وكان مجلس الوزراء قد أقر الإبقاء على تبعية هيئة الاستثمار لنائب رئيس الوزراء وزير النفط وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار سعد البراك، وعدم إعادتها إلى وزير المالية.
وشكلت استقالة الهاجري صدمة لدى الأوساط الاقتصادية والمالية في البلاد، بعدما استبشرت خيرا في توليه حقيبة وزارة المالية المنوطة بها مهمة تنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية لتشكل جسر عبور نحو ميزانية مستدامة تعزز قوة المالية العامة للدولة وتحافظ على الرفاهية للأجيال القادمة.
وعين رئيس الوزراء الهاجري وزيرا للمالية في أبريل الماضي في إطار تعديل وزاري، بعد ما يزيد قليلا عن شهر على استقالة الحكومة جراء خلاف مع مجلس الأمة الذي تسيطر عليه المعارضة.
وأُعيد تعيين الهاجري في يونيو الماضي بعد تشكيل حكومة جديدة عقب استقالة الحكومة المنتهية ولايتها في ذلك الشهر والتي جاءت بعد انتخابات برلمانية، نجحت فيها المعارضة في تكريس هيمنتها البرلمانية.
ويرى متابعون أن الأمور لا تبدو مبشرة بالنسبة لطريقة تعاطي حكومة الشيخ أحمد النواف التي وإن بدت حريصة على عدم حصول أي صدامات مع المعارضة لكن أغفلت جوانب عديدة مهمة، قد تكون لها تداعياتها.
استقالة الهاجري شكلت صدمة لدى الأوساط الاقتصادية والمالية في البلاد، بعدما استبشرت خيرا في توليه حقيبة وزارة المالية المنوطة بها مهمة تنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية
وتعد استقالة الهاجري هي الثانية في ظرف أيام قليلة بعد استقالة مسؤول بارز وهو رئيس ديوان المحاسبة.
وقال مجلس الأمة الكويتي على حسابه على موقع تويتر الثلاثاء إن رئيس المجلس أحمد السعدون أعلن موافقة المجلس على قبول استقالة رئيس ديوان المحاسبة فيصل الشايع.
وقدم الشايع استقالته الخميس احتجاجا على ما وصفه بالتدخل النيابي في عمله ومحاولات المساس باستقلال الديوان، طبقا لوسائل إعلام محلية.
ونقلت جريدة الجريدة عن الشايع قوله في كتاب استقالته المقدم لرئيس البرلمان “بات بنيان ديوان المحاسبة، الذراع الرقابي الدستوري لمجلس الأمة الموقر، مهددا بالتحطيم والتخريب، تحت سندان السياسة المتطرفة ومطرقة المنفعة الخاصة”.
وتحدث رئيس الديوان في كتاب الاستقالة عما وصفه بـ”تجاوز” بعض لجان البرلمان تجاه عمل الديوان إلى حد التدخل في اختصاصاته، معتبرا أن الأمر تحول إلى “خلاف سياسي”.
وعبّر عدد من النواب خلال الأيام الماضية عن عدم رضاهم عن أداء رئيس ديوان المحاسبة، معتبرين أن استقالته جاءت لتلافي طلب برلماني بعزله.
وأكد النائب بدر نشمي الثلاثاء تحفظه على ما ورد في كتاب استقالة رئيس ديوان المحاسبة، مشيرا إلى أن “التجاوزات والشكاوى الواردة ضده تجعل من استبعاده عن المنصب أمرا مستحقا”.
وأشار نشمي في تصريح بمجلس الأمة إلى شكاوى من موظفين في ديوان المحاسبة بحق رئيس الديوان، ما دفع النواب إلى تقديم طلب لعزله “من أجل تصحيح الوضع في الديوان”.
ويشكل ديوان المحاسبة، وهو جهة مستقلة ملحقة بمجلس الأمة (البرلمان) طبقا لقانون إنشائه، إحدى أهم الجهات الرقابية في البلد النفطي الذي يشهد منذ سنوات صراعا مريرا بين البرلمانات والحكومات المتعاقبة، عطّل خطط الإصلاح الاقتصادي والمالي.