استقالات جماعية تهز حكومة الدبيبة مع تحركات البرلمان لتشكيل أخرى جديدة

موجة الاستقالات تشمل ما يقارب التسعة وزراء ومسؤولين بارزين، وفقا للتقارير، فيما تعلن تونس استعدادها لاستضافة حوار ليبي – ليبي برعاية أممية.
السبت 2025/05/17
هل تسقط حكومة الدبيبة في ظل بركان الغضب الشعبي

طرابلس - في تطورات متسارعة تشير إلى أزمة سياسية عميقة، أفادت وسائل إعلام ليبية اليوم السبت باستقالة عدد كبير من الوزراء والمسؤولين البارزين في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، في الوقت الذي بدأ مجلس النواب الليبي أولى خطواته العملية لتشكيل حكومة جديدة.

وتأتي هذه الاستقالات في خضم موجة من الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة في العاصمة طرابلس ومدن أخرى، مطالبة بإسقاط حكومة الدبيبة وإجراء انتخابات عامة تنهي حالة الانسداد السياسي التي تشهدها البلاد.

وقد أعلن توفيق عثمان، وكيل وزارة الصحة لشؤون المراكز الطبية بحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، استقالته بشكل علني في مقطع فيديو بث فجر اليوم السبت.

وعزا عثمان قراره إلى "احترامه لحرمة الدم الليبي واستجابته لمطالبات الشعب الليبي في التغيير"، معبراً عن تبرؤه أمام الله من "كل هذه الدماء التي أزهقت".

ولم تتوقف الاستقالات عند هذا الحد، إذ أكدت تقارير إخبارية صادرة عن موقع "بوابة الوسط" ومنصة "فواصل" وتلفزيون "المسار" المحليين، انضمام عدد من الوزراء الآخرين إلى قائمة المستقيلين استجابة "للمطالب الشعبية".

وشملت هذه الاستقالات وزراء بارزين مثل وزير الاقتصاد والتجارة محمد الحويج، ووزير الحكم المحلي بدرالدين التومي، ووزير الإسكان والتعمير أبوبكر محمد الغاوي، بالإضافة إلى نائب رئيس الحكومة ووزير الصحة المعفى من منصبه رمضان أبوجناح، ووزيرة الثقافة والتنمية المعرفية مبروكة توغي، ووكيل وزارة الموارد المائية المكلف بتسيير أعمال الوزارة محمد فرج قنيدي، ووزير المالية خالد المبروك، ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء عادل جمعة، ووكيل وزارة العمل جمال شعبان.

في المقابل، سارعت حكومة الدبيبة مساء الجمعة إلى نفي هذه التقارير، مؤكدة في بيان رسمي أن "كافة الوزراء يواصلون عملهم بصفة طبيعية". ووصفت الحكومة ما يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن استقالة وزراء ووكلاء بأنه "لا يعكس الحقيقة"، مشيرة إلى أنها "تُقدّر حجم الضغوط التي قد تُمارس في هذا الظرف".

إلا أن موجة الاستقالات لم تقتصر على المستوى الوزاري، فقد أعلن عمداء وأعضاء المجالس البلدية ومجالس الحكماء والأعيان والقوى الوطنية في الساحل الغربي، في مقطع فيديو، انسحابهم من حكومة الدبيبة ومطالبتها بالرحيل.

وفي خطوة تصعيدية، أعلن عميد بلدية الزاوية جمال بحر استقالته رفقة جميع أعضاء البلدية "استجابة لرغبة الشعب ولاستحالة العمل مع الحكومة التي لم تعد توافق تطلعات الشعب".

وبالمثل، أعلن المجلس البلدي في صبراتة تأييده لإسقاط حكومة الدبيبة، داعياً إياها إلى مغادرة المشهد السياسي، ومحملاً إياها مسؤولية "الفتن بين أبناء الشعب الواحد".

وعلى صعيد آخر، بدأ مجلس النواب الليبي أولى خطواته العملية لتشكيل حكومة جديدة، معلنا عن تنسيقه "بشكل مستمر وعاجل" مع مجلس الدولة لاختيار شخصية وطنية لتولي هذا المنصب خلال الأيام المقبلة، وذلك "بعد التأكد من توفر الشروط اللازمة لتولي الرئاسة".

وأكد المجلس في بيان صدر مساء الجمعة أن حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة "سقطت منذ ثلاث سنوات بموجب قرار سحب الثقة منها واليوم أسقطها الشعب لتصبح هي والعدم سواء".

كما دعا المجلس الأجهزة الأمنية في طرابلس إلى "عدم التعرض للمتظاهرين السلميين وحمايتهم"، مطالباً المتظاهرين في الوقت نفسه بالحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، وشدد على ضرورة حضور أعضاء المجلس للجلسة المقررة الإثنين المقبل في بنغازي.

وقد اتهم مجلس النواب في بيانه "مجموعة مسلحة تابعة لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة" بإطلاق النار على المتظاهرين في العاصمة طرابلس، معبراً عن استنكاره الشديد لهذا العمل و"أسفه من استخدام العنف لكتم صوت المتظاهرين السلميين".

ويأتي هذا التصعيد في أعقاب تظاهرات حاشدة شهدها ميدان الشهداء في طرابلس مساء الجمعة، حيث خرج الآلاف للتعبير عن غضبهم تجاه حكومة الدبيبة، محملين إياها مسؤولية الاشتباكات المسلحة التي شهدتها العاصمة مؤخراً. وقد ردد المتظاهرون هتافات تطالب برحيل الدبيبة وحكومته، في أكبر تجمع تشهده طرابلس منذ سنوات.

ووسط هذه التطورات المتلاحقة، أعلنت تونس عن استعدادها لاستضافة حوار ليبي – ليبي برعاية الأمم المتحدة، بهدف التوصل إلى حل سياسي يحفظ وحدة ليبيا ويستجيب لتطلعات الشعب الليبي في الأمن والاستقرار. وقد أعربت وزارة الخارجية التونسية عن "انشغالها العميق إزاء التطورات الأمنية الخطيرة في العاصمة الليبية طرابلس".

من جانبها، أكدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على حق المواطنين في الاحتجاج السلمي، وحذرت من "أي تصعيد للعنف"، مشددة على أن "استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين يُعد انتهاكًا خطيرًا لحقوق الإنسان".

وفي سياق متصل، ذكرت صحيفة "الساعة 24" الليبية أن مدرعات وآليات مسلحة أغلقت الطرق المؤدية إلى مقر رئاسة الوزراء في طرابلس، مما يعكس حالة التوتر الأمني في العاصمة.

كما أدانت الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان ما وصفته بـ "اعتداء مجموعات تابعة لحكومة الوحدة الوطنية" على مقر مصرف ليبيا المركزي في طرابلس قبل يومين، متهمة هذه المجموعات بمحاولة "سرقة خزائن ومرافق البنك المركزي".

وقد أعلنت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا عن إحصائية أولية لضحايا أعمال العنف الأخيرة في طرابلس، مشيرة إلى مقتل 53 مدنياً وإصابة 40 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة، بالإضافة إلى تلقي بلاغات عن فقدان نحو 20 شخصًا. وحمّلت المؤسسة أطراف النزاع المسؤولية الكاملة عن هذه الخسائر البشرية.

وعبدالحميد الدبيبة وصل إلى السلطة عام 2021 عبر عملية مدعومة من الأمم المتحدة، وكان من المقرر إجراء انتخابات في ذلك العام لكنها تعطلت بسبب الخلافات بين الفصائل المتنافسة، مما أدى إلى بقائه في السلطة حتى الآن.

وفي بيان منفصل، أعلنت المنصة الإعلامية الحكومية عن مقتل أحد أفراد قوات حماية المباني التابعة لها، واتهمت "مجموعة مندسة ضمن المتظاهرين" بمحاولة اقتحام مبنى رئاسة الوزراء.

وتأتي هذه التطورات في ظل دعوات متزايدة لاستقالة الدبيبة، خاصة بعد اندلاع اشتباكات عنيفة بين جماعتين مسلحتين متنافستين في العاصمة قبل أيام، أسفرت عن مقتل عدد من المدنيين.

وتعكس هذه الأحداث المتسارعة مدى هشاشة الوضع السياسي والأمني في ليبيا، وتزيد من المخاوف بشأن مستقبل البلاد في ظل استمرار حالة الانقسام السياسي وتصاعد الغضب الشعبي.  وتظل قدرة الأطراف الليبية على تجاوز هذه الأزمة والتوصل إلى حل سلمي يحقق تطلعات الشعب في الاستقرار والديمقراطية موضع تساؤل جدي.