استفتاء كردستان يدفع تركيا نحو سوريا وإيران

تواجه الحكومة التركية قرار إجراء الاستفتاء في إقليم كردستان العراقي بموقف يغلب عليه التشدد والرفض القاطع لهذه الخطوة التي ستكون لها تداعيات شاملة ما قد يدفعها إلى التقارب مع كل من سوريا وإيران لمجابهة النزعة الانفصالية الكردية.
الجمعة 2017/09/22
أحلام الأكراد القومية تؤرق أنقرة

أنقرة – لا تقف تركيا التي تبدي معارضة شرسة لإقامة دولة كردية، وحيدة في رفضها تنظيم الاستفتاء على استقلال كردستان العراق، ولكن من غير الواضح إن كانت مستعدة للمجازفة بالرد بصورة ملموسة.

وتلتقي أنقرة في رفضها للاستفتاء المقرر تنظيمه الاثنين، ليس مع حكومة بغداد فحسب، بل مع جارتها الصعبة إيران عدا عن حلفائها الغربيين في حلف شمال الأطلسي.

وحذرت تركيا أكراد العراق بعد سنوات من العلاقات الاقتصادية الوثيقة مع حكومة كردستان العراق من أنهم سيدفعون “الثمن”، متحدثة عن احتمال فرض عقوبات عليهم بعد الاستفتاء غير الملزم، لكنها لم تفصح عما تعنيه بذلك.

ولا ينفرد غلاة التيار القومي التركي بمقتهم لفكرة إقامة دولة كردية حتى خارج تركيا، وإنما يتفقون في ذلك مع المحافظين وكذلك المعارضين العلمانيين.

في المقابل، يرى الأكراد أنهم أكبر قومية حرمت من إقامة دولة في العالم بعد أن ظلوا مشرذمين بين إيران والعراق وتركيا وسوريا إثر انهيار الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.

ويوجد العدد الأكبر منهم في تركيا حيث يخوض حزب العمال الكردستاني الانفصالي حركة تمرد سعت في الأساس إلى إقامة دولة كردية منذ 1984.

ويعيش أيضا الملايين من الأكراد في إيران التي واجهت كذلك عمليات تمرد متفرقة خاضتها مجموعات مثل “حزب الحياة الحرة الكردستاني”. ولطالما تعاونت طهران وأنقرة في قمع انبعاث مظاهر القومية الكردية.

وبعد زيارة استثنائية إلى أنقرة في بداية سبتمبر الجاري قام بها رئيس أركان الجيش الإيراني، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن البلدين قد ينفذان عمليات مشتركة ضد المقاتلين الأتراك، رغم أن إيران نفت ذلك.

وأصدر وزراء خارجية كل من إيران والعراق وتركيا بيانا مشتركا على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ينص على اتخاذ إجراءات ضد إقليم كردستان العراق إذا ما مضى قدما في إجراء الاستفتاء على الاستقلال.

وفي البيان الذي تلى اجتماعا على هامش الأنشطة الرسمية، عبّر وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري ونظيراه الإيراني محمد جواد ظريف والتركي مولود جاويش أوغلو عن قلقهم من أن يعرض الاستفتاء المكاسب التي حققها العراق ضد تنظيم الدولة الإسلامية للخطر ومن احتمال اندلاع نزاعات جديدة في المنطقة.

مصالح طهران وأنقرة تلتقي حول الحفاظ على سيادة أراضي العراق لكن التنافس الإقليمي بينهما، قد يحول دون ذلك

ولم يتضمن البيان أي تفاصيل عن الإجراءات المحتملة لكنه أشار إلى “ضرورة تضافر الجهود الدولية لإقناع حكومة إقليم كردستان بإلغاء الاستفتاء” مضيفا أن الوزراء وجهوا “دعوتهم إلى المجتمع الدولي لأن يأخذ دوره بشأن ذلك”.

ويقول الخبير في الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية علي فائز إن مصالح طهران وأنقرة تلتقي حول الحفاظ على سيادة أراضي العراق. ولكن في حين أن لدى إيران الشيعية وتركيا السنية القدرة على ممارسة ضغوط مشتركة على أكراد العراق، فإن التنافس الإقليمي بينهما والموروث منذ الإمبراطوريتين الفارسية والعثمانية، قد يحول دون ذلك.

ويضيف فائز لوكالة فرانس برس “على الرغم من أن الطرفين حاولا البناء على نقاط القلق المشتركة، غير أن الريبة المتأصلة لديهما بشأن مسعى كل طرف للاستفادة من الفوضى، عرقلت توصلهما إلى ترتيبات من شأنها إخماد التوتر في المنطقة”.

وعلى الرغم من غضب تركيا إزاء وجود قواعد لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق، عززت أنقرة مبادلاتها التجارية مع حكومة كردستان العراق، وجعلتها في موقع قوة في أربيل حتى بات كردستان العراق أحد أكبر الأسواق المستوردة للبضائع التركية من المواد الاستهلاكية إلى المفروشات.

وتوفر تركيا منفذا لتصدير النفط من كردستان في خط أنابيب يصل إلى مرفأ جيهان. ولكن قطع العلاقات الاقتصادية معهم يعني المجازفة بعشرة مليارات دولار سنويا من العائدات التجارية ومن استيراد النفط والغاز ورسوم المرور المهمة بالنسبة إلى محافظة الأناضول ذات الغالبية الكردية في جنوب شرق تركيا.

ويضيف أن “تركيا تثير الكثير من الضجيج بإدانتها الاستفتاء، لكن الهدف الرئيسي من وراء ذلك هو تهدئة خاطر التيار القومي في حزب العدالة والتنمية الحاكم”.

واختارت تركيا هذا التوقيت لإجراء مناورات عسكرية على الحدود مع كردستان العراق من دون توجيه تهديدات ملموسة بالتدخل العسكري.

وفي حين التزمت روسيا الحذر، فإن الطرف الوحيد الذي أعلن تأييده للاستفتاء هي إسرائيل التي لطالما أيدت بلا جلبة، طموحات الأكراد بصفتهم يشكلون منطقة عازلة غير عربية في مواجهة إيران.

ويرى محللون أن نمو النزعة القومية الكردية قد يدفع بتركيا حتى إلى البحث عن قواسم مشتركة مع نظام الرئيس بشار الأسد، عدوها اللدود منذ نحو ست سنوات. فدمشق وأنقرة متفقتان على هدف تقويض أي فرصة لقيام منطقة تتمتع بحكم ذاتي في شمال سوريا بقيادة وحدات حماية الشعب الكردية التي تصنفها تركيا “منظمة إرهابية” تابعة لحزب العمال الكردستاني.

ويقول الباحث بمركز رفيق الحريري في المجلس الأطلسي آرون شتاين إن أنقرة أعادت ترتيب أولوياتها بشأن الأسد “لصالح جهود الحفاظ على وحدة سوريا”.

ويقول مدير مركز الدراسات التركية في معهد الشرق الأوسط غونيل تول إن تركيا وجدت الآن “قاسما مشتركا” مع نظام الأسد في مواجهة وحدات حماية الشعب.

5