استفاقة متأخرة للجيش السوداني تفتح الباب لحرب طويلة

أصوات المعارك تعلو على السلام، والجيش يمارس حربًا إعلامية يحاول من خلالها التسويق لتقدمه العسكري، ما يقلل من مساعي استئناف المفاوضات.
الخميس 2024/03/28
تقدم الجيش ليس في صالح مساعي الجلوس إلى طاولة المفاوضات

الخرطوم – بدأ الجيش السوداني يحرز تقدما متدرجا في أم درمان، بعد حشد عسكري جديد قام به ضد قوات الدعم السريع، زاد مع استقطابه حركات مسلحة للقتال معه، ما ينذر باتساع رقعة الصراع في منطقة وسط السودان قريبا. ويواصل الجيش تقدمه في غرب أم درمان بالقرب من حي الدوحة، والسيطرة على محلية أمبدة في الولاية ذاتها، وطرق مواقع في شمال ولاية الخرطوم بحري.

ويروج الجيش أن استفاقته المتأخرة هي مؤشر على اقتراب الحسم العسكري، ويوظف إعادة ترتيب قوات الدعم السريع صفوفها في نفي وجود مفاوضات سياسية، معتبرا أن الأوضاع على الأرض تسير لصالح إنهاء ما يصفه بـ”التمرد”، وهو أمر يخالف الواقع في ظل استمرار سيطرة قوات الدعم السريع على مناطق كبيرة في ولايات العاصمة الثلاث (الخرطوم وأم درمان وبحري) وسيطرتها على غالبية إقليم دارفور.

أحمد خليل: تقدم الجيش ليس في صالح مساعي المفاوضات
أحمد خليل: تقدم الجيش ليس في صالح مساعي المفاوضات

ويمكن أن يمثل تقدم الجيش دفعة إيجابية حال التزم بتعهداته السابقة في الاتجاه إلى طاولة المفاوضات بعد أن ضبط التوازن العسكري لقواته، وهو أمر غير واضح الآن بفعل تصريحات تصدر عن قياداته وتتحدث عن رفض التفاوض. كما أن دخول الحركات المسلحة على خط المعارك مباشرة لن يجعل الحل السياسي ممكنًا، فهناك قوة ثالثة ستحاول جني المزيد من المكاسب حال العودة إلى التفاوض.

ولدى الجيش السوداني ثقة بأنه يملك مسيّرات جديدة يستطيع بموجبها توجيه ضربات مؤثرة لقوات الدعم السريع من دون اشتباك مباشر معها، ويسعى للاستمرار في ذلك أطول وقت ممكن إلى حين التعرف على نتائج تصعيده الحالي.

 ويعمل على توظيف سيطرته الجوية في إرسال إشارات إلى قوات الدعم السريع تفيد بأنه قادر على الوصول إليها في أي منطقة، وهو ما ظهر في تحذيرات أطلقها للمواطنين للابتعاد عن أماكن تواجد قوات الدعم السريع، بزعم أنها أهداف مشروعة للنيل منها.

والثلاثاء وصف مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى السودان توم بيرييلو ما يحدث في السودان بأنه “حرب الاستنزاف، لا تمثّل كارثة للمدنيين فحسب، بل يمكنها بسهولة أن تثير انقسامات أكثر وتصبح حربًا إقليمية”.

وقال المحلل السياسي السوداني عبدالواحد إبراهيم إن “تقدم الجيش في ولايات العاصمة محدود للغاية وأمضى نحو عام حتى استطاع تحرير مقر الإذاعة والتلفزيون والوصول إلى أم درمان القديمة المدمرة، في حين مازالت تتواجد قوات الدعم السريع في غرب وجنوب أم درمان، وتسيطر على ما يقرب من 90 في المئة من ولايات الخرطوم، ويمكن أن يكون للطائرات المسيرة دور في إضعاف قوات خصمه، ودفعها إلى ترك مواقعها، لكن الأمر سوف يستغرق وقتا”.

وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “قوات الدعم السريع تجد الحواضن الاجتماعية التي تؤيدها بفعل بقائها في هذه المناطق حوالي عام، وتوجد امتدادات للمجموعات القبلية التابعة للعناصر التابعين لها، وثمة تأييد من امتدادات قبلية في كل من تشاد والنيجر، ما يضاعف تعقيدات الصراع، ويبرهن ذلك على أن تخيل انتهاء الحرب دون النظر إلى التفاصيل الاجتماعية أمر صعب، مع قدرة الدعم السريع على استقطاب مقاتلين”.

وأوضح أن أصوات المعارك تعلو على السلام، وأن الجيش يمارس حربًا إعلامية يحاول من خلالها التسويق لتقدمه العسكري، ما يقلل من مساعي استئناف المفاوضات بين الطرفين المتصارعين، فكل طرف استطاع الحصول على أسلحة جديدة سيكون بحاجة إلى اختبارها في ميادين المعارك، وأصبح السودان يخوض معارك محتدمة في مناطق عديدة، قد يكون القتال لم يصل إليها من قبل.

عبدالواحد إبراهيم: قوات الدعم السريع تجد الحواضن الاجتماعية
عبدالواحد إبراهيم: قوات الدعم السريع تجد الحواضن الاجتماعية

وقال المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان إن بلاده تتطلع إلى استئناف محادثات السلام في السعودية في الثامن عشر من أبريل المقبل ضمن سعيها لحل الصراع، فيما أعلنت الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقا (إيغاد) تعيين الجنوب سوداني لورانس كورباندي مبعوثا خاصا لها إلى الخرطوم، مشددا على أن واشنطن تطالب بأن تكون المحادثات شاملة، وتضم الإمارات ومصر وإيغاد والاتحاد الأفريقي.

ويجعل تراجع الاهتمام الأميركي بالأزمة السودانية والانشغال بقضايا إقليمية وداخلية هذه النوعية من التصريحات محاولات يائسة لتبني منهج التفاوض، بينما الواقع تجاوز الحديث عن مواعيد للمفاوضات من دون التفاهم حول ما سيدور فيها، وأن الجيش لن يقبل الجلوس إلى طاولة تفاوض مع الدعم السريع وهو يحقق مكاسب عسكرية.

وأشار عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير أحمد خليل إلى أن تقدم الجيش ليس في صالح مساعي الجلوس إلى طاولة المفاوضات عقب إجازة عيد الأضحى، فقد يغري ذلك قادته بالمزيد من التصعيد مع إدراك قدرتهم على تحرير العديد من المناطق الأخرى، بما يدعم الطريق العسكري، ولذلك فالسودان بحاجة إلى صوت يستطيع الضغط على قيادة الجيش، لأن القوتين المتصارعتين لم تتمكنا على مدار نحو عام من الحسم العسكري، كما أن التوجه الخارجي للحصول على دعم لن يخدم السلام في السودان.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن المجتمع الدولي مازال يقف عند محطة التصريحات الساعية لإنهاء الحرب، ولا يمارس ضغوطا قوية، على الرغم من قدرته على ذلك، وهناك رغبة في إضعاف الطرفين لضمان اتجاههما إلى الحل السياسي، وهو تقدير غير سلمي، لأن الواقع يشير إلى أن الأزمة بصدد التمدد واندلاع حرب كبرى في ولايات الخرطوم ودارفور يلوح في الأفق مع سرعة مسارات التحشيد.

ومن الصعب أن تتمكن الحركات المسلحة من إحداث الفارق العسكري مع الجيش؛ فعناصر حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم مثلا، والتي تشارك في معارك تدور حاليًا في ولاية الجزيرة والخرطوم، هم أساسا من أبناء المزارعين في تلك المناطق وجرى تجميعهم من كسلا في شرق السودان والجزيرة وتدريبهم خلال أيام قليلة على استخدام السلاح قبل الزج بهم في المعارك، وهؤلاء لن يصمدوا فترة طويلة، في حال اشتدت الحرب، وهو أمر متوقع في الأيام المقبلة.

1