استعداد أميركي للعمل على إعادة النظر في شروط الموافقة على ملف تونس بصندوق النقد

وجهت الولايات المتحدة عبر سفيرها جوي هود جملة من الرسائل الإيجابية إلى تونس، لعل أهمها استعدادها للانخراط في مسار لتسوية مرضية بين تونس وصندوق النقد الدولي، لكن متابعين يرون أن هذا الاستعداد يبقى رهين تعامل السلطة السياسية التونسية مع الإكراهات التي تعترضها.
واشنطن – أعربت الولايات المتحدة عن استعدادها لتقديم الدعم إلى تونس، والعمل على إعادة النظر في شروط الموافقة على ملفها بصندوق النقد الدولي، في تصريحات تشي بتعديل في الموقف الأميركي حيال المفاوضات المتعثرة بين تونس والمؤسسة المالية الدولية.
وجاءت التصريحات الأميركية الجديدة على لسان السفير الأميركي لدى تونس جوي هود خلال لقاء جمعه الثلاثاء مع وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي.
وتزامن هذا الموقف مع زيارة يقوم بها وفد من الكونغرس الأميركي إلى تونس يترأسه رئيس لجنة القوات المسلّحة في مجلس النواب مايك روجرز.
ويثير هذا التحول في الموقف الأميركي تساؤلات حول ما إذا كان ذلك يعود إلى إدراك واشنطن أن احتداد الأزمة في تونس لا يخدم مصالحها، أم أن للأمر ارتباطا بتحول في موقف تونس حيال بعض الملفات. لكن متابعين يرون أنه من الصعب الجزم حاليا بما إذا كانت تلك التصريحات من باب ما تقتضيه الدبلوماسية، أم فعلا هناك إرادة أميركية لدعم تونس.
ويشير المتابعون إلى أن على السلطة السياسية في تونس توظيف هذا المناخ الإيجابي المستجد والعمل على تعزيز التقارب مع شركائها الغربيين، ووقف حالة التردد الذي طبع طريقة إدارتها للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، والذي يعد التعاطي معه خيارا حتميا في غياب الحلول.
وأكد سفير الولايات المتحدة على متانة العلاقات التاريخية التي تجمع بين البلدين، مذكّرا بأن تونس شريك فاعل للولايات المتحدة وتحتل مكانة مرموقة.
اجتماع بين وزير الدفاع التونسي ورئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي لبحث تعزيز التعاون
وقال هود إن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم الدعم إلى تونس والعمل على إعادة النظر في شروط الموافقة على ملفها بصندوق النقد الدولي والابتعاد عن المقاربة التي تعتبر “الذوات البشرية مجرّد أرقام”، بحسب ما أقره الرئيس التونسي قيس سعيّد.
ووفق بيان لوزارة الشؤون الاجتماعية التونسية، لفت هود إلى أن تصريح الرئيس سعيد واضح في هذا السياق، معربا عن احترامه للرؤية التي تعوّل على القدرات الذاتية لتونس وفق مشروع اقتصادي وطني مستقل يحترم الشركاء الدوليين.
وتشهد المفاوضات بين صندوق النقد الدولي وتونس تعثرا في ظل تحفظات الرئيس سعيد على اتفاق مبدئي كان جرى التوصل إليه في وقت سابق من العام الماضي، بين الحكومة التونسية برئاسة نجلاء بودن وممثلي الصندوق.
وتتركز تحفظات الرئيس سعيد حول مسألة رفع الدعم عن المواد الأساسية، وقد جدد قيس سعيد مؤخرا، خلال اجتماع للمجلس الأمن القومي، على تمسك بلاده بالحفاظ على الوظيفة الاجتماعية للدولة.
ولا تخفي تونس غضبها من طريقة تعاطي الشركاء الغربيين مع الأزمة الاقتصادية في البلاد، وتجد أن مقاربتهم للأزمة لا تخلو من قصور، ومن تداخل سياسي، على خلفية الانتقادات التي توجه للسلطة السياسية بشأن الإيقافات التي تشهدها البلاد، والتي طالت فاعلين في المشهد السياسي خلال السنوات التي أعقبت سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، بتهم تتعلق بالإرهاب والتآمر على أمن الدولة.
وجدد وزير الخارجية وشؤون الهجرة والتونسيين بالخارج نبيل عمار مساء الاثنين التأكيد على “أن الرسائل الصادرة عن بعض شركائنا بشأن انهيار محتمل للاقتصاد التونسي لا تساعد تونس خاصة في الظروف الراهنة”.
وأوضح نبيل عمار في حوار مع وكالة الأنباء الرسمية أن هذه الرسائل السلبية والمشككة ليس من شأنها مساعدة الاقتصاد التونسي، بل هي تغذي كل الآفات ومن بينها الهجرة غير النظامية.
وقال الوزير التونسي “لطالما أوضحت، حتى عندما كنت سفيرا لتونس ببروكسل، ولدى الاتحاد الأوروبي، أننا وصلنا إلى نقطة أصبحت فيها الضغوط المفروضة على تونس تؤتي نتائج عكسية. وبسبب تلك الضغوط يمكن أن نصل إلى نقطة اللاعودة ونحن نتطلع إلى أن يكون لدى شركاء تونس ما يكفي من الوعي بهذا الخطر، لأننا نعتقد أنهم ذهبوا بعيدا في هذا المجال”.
وأضاف “نحن فسرنا لشركائنا أنه يوجد خط أحمر لا يمكن أبدا تخطيه، ألا وهو استقرار البلاد والسلم الاجتماعي. ورئيس الجمهورية كان واضحا في هذه النقطة، فالرئيس هو الضامن لاستقرار البلاد والتصريحات التي يدلي بها يجب أخذها بعين الاعتبار، سواء في تونس أو في الخارج، وشركاؤنا لا يعرفون الوضع في تونس أكثر من كبار المسؤولين المشرفين على إدارة شؤون البلاد”.
وأوضح “يجب على شركاء تونس الإصغاء جيدا لمعرفة حقيقة الوضع في تونس، وما الوضع الحالي إلا انعكاس مباشر وغير مباشر للحوكمة السيئة للبلاد، على امتداد عشر سنوات، من خلال دعمهم للحكومات المتعاقبة منذ 2011 وهم بالتالي يتحملون جانبا من المسؤولية وإن لم يُقرّوا بذلك، وهو ما عمدت إلى تذكيرهم به مرارا، في كل مناسبة”.
اقرأ أيضا:
ولفت إلى أن “الوضع على حدودنا مع ليبيا وكذلك الحرب في أوكرانيا مؤخرا، زاد من الإضرار بالاقتصاد التونسي”، مشددا “اليوم ولأول مرة منذ 2011، هناك بوصلة واحدة يعمل وفقها المسؤولون في تونس وهي إصلاح وضع معقد جدا”.
وقال “لقد تعهّد شركاء تونس بدعمها، لكن على أرض الواقع لا يوجد شيء ملموس وهو ما يدل على وجود تناقض بين القول والفعل. إن التطوّر الاقتصادي لتونس وازدهارها يصبان في مصلحة مختلف الأطراف ومصلحتنا تلتقي مع مصلحة كل شركائنا”.
وتشهد تونس منذ سنوات أزمة اقتصادية خانقة، جراء سوء إدارة الحكومات المتعاقبة، فضلا عن الإضرابات العمالية التي شلت القطاعات الاقتصادية الوازنة، ويرى خبراء اقتصاد أن تفشي ظاهرة الفساد والاسترضاءات الحزبية لعب دورا أساسيا في الوضع الخانق الذي تشهده البلاد اليوم.
ويبدي الرئيس سعيد حرصا على النهوض بالواقع الاقتصادي الحالي، لكنه يجد نفسه مكبلا بجملة من الإكراهات من بينها شروط صندوق النقد الدولي، ويرى مراقبون أن تصريحات السفير الأميركي بشأن إمكانية إعادة النظر في تلك الشروط تعد بارقة أمل لتونس، التي سيتعين على حكومتها التحرك عمليا وطرح مقترحاتها بهذا الخصوص.
وأبدى السفير الأميركي خلال اجتماعه بوزير الشؤون الاجتماعية إعجابه ببرنامج “الأمان الاجتماعي” بتونس، وأكد أن تونس تحتوي على إمكانيات هائلة للاستثمار في كل المجالات ولها مكانة إستراتيجية بين الدول وأن التفكير في خلق مصادر دعم تمويل اقتصادي جديدة مهم وناجع لتحقيق التوازنات المالية المرجوّة.
من جانبه أكد الوزير الزاهي على متانة العلاقة التي تربط البلدين في كنف الاستقلالية والاحترام المتبادل، مستعرضا أهم برامج التعاون في المجال الاجتماعي والاستثمار في الرأسمال البشري من خلال الخدمة الاجتماعية المتكاملة والممولة من قبل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وجاء لقاء السفير الأميركي مع وزير الشؤون الاجتماعية التونسية عقب ساعات من حضوره اجتماعا عقد بين وزير الدفاع التونسي عماد مميش ورئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي مايك روجرز أثناء زيارته إلى تونس.
وقال بيان لوزارة الدفاع التونسية إن الزيارة تأتي ضمن “جولة للوفد في عدة دول أوروبية وأفريقية قصد إجراء محادثات مع القيادات بالمنطقة للتشاور بخصوص قضايا الأمن الأفريقية ذات العلاقة بمكافحة الإرهاب وتوحيد جهود التعاون في المجال”، دون تقديم المزيد من التفاصيل.
وتُصنف تونس منذ عام 2015 حليفا رئيسيا للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ما يمنحها امتيازات في التعاون العسكري. ولكن مع إقدام الرئيس سعيد على اتخاذ حزمة من الإجراءات الاستثنائية منذ العام 2021، وجه أعضاء في الكونغرس انتقادات للسلطة في تونس.