استعادة سنجة تمنح الجيش السوداني نفسا جديدا لإطالة أمد الصراع

يسوّق الجيش السوداني وحلفاؤه لكل تقدم ميداني على أنه إنجاز نوعي سيقلب موازين القوى في المواجهة مع قوات الدعم السريع، على غرار ما حدث بسيطرته على مدينة سنجة من ولاية الجزيرة، لكن محللين يرون أن الجيش حتى الآن لا يزال بعيدا عن تحقيق الهدف، وأن الدعم السريع ما تزال تحتفظ بالسيطرة الميدانية على معظم الولايات السودانية.
بورتسودان (السودان)- منحت استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار (جنوب شرق) الجيش السوداني رئة جديدة يتنفس بها لإطالة أمد الصراع، ما يشي بتصاعد العمليات العسكرية وتجميد مبادرات التسوية، وانسداد أفق الحل السياسي.
وتعد سنجة أول عاصمة ولائية يستطيع الجيش استعادتها من قوات الدعم السريع التي سيطرت عليها منذ منتصف العام الجاري، وأعطت الخطوة دفعة معنوية لحلفاء الجيش فسارعوا إلى إعلان عزمهم التوجه إلى مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة.
ويقول مراقبون إن قوات الدعم السريع انسحبت تكتيكيا، ولم تهزم عسكريا، ولا تزال تسيطر على غالبية ولايات السودان، ودخول الجيش سنجة لا يعني تفوقه ميدانيا، إذ أن أمامه شوطا طويلا لاسترداد قدر من توازن القوى، والتضخيم الإعلامي من الخطوة غرضه الإيحاء بأن الجيش بدأ يسترد عافيته، وهي مغالطة ينفيها الواقع على الأرض.
ويضيف المراقبون أن مصلحة قوات الدعم السريع عدم التمدد شرقا، والتمركز في ولايات يحتاج دعمها بالمعدات العسكرية قطع مسافات طويلة، وهو ما يلعب عليه الجيش، والذي أوحى بأن الخرطوم قاب قوسين بأن يسيطر عليها، بينما هي بعيدة عنه.
وتعهد قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان بعد الإعلان عن استعادة سنجة، باسترداد باقي المناطق التي فقدها الجيش منذ بدء الحرب، دون أن يوضح ما إذا كان لدى الجيش خطة واضحة تضمن الاستمرار في المعارك لفترة طويلة.
وفقد الجيش العديد من المدن والولايات التي كان يتمركز بها، وباتت استعادتها تحتاج لاستعدادات عسكرية كبيرة وفي حاجة إلى وقت طويل، ولا يعني الاحتفاء بدخول سنجة إحكام السيطرة على ولاية سنار بأكملها.
وما زالت قوات الدعم السريع تتواجد في بعض مناطق سنار، خاصة في مدن الدالي والمزمزم وأبوحجار وكركوج وقرى غرب الدندر، فيما استعاد الجيش سنجة بعد تحريك قواته من الدندر والسوكي وسنار والنيل الأزرق، حيث تحركت ببطء نحو المدينة مستعيدة بعض البلدات والقرى.
وقال نائب رئيس حزب الأمة القومي الفريق صديق إسماعيل إن أهمية مدينة سنجة تنبع من كونها واحدة من الولايات التاريخية المعروف عنها التسامح والتعايش بين قبائلها المختلفة، وإن العداوات التي ظهرت بين مكوناتها ناجمة عن ظروف الحرب.
وأضاف إسماعيل في تصريح لـ”العرب” أن استعادة سنجة تدعم الاستمرار في الخيار العسكري، والجيش يهدف إلى الاستفادة من المدينة التي تشكل ركيزة اقتصادية مهمة، خاصة في حال تمكن من استعادة ولاية الجزيرة وإعادة السيطرة على الإقليم الأوسط.
وتعقدت الأوضاع الميدانية وسط السودان في ظل هشاشة أمنية كبيرة، ما أدى إلى إغلاق معظم الطرق التي استخدمها السكان للخروج من سنجة، وعبرت المعارك في محور ولايتي سنار والنيل الأزرق بجنوب شرق السودان عن أن هذا المحور له تبعات سياسية وعسكرية قد تنعكس على الواقع الجديد الذي أحدثته المعارك الأخيرة.
وتربط المنطقة مدنا مثل سنجة وسنار والدمازين بين أربع ولايات حيوية في وسط السودان وغربه، وتبعد مدينة الدمازين مسافة 100 كيلومتر عن الحدود مع إثيوبيا، كما ترتبط المنطقة بحدود مباشرة مع دولة جنوب السودان، وعسكريا تشكل المنطقة خط إمداد لوجستيا مهما لربط القوات الموجودة بوسط البلاد بالحاميات الموجودة هناك.
وزعمت دوائر قريبة من الجيش أن السيطرة على سنجة تقود إلى السيطرة على ولاية الجزيرة، وأن الجيش سيقوم الأيام المقبلة بتطويق المدينة من الجهة الجنوبية الشرقية التي عزز حضوره فيها، منذ أن استعاد جبل مويا الإستراتيجي، بغرب ولاية سنار، وتقدم لاحقا في مدينتي الدندر والسوكي، شرق الولاية، ما مكنه من تطويق سنجة.
وقال المحلل السياسي السوداني عبدالواحد إبراهيم إن إهمية سنجة تنبع من كونها مدنية تاريخية، لكن على المستوى الجغرافي يمثل جبل مويا مفترق طرق بين ثلاث ولايات، ولا تعني استعادتها أن الجيش لديه القدرة على استعادة جميع الولايات، وهناك شعور يتسلل إلى السودانيين بأن هناك عدم جدية في الحسم العسكري، لأن قوات الدعم السريع بيدها السيطرة الأكبر على الأرض، وحال كانت هناك جدية لتحقيق ذلك، لماذا لا يتقدم الجيش في الخرطوم وبحري وشرق ولاية الجزيرة وأطراف ولاية نهر النيل؟
وأوضح إبراهيم في تصريح لـ”العرب” بافتراض قدرة الجيش على تحرير جميع المدن والولايات، فإن ذلك لا يعني أن المشكلة التي قادت لاندلاع الحرب انتهت وستكون هناك عقبات عدة أمام السلام، خاصة وأن قوات الدعم السريع خلال الفترة الماضية أصبحت لها حواضن اجتماعية في بعض الولايات، وهو جزء من التكوين المدني في السودان، ما يخلق معارضة قوية ضد نظام الحكم، حال بقي الجيش على رأس السلطة.
وأشار إلى أن الأزمة تكمن في أن قيادة الجيش ليست مقبولة لدى القوى السياسية المدنية كي تبقى على رأس السلطة، وتوجد مطالبات بضرورة وجود سلطة مدنية، وثمة العديد من التساؤلات التي لا يجيب عليها أحد وتتعلق بكيفية تعامل الجيش مع الميليشيات المسلحة الجديدة التي ظهرت على الساحة وتتبع حزب المؤتمر الوطني (المنحل) وتمثل الذراع العسكرية للحركة الإسلامية، كذلك الوضع مع مقاتلي الحركات المسلحة، وكيف سيتم حلها أو دمجها بشكل كامل؟
الجيش فقد العديد من المدن والولايات التي كان يتمركز بها، وباتت استعادتها تحتاج لاستعدادات عسكرية كبيرة وفي حاجة إلى وقت طويل
وشدد إبراهيم على أن الوصول إلى التوازن العسكري الذي يفتح باب السلام بعيد، والجيش مطالب بالمزيد من التقدم العسكري على الأرض ليتمكن من تحقيق ذلك، وعليه استعادة كافة الولايات والمدن الكبيرة ثم الاتجاه للتفاوض وفرض الأمر الواقع، وأن التدهور العسكري أمر يجب أن يأسف عليه القادة العسكريون.
وظهر تراجع في الاهتمام بالحل السياسي عبر إعلان الكتلة الديمقراطية بقوى الحرية والتغيير، والمتحالفة مع الجيش، رفضها المشاركة في اجتماعات مزمع عقدها في جنيف، لإيجاد نقاط مشتركة تتوحد خلفها القوى المدنية والسياسية.
وتستضيف جنيف، الاثنين، اجتماعا لقوى ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات سياسية، بمشاركة تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم)، وهو الثالث الذي تستضيفه سويسرا وترعاه منظمة “بروميدشن”، للبناء على ما يشبه التوافق الذي حدث في اجتماعات القاهرة التي جرت في يونيو الماضي.
اقرأ أيضا:
• انقلاب السودان: وأد التعاون مع تركيا وأجهض النهضة المنتظرة