استعادة المفكر

تخصيص جائزة ذات قيمة اعتبارية للأعمال الفكرية المميزة سنويا، يمكن أن يحفز أصحاب الفكر على الإبداع والاجتهاد.
الثلاثاء 2018/10/02
من يعيد للمفكر ريادته

ما نشهده في حياتنا الثقافية من توالي المهرجانات الأدبية والجوائز المجزية، التي تعقبها معارك أدبية طوال العام، يوحي وكأن الثقافة العربية هي ثقافة أدب بامتياز. ما يعزز هذا الواقع هو غياب الجوائز الخاصة بالإبداع الفكري والبحث الفلسفي، وهذا يعني غياب اهتمام القائمين على هذه الجوائز في المؤسسات الثقافية العربية بالفكر وأهل الفكر. وتتأكد هذه الظاهرة أكثر مع غياب الملتقيات الفكرية العربية، التي تجمع بين تيارات الفكر العربي المختلفة، على الرغم من حاجتنا الماسة إلى مثل هذه المبادرات، في مرحلة نحن أحوج ما نكون فيها إلى استعادة دور الفكر الريادي في البحث عن حلول مجدية لمعضلات الواقع في زمن العولمة.

تعويم الأدب وتجاهل دور الفكر في الحياة الثقافية العربية يمثلان خللا يحتاج إلى تصحيح لإعادة التوازن إلى هذه الثقافة، من خلال استعادة الدور التنويري للفكر في حياتنا وتكريس ثقافة العقل، خاصة بعد أن فشلت مشاريع التنوير والتحديث العربية، التي عملت عليها نخب سياسية مدنية وعسكرية، هيمنت على المجال العام للمجتمع زمنا طويلا.

الغريب أن هذه النخب عملت على  إقصاء المفكر وتهميش دوره، أو إلحاقه بها لتكريس سلطتها. لذلك لا بد من تحرير الفكر من هيمنة السياسي عليه، واستعادة دوره الهام في عملية التحول التاريخي، في ضوء ما حدث في الانعطافات التاريخية الكبرى، وذلك من أجل الخروج من حالة الفوات التاريخي التي نعيشها وتراكم مشاكلها.

إن الوعي بأهمية استعادة هذا الدور وتعزيزه في حياتنا العامة، يستدعي أولا تحرير الفكر من كل العوائق، التي تحول دون مشاركته الفعالة في عملية التحديث والتقدم، اجتماعيا وسياسيا وتربويا، إلى جانب تعزيز حوار الأفكار بين التيارات الفكرية المختلفة للوصول إلى تصور مشترك لتجديد مشروع النهضة والتقدم العربي.

في هذا السياق فإن تخصيص جائزة ذات قيمة اعتبارية للأعمال الفكرية المميزة سنويا، يمكن أن يحفز أصحاب الفكر على الإبداع والاجتهاد، ويمنحهم الثقة في الدور الذي يمكن أن تلعبه أفكارهم في تجديد وتطوير رؤيتنا إلى الواقع وعلاقتنا به بصورة تنفتح معها آفاق المستقبل أمامنا بعد أن استنفدت خطابات النهضة والتأصيل مبرراتها التاريخية والواقعية.

فلماذا تظل المشاريع والإبداعات الفكرية تعيش في هامش الحياة العربية، بينما يتم إقصاء الكثير من المفكرين لأسباب كثيرة، ويوضع تراثهم الفكري على الرف، في حين لا تزال المبادرات الفردية من قبل هذا المفكر أو ذاك مغامرة أشبه ما تكون برمي حجر في بركة الواقع الراكدة، سرعان ما تتلاشى خطوطها وتضيع. فمن يعيد للمفكر ريادته وللفكر دوره في عملية التغيير وتغيير نمط الأفكار السائدة.

15