استسهال حكومي يقود إلى تمدد الغش الإلكتروني في مصر

القاهرة- تمددت أساليب الغش الإلكتروني لتطال غالبية المراحل التعليمية في مصر بعد أن كانت تتركز على امتحانات الثانوية العامة (البكالوريا)، ما فتح المجال لتوجيه انتقادات للحكومة، والتي فشلت في التعامل مع أدوات الغش المبتكرة وتركت منصات التواصل الاجتماعي ساحة لتداول الامتحانات وتسريبها دون أن تتدخل بشكل فاعل.
وانتشرت صفحات تحمل اسم “شاومينج” وهو اسم وهمي لمجموعات تنشر أسئلة وإجابات الامتحانات عبر تطبيقات فيسبوك وتليغرام وواتساب، وتداولت امتحانات الشهادة الإعدادية التي انطلقت في عدد من المحافظات المصرية، الخميس، وسبق ذلك تقديم المنصات وعودا للطلاب بالحصول على الامتحان قبل أدائه، ومر ذلك أمام أعين الأجهزة الحكومية التي تتولى رقابة ما يدور على شبكة الإنترنت.
ولم تعلق وزارة التعليم عن الوقائع التي انتشرت على المنصات المختلفة، وترك تجاهلها انطباعًا لدى أولياء الأمور والطلاب بأنها لا تبدي اهتمامًا بالظاهرة التي انتشرت بما يبرهن على حالة الهشاشة الإدارية في التعامل مع مشكلات الغش، وبدت كأنها رسالة للمواطنين بأن هناك ملفات أكثر أهمية تشغل اهتمامات الحكومة أكثر من التعليم.
ويرى مراقبون أن مشكلات الغش الإلكتروني تمثل أزمة مركبة للحكومة حينما يرتبط الأمر بشهادة البكالوريا، ويختلف الوضع بالنسبة إلى المراحل الدراسية المختلفة الأخرى، إذ تحاول التعامل معها بهدوء وبما لا يساهم في إبراز مشكلات تزيد الانتقادات الشعبية الموجهة إليها، لكن ذلك له نتائج سلبية على مستقبل العملية التعليمية، فهناك ما يشبه السوق الجديدة للغش وبيع الامتحانات، وتسريبها في أماكن جغرافية مختلفة يضع الحكومة أمام قنبلة قابلة للانفجار في وجهها إذا أصبح الغش سلوكاً عاما.
وتراجع الحديث عن تفاصيل مشكلات التعليم، واقتنعت قطاعات من المواطنين بأن الوضعية الراهنة تتماشى مع قدرات الحكومة الاقتصادية في ظل حاجتها إلى توفير العملات الصعبة لتوفير الاحتياجات الأساسية.
وقال الخبير التربوي والتعليمي كمال مغيث إن الأجهزة الحكومية فقدت السيطرة على الغش الإلكتروني، بدليل عدم مواجهة الصفحات التي يتم تداول الامتحانات عليها وتركها بلا رقابة صارمة، وغياب الإعلان عن التحقيقات مع الطلاب “الغشّاشين”، وتكتفي الحكومة بإطلاق تصريحات تؤكد من خلالها على جديتها في مواجهة الغش، وهي تدرك أن الأجيال الصاعدة لديها أساليب متطورة يصعب إحكام الرقابة عليها.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن تعامل الحكومة مع الظاهرة يشي بوجود استسهال مع ما يحدث من مخالفات، وهناك إهمال في ضبط العملية التعليمية ومواجهة أشكال الفساد داخلها، وتبدو كأنها سلّمت أن مدارسها التي تضم الغالبية العظمى من الطلاب لا تقدم قيم تعليمية قوية، ولا ينبغي أن تقوم بهذا الدور طالما ظل التعليم مجانيًا.
وأشار إلى أن مقدمات تراجع الاهتمام بالتعليم تنعكس على الامتحانات وطبيعة المخالفات فيها، وأن العجز الحكومي عن سد احتياجات المدارس من المعلمين وتأثرها بالأزمات الاقتصادية يجعلها تتوقع حدوث مشكلات عدة نتيجة الضغط المستمر على المعلمين المنتظمين في مدارسهم، وانتشار الفساد في الإدارات التعليمية التي تتولى عملية تجهيز امتحانات مراحل التعليم الأساسي.
وقدم أولياء أمور طلاب الشهادة الإعدادية في القاهرة شكاوى لغرفة العمليات بمديرية التعليم في المحافظة للتحقيق في تصوير وتداول الأسئلة والإخلال بتكافؤ الفرص والعدالة بين الطلاب.
وتعددت حوادث النصب على أولياء الأمور والطلاب من خلال مجموعات مجهولة تدّعي تسريب الامتحانات قبل انطلاقها مقابل مبالغ مالية، وهو أمر يتم علنا على بعض المنصات الرقمية.
وتحدث رئيس الحزب الاشتراكي المصري أحمد بهاءالدين شعبان على تراجع قدرات الحكومات المتعاقبة على إحداث الفارق في مستويات التعليم منذ ستينات القرن الماضي، على الرغم من الجدل حول ضرورة إصلاح المنظومة التعليمية.
ويقضي الدستور المصري الحالي بإلزام الحكومة بإنفاق ما لا يقل عن 4 في المئة للتعليم قبل الجامعي، و2 في المئة للتعليم الجامعي، و1 في المئة للبحث العلمي، من إجمالي الدخل القومي، ومنح الدستور الحكومة مهلة ثلاثة سنوات لتتوافق مع تلك النسب الدنيا من الإنفاق الحكومي.
وذكر شعبان في تصريح لـ”العرب” أن عدم منح الحكومة الأولوية في الإنفاق على التعليم السنوات الماضية قاد إلى التراجع بالدرجة التي دفعتها للتفكير في ترخيص “مراكز الدروس الخصوصية”، وهي هيئات تستهدف الربح، لتكون مقننة وتلعب الأدوار التعليمية نيابة عنها، وأن الأسر المصرية نتيجة ضعف آليات التعليم الحكومي باتت مقتنعة بأن هذه المراكز السبيل أمامها لسد ثغرات لم تفلح الحكومة في علاجها.
وأوضح أن أزمة التعليم “مستحكمة”، وحال لم تلتزم الحكومة بتوفير الإنفاق اللازم لتطويرها أسوة بمشروعات تنموية، ستكون أمام ظواهر أخطر من الغش الإلكتروني.
وتبدو المشكلات الدقيقة التي تتعلق بالخدمات العامة، مثل التعليم، في حاجة إلى تغيير في السياسات العامة، مع أهمية خلق حوارات مجتمعية كاشفة يتم الالتزام بمخرجاتها ليتم إسنادها للجهات التنفيذية لإنزالها على الأرض، ويتطلب ذلك تطهيراً لما يسمّى بمؤسسات الدولة العميقة التي تظهر بوضوح في الإدارات التعليمية المحلية.