استراحة من أجواء الحرب على التلفزيونات العربية في رمضان

المسلسلات غير السياسية والدراما الكوميدية تهيمنان على قائمة البرامج بعيدا عن مشاهد غزة.
الاثنين 2025/03/03
تسليط الضوء على مواضيع أخرى

تستقطب التلفزيونات في شهر رمضان اهتمام الجمهور العربي وترتفع نسبة مشاهدة الدراما والمسلسلات الكوميدية خصوصا، واللافت هذا العام هو تراجع الاهتمام بحرب غزة التي سيطرت على الجمهور في العام الماضي، ما يبدو أنه محاولة لأخذ قسط من الراحة بعيدا عن المشاهد المؤلمة.

القاهرة - ترتفع نسبة مشاهدة القنوات التلفزيونية في شهر رمضان إلى أعلى مستوياتها في جميع أنحاء العالم العربي، رغم أن أغلب رجال الدين المسلمين يحثون المؤمنين على الحد من مشاهدة التلفزيون لتجنب الانحرافات الدنيوية، وتصل نسبة المشاهدة في هذا الشهر عادة إلى 80 في المئة، واللافت في هذا العام هو تراجع المساحة المخصصة لحرب غزة.

وبينما يشاهد السعوديون التلفزيون في المتوسط ثلاث ساعات يوميًا، فإن المشاهدة اليومية خلال رمضان تزيد عن خمس ساعات.

وسلطت صحيفة وول ستريت جورنال الضوء على هذه الظاهرة العربية في رمضان، وقالت إنه في هذا الشهر يختلف ما يشاهده 400 مليون عربي في 22 دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن المعتاد في كل عام؛ فعندما يفتحون أجهزة التلفزيون الخاصة بهم، على الرغم من اهتمام المنطقة بالحرب في غزة، لا يركز أي مسلسل من المسلسلات الجديدة التي تُعرض لأول مرة خلال شهر رمضان على إسرائيل أو الفلسطينيين.

وفي السنوات السابقة خصصت كل شبكة تلفزيونية عربية تقريبا واحدا على الأقل من عروضها الرمضانية لغدر “العدو الصهيوني” ومعاناة الفلسطينيين. بينما في هذا العام لا توجد إعلانات تقريبًا لمسلسلات تلفزيونية تتناول أهوال الرد العسكري الإسرائيلي على غزو 7 أكتوبر 2023، أو تدمير غزة افتراضيًا، أو مقتل الآلاف من الفلسطينيين.

وبدلاً من ذلك سيشاهد الجمهور العربي مسلسلات، كل منها يتراوح بين 15 و30 حلقة، تركز على الفقر المتزايد في العالم العربي وإبادة جزء كبير من الطبقة المتوسطة العربية.

44

في المئة من المغاربة ينتقلون بين التلفزيون والهواتف الذكية لمتابعة البرامج والمسلسلات

وفي مصر، الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان، يتعمق “فهد البطل” في عالم تجارة الرخام المحفوف بالمخاطر. فهد، حرفي الرخام الشاب، يفر من عائلته على أمل بدء حياة جديدة في القاهرة، ويكافح للهروب من الفقر والفساد من حوله.

أما مسلسل “إش إش” فهو دراما تشويقية عن امرأة شابة جميلة تُجبر على الرقص الشرقي، وهو شغف مصري، للهروب من الفقر. بينما يركز “ولاد الشمس” على صديقتين نشأتا في دار للأيتام وانجذبتا إلى عالم السرقة والجريمة.

وتدور أحداث مسلسل “أم 44” حول التحديات التي تواجهها المرأة العربية في الأربعينات من عمرها من مختلف الجنسيات. أما “مذكرات عانس” فهي كوميديا اجتماعية سعودية تدور حول رجل أعزب في منتصف الثلاثينات من عمره يضطر تحت ضغط اجتماعي وعائلي إلى الشروع في رحلة بحث يائسة عن زوجة.

وتتعدد التفسيرات لغياب إسرائيل و”الإبادة الجماعية” والقضية المقدسة لفلسطين على شاشات التلفزيون العربي في رمضان هذا العام. والتفسير الأكثر وضوحا هو أن الشبكات التلفزيونية تستطيع أن تشعر بأن الجمهور يريد استراحة من التغطية المستمرة للحرب -الصور الحاضرة في كل مكان للأطفال القتلى والمنازل المدمرة والنساء والأطفال الجائعين في غزة.

وكتبت الصحافية الإسرائيلية سمادار بيري أنها لا تصدق صمت الشبكات التلفزيونية العربية في رمضان؛ فقد قالت في مقابلة “الجمهور العربي نادراً ما يمل من الأفلام التي تهاجم إسرائيل.”

وهناك احتمال آخر يتمثل في أن الحكومات العربية، التي تسيطر على الكثير مما يُعرض على شبكات البث والتي تتوق إلى تمديد وقف إطلاق النار في غزة، حثت وسائل الإعلام على تجنب شيطنة إسرائيل. وربما يسعى المسؤولون العرب أيضا إلى نزع فتيل الغضب الشعبي تجاه طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب استقبال اللاجئين أثناء إعادة بناء غزة.

ومن غير المرجح أن ينسى أحد الحرب خلال شهر رمضان. وفي العالم العربي لا يوجد نقص في الدعم الخطابي للفلسطينيين وقضيتهم على شاشات التلفزيون وفي أماكن أخرى. ومع ذلك من الجيد تغيير القناة من حين إلى آخر.

وفي المغرب يعتبر شهر رمضان فرصة ذهبية للمعلنين للاستفادة من الزيادة الكبيرة في نسب المشاهدة، حيث أشارت دراسة حديثة أجراها مكتب “انتغريت” بالتعاون مع وكالة “كوم أند توك أجينسي” إلى أن هذا الشهر يمثل “حدثًا إعلانيًا ضخمًا” يُقارن بحدث “السوبر بول” الشهير.

وأظهرت الدراسة أن استهلاك المحتوى الإعلامي يصل إلى مستويات غير مسبوقة خلال رمضان، وهو ما يجعل التلفزيون والمنصات الرقمية وسيلتين متكاملتين تسمحان للعلامات التجارية بزيادة تفاعلها مع الجمهور.

وبحسب البيانات الصادرة عن مركز القياس “سياميد”، يظل التلفزيون الوسيلة الأكثر جذبًا للمشاهدين، حيث يقضي المغاربة في المتوسط خمس ساعات وتسع دقائق يوميًا أمام الشاشات، مع بلوغ ذروة المشاهدة بعد وقت الإفطار، ما يجعله التوقيت الأمثل لبث الإعلانات.

وبعد هذه الفترة يتحول المشاهدون إلى المنصات الرقمية، حيث يزداد التفاعل بشكل ملحوظ بين الساعة العاشرة مساءً والثالثة فجرًا، خاصة على منصات مثل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك، وهو ما يتيح للعلامات التجارية فرصة لإطلاق حملات إعلانية مُوجّهة تتماشى مع أنماط استهلاك المحتوى خلال هذه الفترة.

استهلاك المحتوى الإعلامي يصل إلى مستويات غير مسبوقة خلال رمضان، وهو ما يجعل التلفزيون والمنصات الرقمية وسيلتين متكاملتين تسمحان للعلامات التجارية بزيادة تفاعلها مع الجمهور

وأكدت سهام مالك، المديرة الشريكة في “انتغريت”، أن رمضان ليس مجرد فترة لزيادة المشاهدات، بل هو “لحظة عاطفية وفرصة للتواصل العميق مع المستهلكين،” حيث ينجذب الجمهور إلى المحتوى الإعلاني الذي يعكس قيم الشهر الكريم ويلمس مشاعرهم.

وأبرزت الدراسة الدور الكبير الذي تلعبه النساء في تحديد المحتوى التلفزيوني في رمضان، خاصة خلال وجبة الإفطار والساعات المسائية، حيث يفضلن البرامج العائلية التي تجمع بين الفكاهة والعاطفة. وتظل القناتان الأولى والثانية الخيارين المفضلين لدى المشاهدين، وهو ما يزيد من جاذبيتهما للمعلنين الذين يسعون إلى الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور.

وأشارت الدراسة إلى انتشار ظاهرة “تعدد الشاشات”، حيث ينتقل 44 في المئة من المغاربة بين التلفزيون والهواتف الذكية خلال الأمسيات، إما لمشاهدة إعادة البرامج على يوتيوب أو للتفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وأكدت أن التنسيق بين الإعلانات التلفزيونية والإعلانات الرقمية يعزز فاعلية الحملات الإعلانية، إذ يساعد هذا النهج على زيادة ظهور الإعلانات بعد الإفطار، خاصة عبر منصات مثل يوتيوب وواتساب، سواء من خلال إعادة نشر المحتوى أو التفاعل المباشر مع الجمهور.

أما بالنسبة إلى توجهات المشاهدة فقد كشفت الدراسة أن البرامج الكوميدية تحتل الصدارة بنسبة 58 في المئة، تليها المسلسلات الدرامية بنسبة 57 في المئة، بينما تحظى البرامج الدينية بنسبة متابعة تبلغ 44 في المئة. في المقابل تسجل برامج النقاش نسبة 20 في المئة، بينما تأتي برامج الألعاب والمغامرات في المرتبة الأخيرة بنسبة 8 في المئة.

5