استراتيجية مصرية لتعزيز مكانة الموانئ في التجارة العالمية

وسعت القاهرة من طموحاتها في مجال تحويل البلاد إلى مركز لوجستي في منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية بالدخول في أولى خطوات تنفيذ استراتيجية شاملة لتعزيز دور موانئ البلد ومكانتها في التجارة العالمية مع إطلاق العديد من المشروعات الأخرى في تشييد الموانئ الجافة وتوسعتها.
القاهرة- شرعت مصر في تنفيذ خطة شاملة وواعدة لتطوير موانئها على سواحل البحرين المتوسط والأحمر، بما يجعلها مركزا لوجستيا في الشرق الأوسط وأفريقيا، ويعزز مكانتها في التجارة العالمية.
ويرى خبراء في قطاع الاقتصاد والنقل أن الاستراتيجية الجديدة سوف تزيد تنافسية الموانئ المصرية وتخلق قيمة مضافة لمصر، وتجذب الاستثمارات لأن الموانئ لم تعد نقطة اتصال بين البحر والأرض، لكنها أصبحت مراكز لوجستية تنشّط حركة الصادرات والواردات.
وتتضمن الخطة تنفيذ 58 مشروعا لتطوير الموانئ، بإجمالي تكلفة تقدر بحوالي 63 مليار جنيه (4.3 مليار دولار)، وسوف يستمر تنفيذها حتى عام 2024.

وليد جاب الله: مصر ستكون مركزا فاعلا بمنظومة سلاسل الإمداد عالميا
وتشمل أعمال التطوير إنشاء أرصفة وساحات للتداول وأحواض جديدة ومناطق تجارية ولوجستية وتكريك الممرات الملاحية وأحواض الموانئ وربطها بشبكة خطوط السكك الحديدية والقطار الكهربائي، وتقديم كافة خدمات السفن.
لكن الخطة تستهدف أيضا الموانئ الجافة، حيث أعلن وزير المالية محمد معيط في وقت سابق هذا الأسبوع عن طرح مشروع إنشاء ميناء جاف ومركز لوجستي على مساحة 250 فدانا بمدينة العاشر من رمضان، بنظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
ومن بين الموانئ المستهدفة ميناء العين السخنة، حيث بدأت مصر خطة لتطويره بـ20 مليار جنيه، بهدف تحويله إلى أكبر ميناء محوري على البحر الأحمر وفي الشرق الأوسط. وقامت مصر أخيرا بإعادة تشغيل ميناءي العريش والطور بعد توقف دام سنوات، بينما وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي بإعداد دراسة لإنشاء ميناء المكس على ساحل البحر المتوسط.
ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة عن منى صبحي، أستاذة الجغرافيا الاقتصادية والنقل بجامعة الأزهر، قولها إن “خطة تطوير الموانئ ترتكز على زيادة الإنتاجية والكفاءة، وتحقيق درجات أعلى في المؤشرات اللوجستية مثل البنية التحتية وتعقب الشحن”. وأشارت إلى أن ذلك سيؤدي إلى زيادة قدرتها على منافسة الموانئ الإقليمية، خاصة الموانئ الإسرائيلية.
وتمتلك مصر سواحل طويلة على البحرين الأحمر والمتوسط، ولديها موانئ هامة على ساحل البحر المتوسط، أهمها ميناء الإسكندرية الذي يعتبر من أهم الموانئ التجارية، وكذلك موانئ الدخيلة ودمياط وبورسعيد وشرق بورسعيد والعريش، إلى جانب ميناء جرجوب المزمع افتتاحه قريبا. كما تمتلك موانئ على البحر الأحمر مثل موانئ العين السخنة والسويس وسفاجا ونويبع، بالإضافة إلى الموانئ التخصصية السياحية والبترولية.
وتعمل القاهرة على التحول الرقمي في تشغيل الموانئ، والربط بين الموانئ البحرية والموانئ الجافة والداخلية ومراكز الاستهلاك ومناطق التصنيع عن طريق شبكات الطرق البرية والسكك الحديدية، وهو ما من شأنه تسهيل حركة نقل وتداول الصادرات والواردات.
وترمي الخطة إلى تقديم الخدمات اللوجستية للسفن داخل الموانئ مثل ميناءي العين السخنة وشرق بورسعيد في خطوة تستهدف خلق قيمة مضافة، فضلا عن الربط بين الموانئ والمناطق الصناعية في شبه جزيرة سيناء ومنطقة شمال غرب خليج السويس.
ومن المتوقع أن يجذب تطوير تلك الموانئ المزيد من الاستثمارات إلى مصر، لاسيما داخل الموانئ البحرية، ويحول البلد إلى مركز لوجستي وتجارى في الشرق الأوسط وأفريقيا.
4.3 مليار دولار قيمة 58 مشروعا لتطوير الموانئ في البحرين الأحمر والمتوسط
ويقول الخبير الاقتصادي وليد جاب الله إن “خطة تطوير الموانئ المصرية تأخرت لفترة طويلة، في الوقت الذي انطلقت فيه عمليات تطوير الموانئ في المنطقة بالكامل، وهو الأمر الذي جعل من تطوير موانئ مصر أمرا حتميا”.
وأوضح جاب الله، وهو عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، أن خطة التطوير سوف تمكن موانئ مصر من العودة إلى ساحة التجارة العالمية، بما يسمح بعودة مصر كرقم فاعل في منظومة سلاسل الإمداد عالميا.
وأضاف أن عمليات التطوير ستساعد على زيادة تصنيف الموانئ المصرية، لكن الأمر لا يتوقف عند تطوير البنية التحتية والأحواض والمناطق اللوجستية بتلك الموانئ، بل تم أيضا تطوير قانون الجمارك الذي صدر أخيرا ويجري حاليا إعداد لائحته التنفيذية.
ويعتقد البعض أن هذا القانون، بالتوازي مع عمليات التطوير، سيساعد على تحسين تصنيف الموانئ ورفع تنافسيتها بصورة تجعلها أكثر ملاءمةً لممارسة دورها في مجال النقل، بحيث تكون مصر شريكا ورقما فاعلا في عمليات النقل عالميا.
ويؤكد جاب الله أنه من المهم جدا أن تتم عمليات الشحن والتفريغ في الموانئ بسرعة، وأن تكون الموانئ مجرد نقاط عبور، وليست نقاط تخزين، وهذا يتطلب عملية شاملة لتطوير موانئ مصر.
ويتضمن هذا التطوير رفع كفاءة الأرصفة وتحديث البنية التكنولوجية والإدارية، ووجود مناطق لوجستية ملحقة بالموانئ، بحيث يتم فصل المناطق اللوجستية الخاصة بالتخزين عن عملية دخول وخروج السلع من الموانئ، بحسب جاب الله الذي أضاف “أتصور أن ذلك تحقق بالفعل.
تمتلك مصر سواحل طويلة على البحرين الأحمر والمتوسط، ولديها موانئ هامة على ساحل البحر المتوسط، أهمها ميناء الإسكندرية الذي يعتبر من أهم الموانئ التجارية
ولدى القاهرة بالفعل خطة لأن تصبح مركزا لوجستيا وتجاريا في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهذا الأمر واضح عبر مخطط تطوير الموانئ، خاصة في مجال إنشاء محطات متعددة الأغراض في الموانئ، وربط الموانئ ببعضها البعض مثل ربط ميناء العين السخنة بميناء العلمين عن طريق قطار كهربائي”.
وقال وائل قدور خبير النقل البحري “بالتأكيد مصر ستكون مركزا لوجستيا وتجاريا في الشرق الأوسط في حالة اكتمال خطة تطوير الموانئ، فوجود خطة للتطوير خطوة جيدة لأنها عملية ديناميكية تسير مع حركة التجارة العالمية”.
وتعتبر الموانئ المصرية من الجيل الثالث، بينما الموانئ في معظم أنحاء العالم حاليا في الجيل الخامس، ولذلك فإن جعل كل الموانئ ذكية سيساعد على تحقيق القاهرة أهدافها.
ويلفت قدور، عضو مجلس إدارة قناة السويس سابقا، إلى أن ضرورة التطوير لا تقتصر على الموانئ، إنما تشمل أيضا القنوات الملاحية مثل قناة السويس، وهذا أهم تحدّ يواجه مصر، ولا بد أن تولي الدولة هذا الأمر أهمية قصوى.