استراتيجية صينية خفية لوضع اليد على شركات التكنولوجيا الذكية في أوروبا

بكين تسعى إلى الاستقلال تكنولوجيا عن الغرب.
الأحد 2022/01/16
الصين تستحوذ على شركات التكنولوجيا الذكية

واشنطن - دأبت الصين منذ أكثر من عشر سنوات، دون أن تلفت الأنظار، على شراء الشركات الأوروبية في قطاعات استراتيجية، لاسيما في مجالي التكنولوجيا والطاقة.

ويبدو أن بكين تستغل هذه الأصول الأوروبية للمساعدة في أن تصبح قوة عالمية، مستقلة تكنولوجيا عن الغرب، وأن تزيح الولايات المتحدة في نهاية المطاف لتصبح الصين القوة العظمى الاقتصادية والسياسية والعسكرية في العالم.

وتقول جوديث بيرجمان المحامية والمحللة السياسية في تقرير نشره معهد جيتستون الأميركي إن الصين تفرض السرية على مشترياتها الأوروبية بالعمل على أن تبدو ظاهريا مجرد استثمارات تجارية. وتخفي الصين مشاركة الشركات المملوكة للدولة في الاستثمارات خلف “طبقات من الملكية، وهيكل المساهمة المعقدة والصفقات التي يتم إبرامها عن طريق شركات أوروبية تابعة لها”، كما توضح شركة داتينا الهولندية، التي تراقب الاستثمارات الصينية في أوروبا.

وذكرت شركة داتينا أن حوالي 40 في المئة من الاستثمارات الصينية، التي بلغت 650 استثمارا في أوروبا في الفترة من 2010 حتى 2020، “شكلت مشاركة على مستوى مرتفع أو متوسط من جانب شركات تملكها أو تهيمن عليها الدولة، من بينها بعض الشركات التي تعمل في مجال التكنولوجيات المتقدمة”.

الصينيون استحوذوا في الآونة الأخيرة على شركة "وافر فاب" أكبر شركة في بريطانيا متخصصة في إنتاج أشباه الموصلات

وتذكر بيرجمان، وهي إحدى كبار زملاء معهد جيتستون، إنه، على سبيل المثال، عندما استحوذ الصينيون على شركة “ألبي أفييشن” الإيطالية المتخصصة في صناعة الطائرات المسيرة، كان السلاح الجوي الإيطالي قد كشف بالفعل عن الأهمية الاستراتيجية لطائرات شركة ألبي، عبر استخدامها في أفغانستان. وفي عام 2008 قامت شركة “مارس تكنولوجي” المسجلة في هونج كونج بشراء 75 في المئة من أسهم “ألبي أفييشن”. ولم تكن السلطات الإيطالية تعلم شيئا عن الصفقة، وكشفت الحقيقة عنها فقط في عام 2021، وفتحت تحقيقا في الأمر.

واكتشفت السلطات الإيطالية أن “مارس تكنولوجي” هي مجرد شركة واجهة، تمكّن التوصل إلى أنها خاصة بشركتين مملوكتين للدولة الصينية. وإحدى هذه الشركات هي شركة “ريلواي رولينج ستوك”، أكبر مورّد في العالم لمستلزمات السكك الحديدية.

ويبدو أن الغرض من الاستحواذ كان امتلاك الدولة الصينية لتكنولوجيا طائرات ألبي المسيرة، التي بدأ الصينيون بعد الصفقة مباشرة في تحويلها إلى بلادهم. ويقول جاب فان إيتين الرئيس التنفيذي لشركة داتينا إن “ما حدث هو الأمر المعتاد، فهذه هي استراتيجية الدولة الصينية، التي تعززها الحكومة الصينية”.

وتقول بيرجمان إن الصينيين استحوذوا في الآونة الأخيرة على شركة “وافر فاب” أكبر شركة في المملكة المتحدة متخصصة في انتاج أشباه الموصلات، المعروفة بالرقائق الإلكترونية، والضرورية في صناعة الإلكترونيات، ابتداء من الهواتف الذكية إلى الأسلحة ذات التكنولوجية العالية.

وكشفت المحكمة الأوروبية لمراجعي الحسابات، وهي إحدى مؤسسات الاتحاد الأوروبي التي تراقب التصرفات المالية في الاتحاد، أن الحصول على نظرة عامة للاستثمارات الصينية في دول الاتحاد الأوروبي أمر صعب بسبب الافتقار للبيانات الشاملة؛ ويبدو أنه لا يسجلها أحد.

وأوضحت بيرجمان أنه يبدو أيضا عدم توفر أنظمة ملائمة لمنع أيّ استثمارات أجنبية على أساس مخاوف الأمن القومي أو ببساطة لأنه لا يتم استخدام مثل هذه الأنظمة بشكل كاف. وهناك 18 دولة أوروبية فقط – من بينها ألمانيا وفرنسا وإسبانيا – أدخلت أو قامت بتحديث آليات وطنية لمراقبة الاستثمارات الأجنبية، لكن من الواضح أنه لا يتم استخدامها بصورة دائمة. وعلى سبيل المثال استخدمت إيطاليا آلياتها أربع مرات فقط، منهما مرتان خلال الشهور التسعة الماضية.

Thumbnail

ووفقا لشركة داتينا تعتبر آلية إسبانيا لمراقبة الاستثمارات “من أشد الأطر صرامة داخل أوروبا”. ورغم ذلك لا تزال الصين تحقق نجاحا كبيرا في اقتحام قطاع الطاقة والقطاع النووي في إسبانيا.

وفي عام 2020 استحوذت مجموعة الطاقة الصينية للتخطيط والتصميم على شركتين هما “إمبريسساريو أجروبادوس” و”غيسا” اللتين تصممان وتشيدان المحطات النووية. وهذه الشركة الصينية مرتبطة ارتباطا وثيقا عن طريق شركتها الرئيسية، مجموعة هندسة الطاقة الصينية، بلجنة مراقبة وإدارة الأصول التابعة لمجلس الدولة، وهو كيان تابع للحكومة الصينية. ويمتلك هذا الكيان 100 في المئة تقريبا من أسهم مجموعة هندسة الطاقة الهندسية – الشركة الصينية الأم – للشركة التي استحوذت على الشركتين الإسبانيتين.

وتردد أن هذه العملية كانت من أكبر عمليات الاستحواذ الصينية على شركات إسبانية رئيسية. وبالإضافة إلى ذلك، تردد في عام 2020 أيضا أن شركة الخوانق الثلاثة الصينية، العملاقة في مجال الطاقة والمرافق والمملوكة للدولة الصينية وافقت على شراء 13 من محطات الطاقة الشمسية الإسبانية. ومن الواضح أن “أشد أطر المراقبة صرامة” لا تقوم بإيقاف الصين عن الاستحواذ.

واختتمت بيرجمان تقريرها بالقول إن ما يبدو مطلوبا الآن على وجه السرعة في أوروبا هو تفهّم أعمق للتهديد الذي تمثله الصين، وللإرادة السياسية للعمل من أجل مواجهة هذا التهديد. وهناك حاجة إلى تحرك عاجل لمنع الاستثمارات التي تقدم الأصول الاستراتيجية في أوروبا على طبق من فضة للشركات المملوكة للصين، والتي يستخدمها الحزب الشيوعي الصيني بعد ذلك لتعزيز أهدافه التوسعية.

7