استراتيجية تنمية صناعة النفط في الكويت تنحرف عن مسارها

حملت أحدث التقييمات بشأن عجز الكويت عن تطوير صناعتها النفطية في طياتها الكثير من التشاؤم لكونها تعطي لمحة عن سوء إدارة المسؤولين للقطاع المدر للعملة الصعبة، كما تمنح تأكيدا على أن استراتيجية تنميته بحلول 2040 تبدو مستحيلة لعدم مواكبتها للتقلبات الحالية.
الكويت – توصل خبراء مركز ريكونسنس للبحوث والدراسات إلى أن الوعود التي قطعها وزراء النفط والمسؤولون عن شركة البترول الحكومية في الكويت خلال العقدين الماضيين لرفع قدرة البلاد الإنتاجية وفق استراتيجية 2020 لم تتحقق.
واستنادا إلى التقارير الرسمية للقطاع فإن البلد كان يستهدف زيادة الإنتاج من ثلاثة ملايين برميل يوميا في 2005 إلى أربعة ملايين برميل يوميا في 2020، لكن بدلا من ذلك تراجع إلى 2.9 مليون برميل يوميا ثم إلى 2.8 مليون برميل يوميا في العام الماضي.
ولم يكن الحال أحسن في مجال التكرير أو إنتاج الغاز، حيث كانت نسب التراجع أكبر وصار لزاما على مؤسسة البترول أن تواجه الإخفاق الواضح وأن تعلن عن أسبابه.
وانتقد المركز تقاعس المؤسسة ووزير النفط والحكومة في تقديم توضيح للرأي العام أو الأسواق العالمية بشأن وضع الاستراتيجية والإخفاق فيها، فضلا عن الأسباب والمبررات.
الإنتاج في نهاية العقد الماضي
- 2.9 مليون برميل يوميا تم إنتاجها بدل 4 ملايين برميل يوميا مستهدفة
- 490 مليون قدم مكعب يوميا من الغاز تم إنتاجها بدل 2.1 مليار قدم مكعب يوميا مستهدفة
- 800 ألف برميل يوميا حجم طاقة التكرير بدل 1.4 مليون برميل يوميا مستهدفة
وتساءل معدو الدراسة، التي حصلت “العرب” على نسخة منها، قائلين “لماذا لم تتم محاسبة أي مسؤول حكومي كبير أو صغير بسبب هذا الإخفاق المدوي حتى الآن؟”.
ويشكل ارتفاع أسعار النفط ووجود حاجة دولية إلى زيادة الإنتاج في ظل الحرب في أوكرانيا فرصة قد لا تتكرر لتعظيم إيرادات الدولة لو تم الاستعداد لها، خاصة مع تولي الشيخ نواف سعود الصباح قيادة مؤسسة البترول في مارس الماضي.
وهدفت استراتيجية النفط، التي بدأ الحديث عنها منذ تولي الشيخ أحمد الفهد حقيبة النفط في 2003 ثم تبلورت مطلع 2011 في وثيقة توجهات مؤسسة البترول، إلى زيادة الإنتاج من 3.3 مليون برميل يوميا إلى 4 ملايين برميل يوميا والحفاظ عليها حتى 2030.
وبالإضافة إلى ذلك زيادة الطاقة التكريرية إلى 1.4 مليون برميل يوميا مع زيادة طاقة إنتاج الغاز غير المصاحب قدرها 2.1 مليار قدم مكعب يوميا بحلول 2020 ثم 2.6 مليار قدم مكعب يوميا بحلول 2025 ثم ثلاثة مليارات قدم مكعب يوميا بنهاية هذا العقد.
ووفق مركز ريكونسنس فإن الواقع الفعلي يظهر أن مؤسسة البترول عجزت طوال العقد الماضي عن تحقيق أي اختراق كبير في تنفيذ خطتها الاستراتيجية في مجال التنقيب والإنتاج.
وبدلا من تحقيق زيادة في الطاقة الإنتاجية تحولت الكويت إلى ما يمكن وصفه بالنمو السلبي أو التراجع وتآكل القدرة الإنتاجية، وهو ما يعني أنها لم تتمكن من الحفاظ على وضعها القائم قبل عشر سنوات وإنما فقدت 400 ألف برميل من قدراتها الإنتاجية في تلك الفترة.
واعتبرت الدراسة أن هذه الأرقام تشكل انتكاسة لقطاع النفط في الكويت لا مفر لمؤسسة البترول الكويتية وقياداتها من الاعتراف بها.
وجاءت التقديرات الكويتية قريبة من أرقام وكالة الطاقة الدولية، فطبقا لتقرير مؤسسة البترول للعام المالي 2019 / 2020 أنتجت البلاد نحو 2.8 مليون برميل نفط يوميا.
وإذا أضيفت إلى هذا الرقم 160 ألف برميل يوميا هي حصة الكويت من إنتاج المنطقة المقسومة التي بلغ إنتاجها آنذاك 320 ألف برميل يوميا، طبقا لتصريح الجانب الكويتي، فإن إجمالي إنتاج البلد يكون 2.9 مليون برميل نفط يوميا.

مركز ريكونسنس: مؤسسة البترول واجهت إخفاقا كبيرا في تنفيذ خططها
واللافت أن الأرقام الرسمية للمؤسسة في تقريرها السنوي للسنة المالية التالية تعطي طاقة إنتاجية أقل بنحو 111 ألف برميل من الخام.
وهذا يعني أن حصيلة الإنتاج في مارس 2021 بلغت 2.78 مليون برميل يوميا، أي أقل بأكثر من نصف مليون برميل مما كان عليه الوضع في 2010، وأقل بأكثر من 1.2 مليون برميل عما كان مستهدفا في الاستراتيجية.
وجراء الجمود اعتمد المسؤولون سياسة الهروب إلى الأمام، ففي يناير 2018 وقف نزار العدساني الرئيس التنفيذي للمؤسسة آنذاك ليعلن عن أكبر خطة للإنفاق على القطاع في تاريخ البلاد، حيث قال إن “الكويت تستهدف إنفاق ما يقرب من نصف تريليون دولار حتى 2040”.
وأكد أن الاتجاهات الاستراتيجية للمؤسسة تسعى إلى تحقيق طاقة إنتاجية من الخام تبلغ نحو 4.75 مليون برميل يوميا بحلول 2040، مشيرا إلى أن المؤسسة تخطط لزيادة القدرة التكريرية للمصافي المحلية لتصل إلى مليوني برميل يوميا بحلول 2035.
وبهذا تم تمديد الفترة الزمنية لاستراتيجية النفط في الكويت إلى عشرين سنة إضافية، وتمت زيادة الطاقة الإنتاجية المستهدفة بنحو 750 ألف برميل يوميا عن الاستراتيجية السابقة التي لم يتحقق منها شيء في هذا المجال.
وقالت الدراسة إن “الطاقة الإنتاجية تراجعت 500 ألف برميل يوميا في الاثني عشر عاما الماضية فكيف نزيدها مليوني برميل يوميا في الثمانية عشر عاما القادمة”.
وعلى صعيد إنتاج الغاز غير المصاحب لم تكن الصورة أفضل، فقد بلغ 490 مليون قدم مكعب يوميا في مارس 2020، طبقا لتقرير أعدته المؤسسة، بدلا من الوصول الى 2.1 مليار قدم مكعب يوميا، أي أن الإنجاز بلغ نسبة 23 في المئة فقط.
أما فيما يتعلق بالتكرير فكان في أضعف حالاته بنهاية العقد الماضي، إذ تم إغلاق مصفاة الشعيبة في 2017 لتنخفض طاقة التكرير بمقدار 200 ألف برميل يوميا وتبلغ 736 ألف برميل يوميا. ومع تأخر إنجاز مشروع مصفاة الزور صارت الكويت بحاجة إلى استيراد زيت الوقود والبنزين.
وما زاد الأمر صعوبة أن إغلاق مصفاة الشعيبة جاء بينما كانت مصفاة الأحمدي وميناء عبدالله في خضم عملية تطوير بدأت في أبريل 2014 بكلفة 15.5 مليار دولار فيما عُرف بـ”مشروع الوقود البيئي”، الذي تأخر إنجازه نحو أربع سنوات، وافتتح في مارس الماضي.
والموقف الحالي لصناعة التكرير بالبلاد هو القدرة على تكرير 800 ألف برميل نفط فقط يوميا، أي بتراجع تبلغ نسبته 18 في المئة، بعد تشغيل مشروع الوقود البيئي الذي استمر العمل فيه ثماني سنوات.
ويعني ذلك أن الهدف الذي كان محددا للوصول إلى 1.4 مليون برميل يوميا أنجز منه 57 في المئة فقط.
ويشكل مشروع مصفاة الزور الذي بلغت تكلفته 16 مليار دولار إحدى العلامات البارزة على سوء إدارة المسؤولين لصناعة التكرير.

وكان المجلس الأعلى للبترول قد أقر مشروع بناء المصفاة في 2004 وتم توقيع عقوده وبدأ العمل فيه اعتبارا من 2015 ولم يفتتح بعد، رغم أن افتتاحه كان مقررا في 2019.
ويشكل ذلك نموذجا لعدم إدراك أهمية عنصر الزمن في تنفيذ المشاريع، فقد كان مقررا لهذه المصفاة أن توفر للبلاد مصدرا آمنا وثابتا لتغطية احتياجات وزارة الكهرباء والماء من زيت الوقود النظيف وبإنتاج قدره 225 ألف برميل يوميا من أجل إنتاج الكهرباء والماء.
ومع تأخر إنجاز المشروع تغيرت الأوضاع العالمية والإقليمية لأسواق الغاز الطبيعي الذي يعد بديلا لإنتاج الكهرباء أفضل، اقتصاديا وبيئيا، من زيت الوقود الذي توفره المصافي.
ونتج عن ذلك اتجاه وزارة الكهرباء إلى الاعتماد على الغاز في محطاتها، بل وبناء مشروع محطة دائمة لاستيراد الغاز المسال بكلفة 3.57 مليار دولار.
ويقول خبراء مركز ريكونسنس إن ذلك يعني عمليا الاستغناء عن زيت الوقود الذي تم بناء المصفاة لإنتاجه، وبالتالي فقد مشروع المصفاة جزءا أساسيا من أهميته وأصبحت جدواه الاقتصادية محل شك.
وتبدو التداعيات وخيمة بسبب عدم إيلاء الدولة وأذرعها في القطاع الاهتمام الكافي بعامل الزمن.
1.4
مليون برميل يوميا الهدف الذي كان محددا للوصول وأنجز منه 57 في المئة فقط
ويؤدي تأخير المشاريع إلى تضييع سمعة الدولة لدى الدول والشركات العالمية المستوردة التي تحتاج شريكا موثوقا به يمكن البناء على خططه وتوقعات مشاريعه. كما أن ذلك يسهم في ضياع فرص إيرادات وأرباح كان يمكن تحقيقها في حال تنفيذ المشاريع.
وطبقا لتقدير ديوان المحاسبة للسنة المالية الماضية المنتهية في مارس 2022 فإن قيمة الإيرادات غير المحققة نتيجة تأخر مشروع مصفاة الزور على سبيل المثال لمدة تقل عن ثلاث سنوات بلغت نحو 26.3 مليار دولار.
كما أن الأرباح غير المحققة نتيجة تأخر مشروع الوقود البيئي ثلاث سنوات مالية حتى نهاية مارس 2021 بلغت 208 ملايين دولار، ولا شك أن هذه الأرقام زادت بعد مرور عام إضافي.
ومن بين التداعيات الأخرى تحمل قطاع النفط نفقات أعلى من الكلفة المقدرة بسبب مصاريف التأمين والخدمات واستغلال الأراضي وغير ذلك.
وتتعرض المشاريع، نتيجة التأخير في إنجازها، إلى ضغوط أسعار جديدة للمواد الخام والخدمات غير المقدرة في موازنة المشروع الأولية نظرا إلى عوامل التضخم.
ويؤدي ذلك إلى المزيد من الإنفاق على المشروع، وبالتالي تقليل العائد منه. كما يؤدي إلى ارتفاع كلفة رواتب الموظفين وتدريبهم وكذلك عقود الصيانة دون أن يكون هناك مردود حقيقي.
ويعتقد مركز ريكونسنس أن مؤسسة البترول تحتاج إلى أن تكون أكثر شفافية للتغلب على العقبات القديمة وأن تعدل استراتيجيتها لعام 2040 في ضوء واقع صناعة النفط وأن توفر الموارد المالية الكافية لتنفيذ الخطط الجديدة.