استدارة قطرية متأخرة نحو تنويع الصفقات الاستثمارية عالميا

يتابع محللون التحولات التي بدأت قطر في تجسيدها من خلال القيام بمراجعة شاملة لسياسات تنويع صفقاتها الاستثمارية العالمية التي يديرها صندوقها السيادي أملا في كسر حالة التقاعس واتباع نهج جيرانها في الخليج الذين يتسابقون لتعزيز محافظ أعمالهم.
الدوحة – تتطلع الحكومة القطرية عبر صانعي صفقات جهازها للاستثمار إلى تغيير عقليتها في الإنفاق على الأعمال، في مسعى متأخر لجعل صندوقها السيادي يلعب دورا أكبر في الاقتصاد المحلي دون منافسة القطاع الخاص.
ويبدو أن البلد الخليجي الذي يعد أحد كبار منتجي الغاز في العالم يحاول اللحاق بركب صناديق الثروة في السعودية والإمارات وحتى سلطنة عُمان بغية تنويع محفظته الاستثمارية التي ظلت تركز على مجالات معينة لسنوات.
وتستهدف الدوحة المزيد من الاستثمار في مجالات وقطاعات جديدة مثل التكنولوجيا والرعاية الصحية، حيث أن ارتفاع الطلب على مواردها الطبيعية ونهاية بطولة كأس العالم بقيمة 300 مليار دولار يجلبان الوعد بتحقيق أموال إضافية.
ويؤكد المسؤولون أن الجهاز البالغ حجمه 450 مليار دولار ينظر إلى ما وراء “مناطق الصيد التقليدية” في أوروبا والميل إلى أصول الرياضة بينما يبحث عن أماكن جديدة لكتابة شيكاته الكبيرة التالية.
وقال الرئيس التنفيذي للجهاز منصور آل محمود الذي نادرا ما يتحدث إلى وسائل الإعلام لوكالة بلومبرغ “ثمة تفويض واضح لإعداد المؤسسة للتعامل مع المزيد من التدفقات الوافدة في السنوات المقبلة”.
وهذا يعني زيادة الإنفاق في أسواق آسيا والولايات المتحدة، حيث يخطط الجهاز للاستثمار في مجالات تغير المناخ والبنية التحتية والرقمنة.
وأضاف آل محمود “سنواصل الانتشار في آسيا، لكن حصة أكبر من استثماراتنا ستذهب إلى المنطقتين الأخريين، بالنظر إلى الفرص التي نراها في الولايات المتحدة وفي أماكن مثل الصين والهند”.
وتأسس الجهاز عام 2005 للتعامل مع عائدات قطر من الغاز، ويصنف الآن في المرتبة العاشرة بين أكبر صناديق الثروة في العالم، وفقا لمعهد صندوق الثروة السيادية.
وخلال الأزمة المالية لعام 2008، كان مستثمرا موجها للشركات الأوروبية التي تحتاج إلى رأس المال ووزع المليارات في الشركات الممتازة مثل بنك باركليز البريطاني.
وبعد خمسة عشر عاما، ومع نضوب الأموال في العديد من الأسواق حول العالم وارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي، أصبح جهاز قطر للاستثمار مرة أخرى من بين مجموعة مختارة من المستثمرين الأثرياء القادرين على تمويل أكبر الصفقات.
وقال آل محمود “نتحلى بالشفافية في ما نقوم به، ونستثمر على المدى الطويل. هذا هو اقتراحنا، ونعتقد أن الشركات تفضل شريكا من هذا القبيل”.
ويعمل الجهاز على زيادة استثماراته التقنية، والمشاركة في جولات التمويل وقيادتها من قبل الشركات في جميع أنحاء العالم من منصة توصيل الطعام الهندية سويغي إلى مجموعة الطب الجينومي الأميركية إنسوما.
كما يبحث أكثر في قطاع أشباه الموصلات والبرمجيات، فضلاً عن السعي للاستثمار جنبا إلى جنب مع شركات الأسهم الخاصة في عمليات الشراء في مجال التكنولوجيا الأوسع.
وقال محمد الحردان رئيس استثمارات التكنولوجيا والإعلام والاتصالات في الجهاز “حاليا نجد عددا أكبر من الفرص المثيرة للاهتمام بالنظر إلى أن الشروط بدأت تصبح أكثر ملاءمة للمستثمرين”.
274
مليون دولار قيمة برنامج لجذب اهتمام المستثمرين الأجانب وتعميق أسواق رأس المال في قطر
وأضاف “رغم وجود الكثير من المستثمرين الذين يسعون وراء الفرص في مجال التكنولوجيا، إلا أن هناك عددا أقل من اللاعبين الذين يمكنهم نشر رأس مال جاد باستمرار عبر الدورة ونحن من بين القلائل في هذه المجموعة.”
وأوضح أنه بينما سيستمر الجزء الأكبر من استثمارات الصندوق في البرمجيات في الولايات المتحدة، فإنه ينظر عن كثب إلى الصين، حيث توجد قاعدة مستخدمين أكبر وتقييمات جذابة.
وقال إن “بعض شركات الأسهم الخاصة الأميركية الكبيرة التي تركز على التكنولوجيا والتي يدعمها جهاز قطر للاستثمار تستكشف أيضا رهانات برمجيات في البلاد”.
وفي عام 2021، أنشأ صندوق الثروة القطري مكتبا في سنغافورة لمنحه حق الوصول إلى بعض أكبر الشركات والمستثمرين في آسيا.
وأكد عبدالله الكواري رئيس قسم الاستشارات لآسيا والمحيط الهادئ في الصندوق أن الجهاز يخطط لتوسيع فريقه الإقليمي وتعيين موظفين كبار انتقائيين لتغطية أسواق مثل الصين والهند واليابان.
وقال إن الصندوق “يبحث عن صفقات في مجالات التكنولوجيا والصناعة والعقارات من بين قطاعات أخرى في آسيا”. وقاد الجهاز تمويلًا بقيمة 45 مليون دولار من السلسلة بي للتكنولوجيا الحيوية الصينية “علاجات أوريسيل” في فبراير.
كما التزم بما يصل إلى 1.5 مليار دولار في منصة بدأها جيمس مردوخ وعدي شانكار للاستثمار في أصول تكنولوجيا الإعلام والمستهلكين في جنوب شرق آسيا. وقال الكواري “بالنسبة إلى جهاز قطر للاستثمار، فإن رأس المال الذي يذهب إلى آسيا سيزداد في المستقبل”.
ولا يزال الجهاز أحد أكبر المستثمرين السياديين في أوروبا، حيث يمتلك حصصا في شركات تتراوح من شركة التعدين جلينكور إلى سلسلة سوبر ماركت جي سينسبري وشركة فولكسفاغن للسيارات.
وبينما يبحث الصندوق بشكل متزايد عن استثمارات المرحلة المبكرة في الشركات التي تدعم التكنولوجيا في أوروبا، فإنه سيواصل مساعدة ممتلكاته الممتازة في التعامل مع قضايا مثل تغير المناخ وتحول الطاقة، وسيكون جاهزًا لنشر رأس مال كبير إذا لزم الأمر.
وقال أحمد الحمادي كبير مسؤولي الاستثمار بالجهاز في أوروبا وتركيا وروسيا، والذي يشغل منصب عضو مجلس إدارة مطار هيثرو بلندن “يمكننا توظيف رأس المال بسرعة عندما يتم تقديم الاستثمار المناسب إلينا”. وأضاف “لا نخجل من قول لا. نقول لا أكثر مما نقول نعم عندما يتعلق الأمر بالاستثمارات”.
وفي العام الماضي، أصبح الصندوق مساهماً رئيسياً في شركة آر.دبليو.إي-أي.جي بحصة 9.09 في المئة. وأعطت الصفقة للمرافق الألمانية رأس مال كافيا لشراء ما قيمته 6.8 مليار دولار من أصول الطاقة المتجددة لشركة إديسون كونسوليدتيد.
ويطمح الجهاز إلى مكانة أكثر بروزًا في قصة النمو الاقتصادي لقطر نفسها خاصة بعد أن انتهت سنوات الإنفاق المكثف على استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم.
وتاريخيًا، كان دوره في الداخل يركز على التدخل في أوقات الأزمات مثل عام 2008 عندما ساعد في إنقاذ بعض البنوك في البلاد.
وفي الشهر الماضي، أطلق الجهاز برنامجًا لصناعة السوق بقيمة 274 مليون دولار لجذب اهتمام المستثمرين الأجانب وتعميق أسواق رأس المال في قطر.
وقال آل محمود “نريد بذل المزيد من الجهد لمساعدة الاقتصاد المحلي عندما يتعذر على القطاع الخاص التدخل”. وأضاف “دورنا هو دور التمكين، وسد الفجوات في الاقتصاد حيث لا يستطيع القطاع الخاص المنافسة ونحن لسنا هنا لمنافسة القطاع الخاص”.