استحداث دوريات إلكترونية أردنية يثير المخاوف على الحريات الصحافية

شكوك بقدرة الحكومة على ملاحقة ما تعتبره جرائم إلكترونية ما يجعل الملاحقة انتقائية.
الجمعة 2021/06/25
كل الأنشطة الإلكترونية مهددة بالقرار

أثار قرار استحداث وحدة الجرائم الإلكترونية في الأردن جدلا واسعا في الوسط الصحافي الأردني، إذ تنضم هذه الوحدة إلى مجموعة من القوانين التي يعتبرها الأردنيون مقيدة للحريات في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية.

عمان – أصدرت النيابة العامة الأردنية بالتنسيق مع وحدة الجرائم الإلكترونية في مديرية الأمن العام قرارا يقضي باستحداث دوريات إلكترونية لتعزيز مكافحة الجرائم الإلكترونية على مواقع الإنترنت المختلفة ومنها الإخبارية، في خطوة أثارت مخاوف الصحافيين والناشطين من تقييد الحريات وزيادة القيود على وسائل الإعلام.

وينص القرار على أن تقوم وحدة الجرائم الإلكترونية بدوريات إلكترونية بشكل دائم على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وفي حال تمّ الاشتباه بوجود منشور من شأنه أن يشكل جريمة تتم عملية المتابعة الفنية وتنظيم الضبط اللازم وتقديم إخبار للنيابة العامة لملاحقة صاحبه.

وتباينت الآراء حول عمل الدوريات الإلكترونية وقدرتها في الحد من الجرائم الإلكترونية، بينما اعتبر آخرون أن من شأنها تقييد الحريات وفرض المزيد من القيود غير المبررة على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.

صالح العرموطي: هل أصبح الرأي العام يشكل جريمة تستوجب العقاب
صالح العرموطي: هل أصبح الرأي العام يشكل جريمة تستوجب العقاب

واعتبر هؤلاء أن عمل الدوريات الإلكترونية سيصبح امتدادا لقوانين غامضة ومقيدة لحرية الإعلام والتعبير والرأي التي تُفرض وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية، وبمثابة انتهاك للخصوصية وتقييد لحرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور.

وقال عضو مجلس النواب صالح العرموطي إنه لا يجوز الحجر على عقل وفكر المواطن في دولة قانون ومؤسسات. وأضاف في تصريحات لإذاعة “حياة إف.إم” المحلية أن الدوريات الإلكترونية تتجسس على خصوصية وحياة المواطنين، متسائلا “هل أصبح الرأي العام يشكل جريمة تستوجب العقاب”.

وشدد على أن الإصلاح السياسي لا يمكن أن يكون دون ديمقراطية وحرية رأي وتعبير، وبيّنَ أنه لا يوجد تعريف للكراهية في التشريعات المعمول بها في الأردن، فيما التعريف الذي ورد في مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الذي قُدم منذ ثلاثة أعوام لمجلس النواب تم رفضه في حينها.

ونوه بأن الأردن تراجع بشكل كبير في ما يتعلق بالحريات العامة، وأن هذه القوانين ستزج بجميع الأردنيين في السجون.

وتم خلال الاجتماع الذي ضم رئيس النيابة العامة والنائب العام في عمان ومدَّعي عام عمَّان مع وحدة الجرائم الإلكترونية في مديرية الأمن العام، وضع أولويات لملاحقة المنشورات الإلكترونية التي تشكل جرائم إلكترونية مثل إثارة النعرات الدينية وخطابات الكراهية والمس بأمن الدولة الداخلي والخارجي والمس بالآداب والأخلاق العامة للمجتمع وذم الهيئات الرسمية والجرائم التي تأخذ طابع الرأي العام والجرائم التي تمس بالاقتصاد الوطني والاستثمار.

وخلصوا إلى أن أي جريمة ارتكبت باستخدام وسيلة إلكترونية كرسائل التهديد أو رسائل التنمر أو ما يتعلق بالسب أو التحقير وما يتعلق بأي جريمة ترتكب وفق التشريع الخاص فيها في قانون العقوبات العامة تعتبر جريمة إلكترونية، أو تستهدف وسيلة إلكترونية مثلا ما يتعلق بإرسال رسائل تدمر البيانات أو تدمر ما يتعلق بالأرقام المصرفية أو ما يتعلق بهذا الشأن سواء على وسيلة إلكترونية أو باستخدام وسيلة إلكترونية.

ويذهب خبراء إلى الدفاع عن الرؤية الحكومية بالقول إن الجرائم الإلكترونية تشكل خطورة على الدولة ومرافقها، أضعاف الجرائم التقليدية، وذلك لسهولة ارتكابها وصعوبة القبض على الفاعل في بعض الأحيان، الأمر الذي يشكل تحديا أمام الجهات الأمنية التي كانت منهمكة في متابعة الجرائم التقليدية على مدار الأعوام الماضية، بينما ظهرت أمامها الجرائم الإلكترونية وهي متعددة الأشكال وواسعة الانتشار. وقال الخبير القانوني الدكتور صخر الخصاونة إن عمل الدوريات الإلكترونية لا يعني الولوج ومراقبة المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي بل يتمركز عملها في التحسس واستشعار وقوع أي نوع من الجرائم الإلكترونية على المواقع الإلكترونية أو مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يتحدد عملها في الضبط الإداري لمنع وقوع الجرائم.

وفي حال وجود جريمة إلكترونية تُعلم مديرية الأمن العام النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات بأمر قضائي، لأن ما ينشر على مواقع الإنترنت محمي بموجب أحكام الدستور.

عمل الدوريات الإلكترونية سيصبح امتدادا لقوانين غامضة ومقيدة لحرية الإعلام والتعبير والرأي
عمل الدوريات الإلكترونية سيصبح امتدادا لقوانين غامضة ومقيدة لحرية الإعلام والتعبير والرأي

لكن المشكلة الأساسية في تفسير المصطلحات الفضفاضة في القرار التي لا يمكن أن تضع النقد وحرية الرأي والتعبير تحت مظلة الجرائم الإلكترونية، وهو ما يعتبر تكميما للأفواه، وعلى سبيل المثال يمكن بسهولة تجريم من يتناول أخطاء وحالات فساد في إحدى المؤسسات بذريعة ذم الهيئات الرسمية، ويمكن أيضا أن تندرج التحقيقات الصحافية الاستقصائية التي يتم نشرها على المواقع الإلكترونية ضمن هذه الجريمة.

وقال نضال منصور عضو مركز حماية وحرية الصحافيين إن “كل الحكومات الأردنية مدهشة في البحث عن أدوات لتقييد الحريات العامة”. وأضاف أن الحكومة تقدم تصورا لتقييد حرية التعبير في مواقع التواصل الاجتماعي في الوقت الذي يتم فيه تشكيل لجنة لتحديث المنظومة السياسية.

وتساءل “أي تحديث وإصلاح سياسي في ظل الدوريات الإلكترونية”. وبين أن الحكومة بأجهزتها لن تستطيع ملاحقة المحتوى الذي ينشر حول ما يعتبرونها أنها جرائم إلكترونية، لذا فإن الملاحقة ستصبح انتقائية.

وتتمثل المشكلة في مشروع الجرائم الإلكترونية بوضع مصطلح غير منضبط لخطاب الكراهية، ما يمكن الحكومة من خلاله التضييق على الحريات، وتجريم الصحافيين والمواطنيين.

نضال منصور: الحكومات الأردنية مدهشة في البحث عن أدوات لتقييد الحريات
نضال منصور: الحكومات الأردنية مدهشة في البحث عن أدوات لتقييد الحريات

واعتبر منصور أن “الحكومة تخرجنا من مطب وتدخلنا بآخر، أصبحنا دولة مستبدة ودون حريات، بسبب مراهقة سياسية من قبل بعض المسؤولين”.

واستغرب رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحافيين يحيى شقير عمل الدوريات الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي بذريعة حماية خصوصية الناس.

وأفاد شقير في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن جميع ما تم ذكره في بيان النيابة العامة من ملاحقة المنشورات الإلكترونية التي تشكل جرائم إلكترونية، وإثارة النعرات الدينية وخطابات الكراهية والمس بأمن الدولة الداخلي والخارجي والمس بالآداب والأخلاق العامة للمجتمع جميعها لا تتعلق بالمواطنين الأردنيين.

ولفت إلى أن الهدف من هذه الدوريات هو تكميم الأفواه وخطوة للتراجع إلى الخلف، واصفا إياه بمحاولة “غير موفقة” إن لم تكن فاشلة لتنظيم محتوى ما ينشر على منصات التواصل الاجتماعي.

وأوضح أن هذا الإجراء سيؤدي إلى تراجع ترتيب الأردن في مؤشرات حرية الصحافة والذي يقع في الثلث الأخير على سلم الحريات مقارنة ببقية الدول.

وتطرق مؤشر حرية الإعلام لعام 2020 في الأردن الذي أصدره مركز حماية وحرية الصحافيين، إلى البيئة التشريعية، فأكد أن التشريعات تحولت لأدوات تقييد وأزهقت الحقوق الدستورية وعصفت بها.

وذكر أن حزمة التشريعات المتعلقة بعمل وسائل الإعلام تتسم بعمومها بالتقييد، وكلما وجدت الحكومة مساحة تسمح للصحافة أن تمارس هامشا من الحرية عمدت إلى إغلاقه أو تشديد الحصار عليه.

وعلق المحامي ومدير هيئة الإعلام الأسبق محمد قطيشات على ذلك بالقول “قانون الجرائم الإلكترونية وخاصة المادة (11) يتعارض بشكل كبير مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وهناك العديد من النصوص القانونية الموزعة على قوانين حماية أسرار ووثائق الدولة وقانون العقوبات وقانون انتهاك حرمة المحاكم تتعارض بشكل كبير مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان”.

18