استجابة الحكومة المصرية لا تثني المحامين عن الإضراب

القاهرة - لم يفلح قرار وزير المالية المصري محمد معيط، بشأن تأجيل تطبيق ما يسمى بـ”الفاتورة الإلكترونية” على المحامين إلى أبريل المقبل، في امتصاص غضبهم ونزع فتيل أزمة أشعلها الإعلان عن تطبيقها في منتصف ديسمبر الجاري، حيث قرروا القيام بإضراب عن حضور المحاكمات الاثنين المقبل.
ويعتزم المئات من المحامين الذين تظاهروا أمام مقر نقابتهم وسط القاهرة الخميس زيادة أعدادهم للاحتشاد الخميس المقبل أمام مقر مجلس الدولة بالتزامن مع نظر محكمة القضاء الإداري في دعاوى تطالب بإلغاء قرار وزير المالية الذي يقضي بإخضاعهم لمنظومة الفاتورة الإلكترونية مع نقابتي المهندسين والأطباء، ومن يطلق عليهم اسم “أصحاب المهن الحرة”.
ورفع المحامون الخميس شعار “إلغاء لا إرجاء” للتأكيد على الإعفاء الكامل وليس التأجيل الذي يعتبرونه نوعا من “التسويف” ومحاولة لامتصاص الغضب بذريعة إجراء حوار مع أصحاب الاختصاص، ثم تعود وزارة المالية لتطبيق قرارها عندما تهدأ الأمور، ولذلك صمموا على عدم القبول بأنصاف الحلول.
قرار الحكومة المصرية تأجيل تطبيق ما يسمى بـ"الفاتورة الإلكترونية" إلى أبريل المقبل يفشل في نزع فتيل الأزمة
ورفض المحامون، الذين تظاهروا ثلاث مرات في غضون أسبوع واحد، البيان المتوازن الذي حوى موقف نقيب المحامين وأعضاء مجلس النقابة، بعد أن وجدوه يميل إلى الهدوء أكثر من اللازم ويحض على القبول بالتأجيل والدخول في حوار مع وزارة المالية بصفتها الجهة المعنية بالقضية التي تريد منها زيادة حصيلتها من الضرائب.
ورغم أن المحامين هم الذين يتصدرون المشهد الرافض لتطبيق الضريبة الإلكترونية، ترفض نقابات وجهات أخرى مدرجة أيضا قرار وزارة المالية، إلا أن صوتها لا يزال أقل حدة، وربما يتصاعد إثر رضوخ الحكومة لضغوط المحامين لتأكيد أن هناك رفضا جماعيا، من أجل منع وزارة المالية من التمادي في فرض رسوم جديدة.
وبدت الحكومة، ممثلة في وزارة المالية، مضطرة إلى الانحناء لعاصفة المحامين المفاجئة، فهذه أول مرة منذ نحو خمس سنوات يشهد فيها الشارع المصري تظاهرة يحضرها المئات، حيث منع قانون التظاهر أيّ تجمعات من هذا النوع، ونجح في تقويض النقابات التي يمكن أن تثير أزمة للحكومة أو تعترض على قراراتها.
وتأتي الخطورة من احتمال لجوء كل فئة في المجتمع إلى التعبير عن مطالبها، وتحتمي بنقابتها المنوط بها الدفاع عن مصالح الأعضاء المنتسبين إليها بشتى الطرق.
وجاء صوت المحامين مرتفعا لأن أعدادهم تصل إلى نحو 800 ألف عضو، ونقابتهم هي أكبر نقابة مهنية في مصر، ولن يستطيع أغلب الأعضاء تحمل دفع الفاتورة الإلكترونية التي تصل إلى نحو ألف دولار في العام.
وقد يكون تصعيد المحامين التظاهرات إلى إضراب الخميس المقبل نقطة تحول كبيرة في المشهد السياسي العام، ويعيد ذلك إلى أذهان المتابعين تظاهرات وإضرابات سابقة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث تحولت هذه الوسيلة إلى أداة للضغط السياسي على نظامه، وكلما استجابت الحكومة وقتها إلى مطلب قُدّم إليها آخر.
وتبدو المقارنة بين عهد مبارك وعهد الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي غير مستقيمة؛ فاستجابة الأول جاءت مع اتساع نطاق التظاهرات والإضرابات وعدم القدرة على امتصاص الغضب داخل النقابات والذي لعبت جماعة الإخوان دورا في تحريكه بحكم نشاطها الكبير من خلال سيطرة الكثير من أعضائها على عدد من النقابات المهنية.
كما أن الصورة مغايرة الآن، فنظام الرئيس السيسي لا يميل كثيرا إلى المساومات والمناورات مع المطالب الفئوية، وإذا قبلها تكون غالبا لفترة قصيرة ثم يعود إلى أجندته الرئيسية، فضلا عن أن الإخوان فقدوا هيمنتهم على العمل النقابي ولم يعد لهم دور في تحريك الموقف في الاتجاه الذي يمثل ضغطا قويا على النظام الحاكم.
وتأتي خطورة مشهد المحامين من عدم استبعاد تطور موقفهم من تلويح بالتظاهر إلى تظاهر فعلي في القاهرة وبعض المحافظات في الأقاليم، ثم الإعلان عن إضراب قريبا أمام المحاكم، بمعنى أن يقوم القضاة بعقد جلساتهم في غياب هيئة الدفاع عن المتهمين، ومن ثم لا أحد يعلم الخطوة التصعيدية اللاحقة إذا تمسك كل طرف بموقفه.
وأخطأت وزارة المالية حين اتخذت قرارها الخاص بالفاتورة الإلكترونية وحوى بين طياته استثناء أربع جهات تابعة لأجهزة أمنية، وأصدرته دون تشريع من قبل البرلمان، لأن الدستور لا يبيح اللجوء إلى هذه الطريقة في فرض الضرائب على من يطلق عليهم اسم “أصحاب المهن الحرة”.
ويقول مراقبون إن إقرار مقربين من الحكومة بأن تأجيل تطبيق القرار يهدف إلى تمكين البرلمان من القيام بدوره في صياغة تشريع ينظم العمل بالضريبة الجديدة محاولة غير صائبة، غرضها الاستثمار في عنصر الوقت، فالبرلمان لم يكن له دور مباشر في إصدارها، فلماذا يقوم بإجراء تكييف تشريعي؟
ويضيف المراقبون أن الحكومة المصرية لم تتعلم من أخطاء سابقة تتعلق بقرارات مخالفات البناء وفرض غرامات ثم اضطرارها تحت رفض المواطنين إلى تجميد قرارها، وفي كل مرة تظهر كأنها لم تدرس قرارها من جوانبه المختلفة، حيث يبدو أن ما يحكمها هو زيادة حصيلتها المالية بلا التفات إلى الثغرات.
وفي كل الأحوال قذف المحامون بحجر في المياه السياسية الراكدة، يحذر الحكومة من مغبة اتخاذ قرارات مهمة دون دراسة كافية لما سوف يترتب عليها من تبعات.
وإذا كانت تظاهرات المحامين جاءت منضبطة في المرات الثلاث السابقة فلا أحد يعلم المدى الذي يمكن أن تذهب إليه في ظل ما تمثله هذه الشريحة من عدد كبير في المجتمع، وما يمكن أن يمثله كسر “صنم” التظاهر من عواقب، في وقت تشهد فيه البلاد أزمة اقتصادية حادة ألحقت أضرارا بشرائح اجتماعية عديدة.