استثمارات إماراتية تحول السويس إلى قاعدة للهيدروجين الأخضر

الاستثمارات الإماراتية في مجال الطاقة النظيفة تقود إلى التعجيل في تحويل منطقة قناة السويس الحرة بمصر إلى قاعدة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، ما يدفع البلد ليصبح مركزا إقليميا لتجارتها في ظل سباق تشهده دول المنطقة العربية في هذا القطاع الواعد.
القاهرة - شهدت مصر، التي استضافت كوب 27 قبل سنتين، موجة من الإعلانات لإنتاج الهيدروجين الأخضر على نطاق واسع ركّز جلها على المنطقة الاقتصادية لقناة السويس التي تمتد من بورسعيد إلى خليج السويس.
وتعتمد المقترحات على موارد مصر الغنية من الطاقة الشمسية والرياح لتمكين التحليل الكهربائي، وتَعِدُ بصادرات الأمونيا وغيرها من مشتقات الهيدروجين. وأشادت الحكومة خلال كوب 27 بتوقيع ثماني اتفاقيات إطارية مع شركات شملت أكواباور والفنار ومصدر وسكاتيك وتوتال للطاقة.
واستمرت إعلانات الهيدروجين تتوالى، ووقّعت الجهات الحكومية والمنطقة الاقتصادية للقناة سبع مذكرات تفاهم مع مطورين خلال فبراير الماضي. وصدر في النهاية 30 إعلانا عن مشاريع واعدة.
ويرى الباحث في شؤون الطاقة ألان ماموسر والذي يكتب لمنصة “أويل برايس” الأميركية أنه من غير المرجح أن تتحقق كل هذه المشاريع حسب ما تدل عليه حالة الصناعة الناشئة، ولكن يبرز عدد قليل من المقترحات الأكثر واقعية.
وأوضح أنه يوجد عدد قليل من المشاريع جيدة التخطيط، وقد أطلقتها شركات رائدة في مجال الطاقة والبنية التحتية، وهي تتقدم من خلال مرحلة الجدوى التفصيلية مع تواصل مناقشة التمويل.
وتقود شركة إيميا للطاقة الإماراتية EMEA المنخرطة بالفعل في الطاقة المتجددة المصرية أحد المشاريع الرائدة التي تجب متابعتها. وتحظى الشركة بخبرة واسعة في تطوير الطاقة المتجددة في جميع أنحاء أفريقيا وآسيا الوسطى، وهي تعرف مصر جيدا.
وتعمل اليوم على بناء محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية بقدرة 500 ميغاواط في محافظة أسوان جنوب مصر، ومزرعة رياح بقدرة 500 ميغاواط في رأس غارب بمحافظة البحر الأحمر.
وتحول إيميا للطاقة الآن تجربتها إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر. وجاء الإعلان عن المشروع خلال كوب 27، وسيشمل بناء مصنع لإنتاج المحلل الكهربائي والأمونيا بقدرة 500 ميغاواط في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بالقرب من العين السخنة. ومن المتوقع أن تبلغ طاقة إنتاج الأمونيا 1200 طن يوميا بإنتاج سنوي يصل إلى 350 ألف طن.
وتُؤمن مواقع إنتاج الطاقة الأولية في مناطق غرب أسوان وغرب النيل لمحطة الطاقة الشمسية الكهروضوئية قدرة 550 ميغاواط، ومحطة طاقة الرياح قدرة 700 ميغاواط، وتخزين البطاريات بنحو 500 ميغاواط ساعة.
وسينتج التكامل الطاقة الأساسية المخصصة لمصنع التحليل الكهربائي القلوي ومصنع الأمونيا. وستكون منفصلة عن مشاريع الشركة المصرية الأخرى.
ويقترب المشروع الآن من مرحلة خطة الهندسة التفصيلية المسبقة، حيث أجرت وورلي دراسة جدوى مفصلة له. ومن المأمول أن يُتخذ قرار التنفيذ في الربع الأخير من 2025، مع بدء التشغيل التجاري في الربع الأخير من 2028.
وقال حسين مطر، الرئيس التنفيذي لشركة إيميا للطاقة: “نتحدث عن مشروع بقيمة 2.3 مليار دولار تساهم فيه البنوك منذ البداية. وكان البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يتشاور مع الحكومة المصرية خلال العملية”.
500
ميغاواط قدرة محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية يتم العمل على بنائها في محافظة أسوان جنوب مصر
وأضاف: “عندما تسألنا لماذا اخترنا مصر، سنجيب بأننا رأينا بطلا مثل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يوجه ويوفر البنية التحتية اللازمة التي ستسمح لشركة خاصة مثل إيميا للطاقة بالدخول والاستثمار في مشروع كبير”. وتابع رئيس فريق الهيدروجين الأخضر للشركة في مصر: “نتحدث مع البنوك الآن. وسنكون خلال المرحلة القادمة في وضع يسمح لنا بمتابعة التمويل بجدية”.
واستطرد قائلا: “نعرف أفضل البنوك التي يمكن التعامل معها في مشروع كهذا، وهي مؤسسات تمويل التنمية مثل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، الذي يعرف هذا المشروع جيدا.
وكلفت إيميا شركة الشهادات النرويجية “دي إن في” التي أجرت لها دراسة كاملة حول شهادة الهيدروجين الأخضر كجزء من دراسة الجدوى التفصيلية، ودققت في اللوائح ذات الصلة بالمشروع بما في ذلك المتعلقة بالدول الأوروبية والآسيوية.
وأشار مطر إلى أن الشركة تدرس حجم الطلب في أوروبا وآسيا، وتتحاور مع المهتمين المحتملين. وقال: “نسعى إلى الحصرية، ونتحدث إلى الكثير من الأطراف، ولم نُوقّع على أي شيء بعد”.
وشملت الاتفاقيات الإطارية الموقعة قبل سنتين الصندوق السيادي المصري، والشركة المصرية لنقل الكهرباء، وهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس لتنفيذ المشاريع.
وتعرف إيميا للطاقة هذه الأطراف جيدا، بعد أن عملت معها لتطوير مشاريعها الكبيرة في الطاقة البديلة. وباتت الآن في وضع يمكنها من الاستفادة من الحوافز الضريبية للهيدروجين الأخضر التي فوضها قانون جديد هذا العام، بما في ذلك الإعفاءات وخفض الرسوم.
وقال مطر: “نعرف مصر. كان هذا خيارا طبيعيا لنا. إن أكبر مشروع لطاقة الرياح في أفريقيا هو المشروع الذي نعمل على تطويره الآن. ويحظى بأدنى تعريفة في أفريقيا، بما يزيد قليلا عن 3.1 سنت لكل كيلوواط ساعة.
وتابع: “لقد وضعنا أول توربينات رياح في مصر قبل بضعة أيام، تصل طاقتها إلى 6.5 ميغاواط، ويبلغ طولها 100 متر، وقطرها 180 مترا. إن التوربين في رأس غارب رائع”.
ويرى مطر مزايا في خبرة الشركة العميقة في تطوير الطاقة المتجددة التي تشمل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على نطاق المرافق، وتخزين البطاريات والبنية التحتية للنقل وغير ذلك. وأضاف: “لا نعرف التحليل ولكننا سننتج الكهرباء، وهذا هو الجزء الأكثر تعقيدا”.
وتعمل الشركة مع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لتطوير الخدمات المشتركة بما في ذلك محطة لتحلية المياه.
وأبرمت شركة أكواباور السعودية لتطوير المياه والكهرباء اتفاقا مع الحكومة المصرية في أواخر 2023 لتطوير منشأة للأمونيا الخضراء بقيمة 4 مليارات دولار، مع خطط لإنتاج 600 ألف طن سنويا في المرحلة الأولى، لتصل إلى مليوني طن.
ودخلت توتال أنيرجيز وشركة إنارة كابيتال المصرية للاستثمار في شراكة لاستكشاف الإنتاج في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بدءا من قدرة متواضعة لإنتاج 30 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنويا.
وتعد شركة أبوظبي للطاقة النظيفة (مصدر) جزءا من ائتلاف مع مشروعها المصري المشترك إنفينيتي باور وشركة مرافق حسن علام لبناء نظام إنتاج الهيدروجين الأخضر بقدرة 2 جيغاواط في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وتقود شركة سكاتيكز النرويجية للطاقة المتجددة تطوير مشروع بقدرة تحليل كهربائي تبلغ 100 ميغاواط لإنتاج الأمونيا الخضراء لمنشأة قريبة من وحدة تابعة لأدنوك.
كما يهدف المشروع المشترك بين سكاتيكز والمقاول المصري أوراسكوم كونستركشن إلى توفير وقود لسفن للشحن على طريق التجارة القريب.
وأعلنت القاهرة الخريف الماضي أن شركة الهندسة البحرية البلجيكية ديمي تقود مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر بقيمة 3 مليارات دولار في ميناء جرجوب الجديد على البحر المتوسط.
وقال مطر: “نريد أن نرى المزيد من المشاريع في البلاد. يوجد ما يكفي من الأراضي، ونأمل أن يكون الجميع جادا بالمقابل لنقل كل هذا إلى المستوى التالي من التخطيط”.
وأضاف: “كلما كان اللاعبون أكثر جدية كلّما كان ذلك أفضل للجميع، لأنهم سيكونون طرفا في محطات تحلية المياه وخطوط النقل الكبيرة التي نؤسسها مع الحكومة”..