ازدواجية المواقف الإيرانية.. هل تنقذها من رد إسرائيلي قوي

الإيرانيون يبحثون عن سُبل منع اتساع الصراع كي لا يصل إلى بلادهم ويقف عند حدود تفكيك أذرعهم في لبنان واليمن وسوريا والعراق.
الأحد 2024/10/20
جولات عراقجي لم تبدد غموض الموقف الإيراني

طهران- بين توجيه انتقادات شديدة وتهديدات لإسرائيل وخوض مشاورات دبلوماسية مكثفة لتفادي المزيد من التصعيد، يبدو نهج إيران متناقضا بين التلويح بالرد العسكري القوي وتهديد الخليجيين من جهة، ومن جهة أخرى البحث عن وساطات إقليمية وإرسال رسائل بالرغبة في التهدئة، في وقت توعدت فيه الدولة العبرية برد قوي على الهجوم الصاروخي الإيراني الذي استهدفها في مطلع الشهر.

أطلقت إيران يومها حوالي مئتي صاروخ على إسرائيل، ردّا على الضربات الإسرائيلية على لبنان التي أودت في نهاية سبتمبر بالجنرال الإيراني في الحرس الثوري عباس نيلفوروشان والأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله.

وأكّدت إيران أيضا أن الهدف من الضربة الثأر لمقتل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران في عملية نسبتها إلى إسرائيل.

محمد باقري: ينبغي على العدوّ الصهيوني أن يعرف أنه يقترب من نهاية حياته البائسة
محمد باقري: ينبغي على العدوّ الصهيوني أن يعرف أنه يقترب من نهاية حياته البائسة

ونبّه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إلى أن الردّ الإسرائيلي على الضربات الإيرانية سيكون “قاتلا ومحدّدا ومفاجئا”.

وقال الجنرال حسين سلامي القائد العام للحرس الثوري الإيراني المكلّف بالدفاع عن جمهورية إيران الإسلامية “إذا ما أخطأتم وهاجمتم أهدافنا، سواء في المنطقة أو في إيران، سنضربكم مجددا ضربا أليما”.

وأشار الجنرال محمد باقري رئيس هيئة أركان القوّات المسلّحة الإيرانية إلى أنه “ينبغي على العدوّ الصهيوني أن يعرف أنه يقترب من نهاية حياته البائسة”، واصفا إسرائيل بـ“الورم السرطاني”.

ولا تعترف إيران بدولة إسرائيل وتضع القضية الفلسطينية في صلب سياستها الخارجية منذ الثورة الإسلامية في 1979. في المقابل، يخوض وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي حملة دبلوماسية مكثّفة لدعم موقف بلده.

وزار خلال أسبوعين تسع عواصم وأجرى الثلاثاء مكالمة هاتفية مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

واعتبر الخبير السياسي الإيراني أحمد زيد عبادي المتخصّص في العلاقات الدولية والمقيم في طهران في تصريحات لوكالة فرانس برس أنه “لا يمكن القول إن هذه المواقف متضاربة”، مشيرا إلى أن عراقجي “نفسه يكرر تصريحات العسكريين” ومفادها أنه في حال شنّت إسرائيل هجوما، فإن “ردّ إيران سيكون موجعا”.

وأكّد وزير الخارجية الإيراني أن إيران “مستعدّة بالكامل للحرب”.

وبحسب الخبير السياسي، تقوم مهمّة وزير الخارجية على “خفض التصعيد” وتقضي المسألة بمعرفة “الآلية المختارة” لهذا الغرض.

ولا تعكس الازدواجية في إطلاق الرسائل قدرة على المناورة، كما كان يقال عادة عند توصيف التعاطي الإيراني مع ملفات المنطقة. فهذه المرة الصورة مختلفة؛ حيث يطلق المسؤولون الإيرانيون التهديدات وهم في موقف ضعيف بعد الخسائر التي لحقت بحزب الله، وهو الذراع الأهم بالنسبة إلى طهران وورقة التفاوض الرئيسية مع واشنطن. وإيران نفسها قد تتعرض لضربات إسرائيلية قوية كرد على هجومها الأخير الذي أطلقت خلاله قرابة مئتي صاروخ على إسرائيل.

◄ نهج إيران يبدو متناقضا بين التلويح بالرد العسكري القوي، والبحث عن وساطات إقليمية وإرسال رسائل بالرغبة في التهدئة

ورغم إدراكهم استحالة التوصل إلى تهدئة يبحث الإيرانيون عن سُبل منع اتساع الصراع كي لا يصل إلى بلادهم ويقف عند حدود تفكيك أذرعهم في لبنان واليمن وسوريا والعراق.

وبعد أسبوع من مقتل نصرالله في بيروت، زار عباس عراقجي لبنان في أوّل زيارة له بعد الهجمات الصاروخية التي شنّتها إيران على إسرائيل.

وانتقل من لبنان إلى سوريا التي تؤدّي دورا إستراتيجيا في تزويد حزب الله المدعوم عسكريا وماليا من إيران بالأسلحة.

وشكّلت الزيارتان فرصة “لإعادة التأكيد على دعم إيران لحلفائها في محور المقاومة”، بحسب الخبير السياسي الإيراني حميد رضى عزيزي المقيم في برلين والمتعاون مع المعهد المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط “Middle East Council”.

وفي دليل على دعم إيران الثابت، نُشر مقطع مصوّر لرئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف الذي سافر إلى لبنان لنقل رسالة من المرشد الأعلى، وهو يقود الطائرة التي تقلّه إلى بيروت بالرغم من الضربات التي تشنّها إسرائيل يوميا. ويضمّ “محور المقاومة” حركة حماس وحزب الله اللبناني وجماعة الحوثيين اليمنية وميليشيات عراقية، وكلّها محسوبة على إيران ومناوئة لإسرائيل.

وكتبت صحيفة “إيران” الرسمية أن “وزير الخارجية يسعى بإلحاح إلى التقريب بين سياسة إيران والدول العربية” وإلى “الحدّ من التهوّر العسكري للقادة الإسرائيليين”، معتبرة أن “هذه الجهود الدبلوماسية ترمي إلى إحلال السلام وإنهاء جرائم إسرائيل”.

أحمد زيد عبادي: تقوم مهمّة وزير الخارجية على خفض التصعيد وتقضي المسألة بمعرفة الآلية المختارة لهذا الغرض
أحمد زيد عبادي: تقوم مهمّة وزير الخارجية على خفض التصعيد وتقضي المسألة بمعرفة الآلية المختارة لهذا الغرض

وكان لوزير الخارجية الإيراني محطة في السعودية التي شهدت علاقتها بإيران تحسّنا ملحوظا العام الماضي، فضلا عن قطر والعراق وعمان التي تضطلع عادة بدور الوسيط في المحادثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة.

وفي جولة عراقجي الخليجية ظهرت الازدواجية الإيرانية بشكل أكبر حين وجه هو رسائل إيجابية فيما لوحت “مصادر” في طهران بالتهديد والوعيد.

وما يثير الاستغراب أن التهديد الإيراني، الذي نسب إلى مسؤول كبير دون ذكر اسمه، يشمل دول الخليج دفعة واحدة ولا يفرق بين الدولة التي ستعبر عبرها الطائرات أو التي لم تمر عبر مجالها الجوي أو تلك التي لم تسمح بذلك، ولماذا تسعى طهران إلى تحميل جيرانها تبعات أجندتها الإقليمية وتسليحها الحلفاء ودفعهم إلى الاشتباك مع إسرائيل، بدلا من تحمل مسؤوليتها في الدفاع عن نفسها وحماية حلفائها عوض التفرج عليهم كما حصل في غزة ويحصل في لبنان.

وذكر مسؤول إيراني كبير لرويترز أن طهران أبلغت دول الخليج بأنه سيكون “من غير المقبول” أن تسمح باستخدام مجالها الجوي أو قواعد عسكرية ضد بلاده، وأن أيّ تحرك من هذا القبيل سيستدعي ردا.

وحطّ عراقجي في الأردن الذي تربطه علاقات معقدّة بإيران، فمصر التي لم يزرها وزير خارجية إيراني منذ العام 2013. وقام عراقجي الجمعة بزيارة تركيا.

وبعد سنوات من التقارب بين إسرائيل وعدّة عواصم عربية، “ترغب إيران في أن تبتعد البلدان العربية عن محور إسرائيل”، وفق الخبير أحمد زيد عبادي.

5