ازدهار صفقات الاستحواذ الخليجية في أوروبا رغم الصعوبات

24 مليار دولار قيمة الأصول التي اشترتها شركات من المنطقة خلال 2024.
السبت 2024/07/27
بيئة أعمال أكثر من محفزة

رصد المحللون زخما كبيرا لازدهار صفقات الاستحواذ الخليجية في أوروبا مدفوعا بتعطش الشركات إلى تعزيز أعمالها خارجيا رغم الصعوبات، بما يوفر لها نموا مستداما في الإيرادات والأرباح، وفي الوقت ذاته دعم التعاون في قطاعات تبدو مهمة للعالم.

دبي - في الآونة الأخيرة يبرز توجه تصاعدي نحو إبرام الصفقات بين منطقة الخليج العربي وأوروبا، في وقت ينصب فيه اهتمام شركة أدنوك الإماراتية على الاستحواذ على شركة كوفيسترو الألمانية لصناعة الكيماويات مقابل 11.7 مليار يورو (12.74 مليار دولار).

وقد تصبح هذه الصفقة المحتملة للشركة المملوكة لحكومة أبوظبي، التي تسعى لترسيخ أقدامها في الخارج ومنافسة جارتها في المنطقة شركة أرامكو السعودية، أكبر استحواذ في أوروبا يقوم به مشتر من الشرق الأوسط منذ 16 عاما على الأقل.

وأشارت شركة ديلوجيك إلى أن هناك عمليات استحواذ على أصول أوروبية، أُعلن عنها أو اكتملت، بقيمة تزيد عن 24 مليار دولار حتى الآن هذا العام نفذها مشترون من الشرق الأوسط.

وهذا الرقم هو الأكبر منذ عام 2008 على الأقل وهو أعلى بنسبة 74 في المئة من المتوسط في السنوات العشر الماضية، كما أنه أكبر من 4.9 مليار دولار فقط في الفترة نفسها من العام الماضي.

ويؤكد مستشارون ومحللون أن المستثمرين الخليجيين ينجذبون إلى أوروبا بسبب تقييمات الشركات التي تقل عن تلك الموجودة في الولايات المتحدة، والظروف الأفضل فيما يتعلق بالتنظيم بالنسبة إلى المشترين من المنطقة، وهو ما يجعل احتياجات الاستثمار أكثر يسرا.

ديفيد مارتن: المستثمرون الإستراتيجيون أكثر ثقة بالاستثمار في أوروبا
ديفيد مارتن: المستثمرون الإستراتيجيون أكثر ثقة بالاستثمار في أوروبا

وقال ديفيد مارتن، الشريك في شركة لينكليترز الذي ساعد على إنشاء مكتب الشركة القانونية في أبوظبي، لرويترز “أصبح المستثمرون الإستراتيجيون في الشرق الأوسط الآن أكثر ثقة بالاستثمار في أوروبا”.

وأضاف “هناك حاجة في أوروبا، وخاصة في بعض مشاريع البنية التحتية الضخمة، إلى مستثمرين أثرياء”.

وقال ميغيل أزيفيدو، نائب رئيس الخدمات المصرفية الاستثمارية في مجموعة سيتي غروب لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، إن “المستثمرين من المنطقة يحملون معهم أيضا خبراتهم إلى مثل هذه المشاريع”.

وأضاف “الإمارات لديها إستراتيجية واضحة جدا لإنشاء رواد عالميين في الصناعات التي تعرفها جيدا وتحقق أداء جيدا فيها، ولديها الخبرة والرؤية ورأس المال اللازم لتحقيق هذا”.

وأوضح أزيفيدو أن البلد الخليجي مدفوع دفعا قويا بالأعمال التجارية، وينظر إليه “نظرة إيجابية على الصعيد السياسي”.

وتشير بيانات مجموعة بورصات لندن (أل.أس.إي.جي) إلى أن تقييمات أسواق الأسهم الأوروبية قياسا على معدل السعر إلى الأرباح، انخفضت في السنوات الأخيرة مقارنة بالوضع في السابق ومقارنة بالسوق الأميركية.

ويرى دييغو لوبيز، المدير الإداري في مؤسسة غلوبال أس.دبليو.أف لتتبع صناديق الثروة، أن “التقييمات الجذابة وانخفاض التدقيق الاستثماري والمخاطر الجيوسياسية هي أسباب وجيهة للمستثمرين (من دول الخليج)”. وأشار إلى تركيزهم على أصول البنية التحتية والطاقة.

وذكرت تقارير أنه في الجانب الآخر من المحيط الأطلسي عرقلت لجنة الاستثمار الأجنبي الأميركية، التي تراجع التداعيات الأمنية الوطنية للاستثمارات الأجنبية، امتلاك أطراف من الشرق الأوسط أصولا معينة.

وذكرت وكالة بلومبيرغ في نوفمبر الماضي أن إدارة الرئيس جو بايدن أجبرت شركة رأس مال استثماري مدعومة من أرامكو على بيع أسهمها في شركة ناشئة بوادي السيليكون تعمل في مجال الرقائق ويدعمها سام ألتمان، المؤسس المشارك في شركة أوبن أي.آي.

مستشارون ومحللون يؤكدون أن المستثمرين الخليجيين ينجذبون إلى أوروبا بسبب تقييمات الشركات التي تقل عن تلك الموجودة في الولايات المتحدة

وفي أوروبا تخضع الصفقات عبر الحدود لتدقيق من كل دولة، على الرغم من أن المفوضية الأوروبية تسعى إلى تحقيق قدر أكبر من التنسيق في الرقابة.

وقال لوبيز إن “التدقيق أخف عموما مما هو عليه في الولايات المتحدة”. وأضاف “أنشأت بعض دول الاتحاد الأوروبي هيئات وطنية تشبه لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة لكنها أكثر تساهلا بشكل عام”.

لكن الأمر ليس سهلا بالمرة، فقد انهارت في الشهر الماضي محادثات بين شركة طاقة في أبوظبي وأكبر مساهم في شركة ناتورجي حول استحواذ مقترح على شركة الطاقة الإسبانية التي تبلغ قيمتها 22 مليار دولار.

ويرجع هذا الانهيار جزئيا إلى خلافات حول الحوكمة في المستقبل، وفقا لأشخاص لديهم معرفة مباشرة بالمناقشات.

ورفضت التعليق شركة كريتيريا حاملة الأسهم وشركة أبوظبي الوطنية للطاقة المدعومة من الدولة وشركة ناتورجي.

وقد تكون المخاوف التنظيمية أهون في أوروبا مقارنة بالولايات المتحدة، لكن الشركات التي تسعى إلى إقامة شراكات في الاتحاد الأوروبي تواجه أيضا عقبات سياسية.

وأعلنت الحكومة الإسبانية معارضتها لاستحواذ شركة الاتصالات السعودية (أس.تي.سي) على حصة في شركة تليفونيكا.

دييغو لوبيز: التقييمات الجذابة وانخفاض التدقيق والمخاطر أسباب وجيهة
دييغو لوبيز: التقييمات الجذابة وانخفاض التدقيق والمخاطر أسباب وجيهة

وما زال يتعين على شركة الاتصالات السعودية تحويل جزء من حصتها، التي تتكون من 4.9 في المئة في شكل أسهم وأدوات مالية تمنحها خمسة في المئة أخرى، إلى أسهم تصويتية، وهو ما يتطلب موافقة الحكومة.

ولم تصدر مدريد أي بيان معلن بشأن هذا التحويل لكنها استثمرت نحو 2.3 مليار يورو لشراء 10 في المئة في المجموعة من أجل موازنة استحواذ شركة الاتصالات السعودية.

وفي بريطانيا لم يوافق المسؤولون على استحواذ شركة الاتصالات الإماراتية (إي آند) على 14.6 في المئة في فودافون، إلا بعد أن أمروا مجموعة الاتصالات البريطانية باتخاذ خطوات لمعالجة مخاطر الأمن القومي التي قالوا إن الصفقة قد تنطوي عليها.

ومنعت بريطانيا أيضا في نهاية المطاف خطة استحواذ مجموعة مدعومة من أبوظبي على صحيفة التلغراف البريطانية.

وتستغرق عمليات الربط وقتا أيضا. فقد بدأت محادثات أدنوك مع كوفيسترو منذ أكثر من عام، وفي النمسا تجري منذ عام مناقشات بين أدنوك ومجموعة النفط والغاز أو.أم.في لإنشاء شركة عملاقة للمواد الكيميائية بمبيعات سنوية مجمعة تزيد على 20 مليار دولار.

وقال مارتن إن “بعض الصفقات تستغرق وقتا أطول لإتمامها بسبب قوانين مكافحة الاحتكار وزيادة التدقيق في المستثمرين الأجانب”.

وأضاف “في بعض القطاعات الإستراتيجية من المرجح أن يخضع للتدقيق والفحص أي مستثمر من خارج أوروبا يقوم باستثمارات مادية في أحد الأصول الأوروبية. وهذا يضيف مستويات من التدقيق والتعقيد”.

11