ازدهار أرباح قطاع الأعمال في روسيا يكسر خناق الحظر

أكدت أحدث المؤشرات أن كبار المستثمرين ورجال الأعمال الروس تمكنوا من تجنب خناق العقوبات الغربية حينما ازدهرت أرباحهم بشكل كبير خلال آخر 15 شهرا، ما يعتبر دليلا آخر على قدرتهم على التصدي لتداعيات حرب بلدهم مع أوكرانيا منذ أكثر من عامين.
موسكو- أخفقت الحكومات الغربية في عزل الاقتصاد الروسي عن العالم منذ اندلاع الحرب في شرق أوروبا قبل أكثر من عامين، وهو ما أثبتته نتائج أعمال الشركات التي يبدو أنها حققت إيرادات قوية عكستها الأرباح الكبيرة.
وجنى أباطرة الأعمال في روسيا أرباحا هائلة، كما تشير إلى ذلك الإحصائيات، بعدما استأنفت شركاتهم توزيعات الأرباح أو عززتها، وسط انحسار الشكوك الاقتصادية الناجمة عن الحرب التي لا يبدو أنها ستتوقف في وقت قريب.
وبحسب بيانات توزيعات الأرباح التي جمعتها وكالة بلومبيرغ من معلومات معلنة، حصد عشرة رجال أعمال روس على الأقل أكثر من تريليون روبل (11.3 مليار دولار) خلال العام الماضي وفي الربع الأول من 2024.
ويتمتع العديد من هؤلاء المليارديرات بروابط وثيقة مع الرئيس فلاديمير بوتين، بمن فيهم بعض الذين فُرضت عليهم عقوبات بسبب الحرب التي دخلت عامها الثالث.
وتعطي هذه الأرقام لمحة عن ضعف تأثير الحظر الاقتصادي الغربي على بيئة الأعمال في البلد العضو البارز في تحالف أوبك+ مع السعودية، مع قيام بروكسل وواشنطن بسد الكثير من المنافذ التمويلية والتجارية على الشركات الروسية.
وتصدر فاغيت أليكبيروف، المساهم الرئيسي والرئيس السابق لعملاق النفط لوك أويل القائمة بتوزيعات أرباح تقدر بحوالي 186 مليار روبل (أكثر من ملياري دولار). وعلى الرغم من العقوبات البريطانية والأسترالية المفروضة عليه، إلا أن أليكبيروف تجنب حتى الآن العقوبات الأميركية والأوروبية.
وجاء رجل الأعمال أليكسي مورداشوف من شركة سفرستال للصلب والتعدين، الخاضعة لعقوبات أميركية وبريطانية وأوروبية في المركز الثاني بتوزيعات أرباح قدرها 1.65 مليار دولار.
أما الملياردير فلاديمير ليسين من شركة نوفوليبيتسك ستيل للصناعات التعدينية، الذي لم يعان من أيّ قيود غربية رئيسية، فحلّ ثالثا في القائمة بتوزيعات أرباح بلغت 1.35 مليار دولار.
وتشمل القائمة كذلك حليف بوتين، الملياردير غينادي تيمشينكو، وتاتيانا ليتفينينكو، التي حصلت على حصة في شركة الكيماويات والأسمدة فوس أغرو قبل فرض عقوبات أميركية على زوجها فلاديمير ليتفينينكو في 2023.
ويشغل فلاديمير ليتفينينكو منصب رئيس جامعة سانت بطرسبرغ للتعدين، وهي التي حصل بوتين على درجة الدكتوراه منها في العام 1997، كما كان ليتفينينكو مدير حملته الانتخابية في سانت بطرسبرغ على مدار ثلاثة انتخابات.
وفرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات شاملة على موسكو ردا على حربها ضد أوكرانيا في فبراير 2022، وهو ما دفع شركات عديدة إلى وقف توزيعات الأرباح وسط انعدام اليقين بشأن الانهيار الاقتصادي المحتمل. لكن هذه المخاوف لم تتحقق وسط تأقلم الاقتصاد الروسي تدريجيا مع الظروف الجديدة، وعثور المصدرين على أسواق بديلة.
وانتعش الاقتصاد الروسي بوتيرة ملحوظة بعد انكماشه في العام الذي أعقب بدء الحرب، وأنفقت الحكومة بشكل كبير لتعزيز قطاع الدفاع، وحماية الشركات المحلية من تأثير العقوبات مع تقديم دعم اجتماعي للأسر.
ونما الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 5.4 في المئة خلال الربع الأول من 2024 على أساس سنوي. ومن المتوقع أن يواصل وتيرة النمو بفضل عوائد الغاز والنفط رغم تحفظ بعض المحللين.
وعلاوة على ذلك، استأنف العديد من مصدري السلع الأساسية توزيعات الأرباح بعد إعادة تشكيل أعمالهم التجارية وتوجيه مبيعاتهم نحو أسواق الصين والهند ودول الجنوب العالمي الأخرى التي لم تفرض عقوبات ضد روسيا بسبب حربها على أوكرانيا.
ولم تتوقف العديد من الشركات المملوكة للدولة، مثل شركة غازبروم، وأكبر بنك في روسيا سبيربنك عن دفع توزيعات الأرباح نظرا لتحقيقها أرباحا قياسية خلال الحرب. ووافق مساهمو سبيربنك الشهر الماضي على توزيعات أرباح قياسية قدرها حوالي 8.4 مليار دولار لعام 2023.
ومع ذلك، ربما يواجه الاقتصاد الروسي تحديات كبيرة في النصف الثاني من العام الجاري وخلال 2025، مما قد يدفع الحكومة لرفع الضرائب، وفقا لكريس ويفر، الرئيس التنفيذي لشركة ماكرو أدفيزوري.
10
مليارديرات روس على الأقل حصلوا على أرباح بنحو 11.3 مليار دولار منذ 2023
ونسبت بلومبيرغ إلى ويفر قوله إن العديد من أصحاب الأعمال “يفضلون سحب الأموال الآن بدلا من المخاطرة بفقدانها بسبب الضرائب العام المقبل”. كما أفاد بأن الشركات تواجه صعوبات متزايدة في سداد المدفوعات، مما قد يؤدي إلى نقص المكونات الصناعية والسلع الاستهلاكية.
ويأتي ذلك بعد أن كثفت واشنطن تهديداتها بفرض عقوبات ثانوية على البنوك في البلدان، التي تعتبرها روسيا “صديقة” لها. وخلال الشهر الماضي اضطرت بورصة موسكو إلى تعليق التداول بالدولار واليورو بسبب العقوبات الأميركية.
وكانت وزارة المالية الروسية قد رفعت تقديراتها لعجز الميزانية الحالية إلى 2.12 تريليون روبل (23 مليار دولار)، أو ما يعادل 1.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كانت 1.595 تريليون روبل.
وربما يرفع البنك المركزي الروسي سعر الفائدة بنحو اثنين في المئة نهاية هذا الشهر ليبلغ 18 في المئة، وسط ارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من ضعف الهدف البالغ 4 في المئة.
ويواجه كبار رجال الأعمال الروس مشكلة أخرى تتعلق بمكان استثمار توزيعات أرباحهم بعدما أجبرت العقوبات الكثيرين على التوجه نحو السوق المحلية. في الوقت نفسه، استثمر مستثمرو القطاع الخاص 1.3 مليار دولار في بورصة موسكو خلال مايو الماضي، وهو رقم قياسي شهري حتى الآن في 2024.
وبحسب البنك المركزي، قفزت الاستثمارات في الصناعات الروسية بنسبة 14.5 في المئة على أساس سنوي في الربع الأول من العام لتسجل مستوى قياسيا بلغ نحو 6 تريليون روبل (68.3 مليار دولار). ومع ذلك، لا تزال الفرص المحلية محدودة.
وقال ويفر إن “أباطرة الأعمال لديهم شكوك تجاه ضخ استثمارات كبيرة في الوقت الراهن”، خاصة في ظل إمكانية حصولهم على أسعار فائدة مرتفعة من البنوك الروسية على الودائع بالروبل، وبالتالي فإن “الخيار الحكيم بالنسبة إلى الأغلبية هو الانتظار”.