ازدراء الأديان.. تهمة جديدة تلاحق معارضين سياسيين في مصر

إحالة ناشط بارز على التحقيق بسبب ديوان شعر.
الجمعة 2024/10/11
أحمد دومة لم يهنأ بحريته.. والسبب "كيرلي"

يتهم حقوقيون الحكومة المصرية بتحويل تهمة ازدراء الأديان إلى أداة عقابية ذات منحى سياسي ضد منتقديها، مشيرين إلى أن الحكومة تستند في ذلك إلى التركيبة المطاطة لنص قانون العقوبات، والذي يفسح المجال لأيّ شخص أن يستهدف صاحب رأي حر ببلاغات كيدية.

القاهرة- أثار قرار النيابة العامة المصرية بالتحقيق في اتهام الناشط أحمد دومة بازدراء الأديان جدلا سياسيا وحقوقيا واسعين، واتهامات مبطنة للحكومة بأنها تستهدف من وراء الخطوة معاودة حبس الشاب دومة مرة أخرى، أو محاولة إسكاته عبر ترهيبه بتهمة تقوده إلى السجن.

وكلّف النائب العام في مصر محمد شوقي قبل أيام بفتح تحقيق في بلاغات مقدمة ضد أحمد دومة، بتهمة تضمن ديوانه الشعري “كيرلي”، الذي أعيد إصداره مؤخرا، عبارات تحمل ازدراء للأديان، مع تخويل لجنة من المختصين في الأزهر بفحص العبارات الواردة في الديوان.

وتمهد الاستعانة برأي الأزهر في قضية دومة إلى إمكانية حبسه، حيث تسبب جمود المؤسسة الدينية في وضع مفكرين وكتاب خلف أسوار السجن، وكلما استطلعت المحاكم رأي الأزهر يسارع بإثبات تهمة الازدراء ليصدر القضاء حكما بحبس المتهم.

نجاد البرعي: تهمة ازدراء الأديان تتعارض مع نصوص الدستور
نجاد البرعي: تهمة ازدراء الأديان تتعارض مع نصوص الدستور

واعتاد الأزهر التعامل مع قضايا ازدراء الأديان بحساسية مبالغ فيها، ويتعمد تنصيب نفسه وصيا على الدين والمجتمع وأصحاب العقائد، ولو لم يكونوا من المسلمين، ويضع جملة من الخطوط الحمراء حول التراث ليحظر الاقتراب منها.

ويتعارض موقف النيابة المصرية في قضية دومة مع التوجهات التي يتبناها الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث يدعم حرية العقيدة والانفتاح، لكن التحرك نفسه قد يتلاقى سياسيا مع رغبة الحكومة في التعامل بريبة مع كل ناشط له توجهات معارضة.

وألغى الرئيس السيسي قبل عامين حكما قضائيا صدر ضد الباحث المصري أحمد عبده ماهر بالسجن خمس سنوات في قضية تتعلق بازدراء الأديان، رغم أن الأزهر كان أدانه وأثبت عليه التهمة.

وتعتقد دوائر سياسية في القاهرة أن التوظيف السياسي لتهمة ازدراء الأديان لا يصبّ في صالح السلطة، لأن ذلك يُظهرها كأنها تكيل بمكيالين، فهي تتمسك بتوفير مساحة من الانفتاح والاجتهاد وتعادي الانغلاق، ورغم ذلك تخيف المبدعين.

ويُعد أحمد دومة أحد الوجوه الشبابية التي برزت في أحداث ثورة 25 يناير 2011، وخرج من السجن قبل عام بعفو رئاسي بعد عشر سنوات قضّاها بين جدرانه، على خلفية إدانته بحكم قضائي نهائي بالسجن المشدّد خمسة عشر عاما في القضية المعروفة بـ”أحداث مجلس الوزراء”.

وكان دومة، أحد قادة حركة المعارضة الشبابية “6 أبريل” التي قادت ثورة 25 يناير، إلى أن أسقطت نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، قبل أن يتم حظر أنشطتها بحكم قضائي عام2014، وشارك في احتجاجات ضدّ حكم المجلس العسكري ثم جماعة الإخوان.

ويقول حقوقيون إن تماهي القضاء المصري مع التهم الموجهة لناشطين ومفكرين تتعلق بازدراء الأديان يثير شكوكا حول بعض توجهاته، خاصة عندما تستهدف شخصيات لها مواقف سياسية ضد الحكومة المفترض أنها تجاهد لتكريس الانفتاح.

ويشير هؤلاء الحقوقيون إلى أن هناك دوائر داخل السلطة تتحرك في اتجاه معاكس. فالنظام يُداوم على العفو عن نشطاء وسياسيين لغلق أبواب التوتر وتأكيد أن لديه نية حسنة بفتح صفحة جديدة مع المعارضة، لكن بعض الدوائر تفعل خلاف ذلك.

◄ الرئيس السيسي تدخل أكثر من مرة لنزع أزمات سياسية قبل أن تنفجر أو تسيء إلى السلطة، بسبب عدم حكمة بعض دوائر الحكومة تجاه معارضين
الرئيس السيسي تدخل أكثر من مرة لنزع أزمات سياسية قبل أن تنفجر أو تسيء إلى السلطة، بسبب عدم حكمة بعض دوائر الحكومة تجاه معارضين

وانتقد أحمد دومة عبر حسابه على إكس قرار محاولة محاكمته بتهمة ازدراء الأديان، حيث نشر تدوينة متضمنة أغنية “أنا مش كافر” لزياد الرحباني، واصفا استهدافه بسبب ديوان شعر بـ”الجنون”، وسط دعم من أنصاره ضد محاولات ترهيبه.

وتطرق قانون العقوبات المصري إلى تهمة ازدراء الأديان ويرفضها بشكل قاطع، وهو ما يقف عائقا ضد حرية الفكر ويتناقض مع الاجتهاد، وصارت تلك التهمة سيفا على رقبة من يغرّد خارج السرب، أو يُحاول التحرر من الهيمنة الدينية للأزهر.

وحسب القانون “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمئة جنيه، ولا تجاوز ألف جنيه، كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأيّ وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية”.

وأصبحت هذه المادة تستخدم لأغراض سياسية، رغم أن الهدف الأساسي منها وقت إدراجها في القانون قبل سنوات طويلة، مواجهة إرهاب الجماعة الإسلامية ضد أقباط مصر، لكنها أصبحت تهمة يتم توظيفها ضد بعض المعارضين والمشاغبين.

وقاد السعي نحو محاكمة أحمد دومة إلى تصاعد المطالبات الحقوقية في مصر لإلغاء تهمة ازدراء الأديان من القانون، طالما تحولت إلى أداة عقابية ذات منحى سياسي، في ظل التركيبة المطاطة لنص المادة، حيث تتيح لأيّ شخص أن يستهدف صاحب رأي حر ببلاغات كيدية، بما يخدم أهدافا سياسية غير معلنة.

ويقلل متابعون من فكرة استهداف دومة كشخص معارض، لأن تهمة ازدراء الأديان تطارد الكثيرين، سواء أكانوا سياسيين أم مفكرين، ومعارضين أو مؤيدين للسلطة.

وما أثار الريبة ضد الاتهامات الموجهة إلى أحمد دومة أن الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي تم إطلاقها قبل ثلاث سنوات، تضمنت بابا مرتبطا بحرية الدين والمعتقد، لتسريع تجديد الخطاب الديني والكف عن ترهيب كل صاحب صوت مختلف مع التراث الفقهي.

وانقسمت ردود الفعل في مصر حول محاكمة ناشط بسبب ديوان شعري، فهناك من تعاطف مع دومة وأغلبهم حقوقيون، وآخرون دعّموا موقف القضاء لأسباب دينية، بينما تحفّظ فريق ثالث على أن تكون الكلمة الفصل للأزهر الذي لا يقبل نقاشا متفتحا.

وقال المحامي والحقوقي نجاد البرعي عضو مجلس أمناء الحوار الوطني إن الحكومة والبرلمان مطالبان بإعادة النظر كليا في تهمة ازدراء الأديان، ومطلوب إلغاؤها لأنها تتعارض مع نصوص الدستور والإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وقد يُساء استغلالها بشكل مبالغ فيه.

وأضاف البرعي في تصريح لـ”العرب” أن التحضر الفكري يكون عندما يواجه الفكر بالفكر، لا بالتهريب والحبس والمحاكمات، وإذا كنا في حاجة إلى دولة مدنية بحق، يجب إلغاء تهمة ازدراء الأديان، لأن الهدف منها كان مواجهة الفتن الطائفية، وهذا لم يعد موجودا.

الاستعانة برأي الأزهر في قضية دومة تمهد إلى إمكانية حبسه، حيث تسبب جمود المؤسسة الدينية في وضع مفكرين وكتاب خلف أسوار السجن

ويعوّل مراقبون على تدخل الرئيس السيسي لغلق الثغرة التي قد تنفذ منها منظمات ومؤسسات حقوقية وتسيء للتقدم النسبي الذي تحقق في ملف حقوق الإنسان والإفراج عن نشطاء وسياسيين، في حين يُعاد استهداف بعضهم بتهمة جديدة.

وتدخّل الرئيس المصري أكثر من مرة لنزع أزمات سياسية قبل أن تنفجر أو تسيء إلى السلطة، بسبب عدم حكمة بعض دوائر الحكومة تجاه معارضين، لكن الصلاحيات الدستورية والقانونية المخوّلة إلى السيسي لا تزال محدودة في شأن المحاكمات.

وتوجد لجنة للعفو الرئاسي بمصر ترفع إلى السيسي أسماء من تنطبق عليهم شروط العفو، لكن القانون والدستور يشترطان أن يكون المفرج عنه قد حُكم عليه، أما في حالة دومة فهو لا يزال متهما، إلا إذا رأت النيابة أنه لم يرتكب التهمة من الأساس.

2