ارتفاع كبير في أسعار الإسعاف الطبي يثير صدمة المصريين

القاهرة - فجّر لجوء الحكومة المصرية إلى زيادة أسعار خدمة الإسعاف الطبي غضبا واسعا بين الأوساط الشعبية والسياسية، لإصرارها على استخدام نفس الحلول القديمة لمعالجة شح الموارد باللجوء إلى جيوب المواطنين. وأعلنت وزارة الصحة تحريك تسعيرة استخدام سيارات الإسعاف بنسب وصلت إلى 300 في المئة، وتم تحديد الأسعار حسب المسافة التي تقطعها السيارة بالكيلومترات.
وأصبح الحد الأدنى لاستخدام سيارة الإسعاف يتطلب دفع أسرة المريض أربعمئة وخمسين جنيها (نحو 10 دولارات)، ويصل أقصى سعر إلى تسعة آلاف جنيه (نحو مئتي دولار)، في زيادة ضخمة دفعت أعضاء بمجلس النواب إلى تقديم طلبات إحاطة. وأمام ارتفاع منسوب الغضب الشعبي، دافعت وزارة الصحة عن قرارها بأن تلك الزيادة تقتصر على خدمات الإسعاف غير الطارئة، وستظل حالات الطوارئ مجانية، مثل وقوع حوادث أو النقل بين المستشفيات.
وأضافت وزارة الصحة أن زيادة أسعار الخدمات غير الطارئة سببه تحريك أسعار المواد البترولية وزيادة رواتب العاملين، وارتفاع أسعار المعدات والصيانة، بما يعني زيادة تكلفة التشغيل بشكل عام. وجاء في طلبات إحاطة برلمانية قدمت ضد الحكومة أن الأسعار الجديدة لخدمات الإسعاف تتعارض مع الأوضاع المعيشية لشريحة من المصريين يصعب عليهم توفير تلك المبالغ ودفعها في خدمة إسعافية.
وعكس قرار الحكومة أنها ماضية في خطواتها للانسحاب من دعم الخدمات، وسيتم حساب التكلفة وفق معدلات التضخم والظروف الاقتصادية على حساب جيوب الناس. واعتادت الوزارات المختلفة تحريك أسعار الخدمات كأحد حلول الخروج من الأزمة الاقتصادية دون تفرقة بين البسطاء والمقتدرين ما جعل الناس يشعرون باحتجاج صامت.
وتكفي مطالعة الفضاء الإلكتروني لمتابعة الحالة المزاجية التي صار عليها أغلب المواطنين، وإصرار الحكومة على الاقتراب من قطاعات يفترض أنها من الخطوط الحمراء، مثل الخدمات العمومية المفترض أنها مجانية. ويخشى حقوقيون أن يكون قرار تحريك سعر خدمات الإسعاف مرتبط بتوجه حكومي يرتبط بخصخصة القطاع الطبي دون اكتراث بظروف البسطاء وتوفير بديل آمن.
ومشكلة الحكومة أنها لم تعد تهتم بمدى تقبل الرأي العام لفكرة انسحابها من الخدمات العمومية أم لا، سواء أكانت تعليمية أم طبية وغيرهما، في حين أن غالبية المصريين يتعاملون مع تلك القطاعات كملكية عامة. ويتعارض هذا التوجه مع تأكيد الحكومة أنها تسعى لاستعادة ثقة الشارع، وتوحيد الجبهة الداخلية لمساعدتها على مواجهة تحديات تحيط بالدولة من اتجاهات مختلفة.
وقال طلعت خليل أمين عام حزب المحافظين (معارض) إن كل زيادة في أسعار خدمة عامة تجلب المزيد من السخط في توقيت حرج، ولا يجب مساومة الناس على الأمن والاستقرار بزيادة الأعباء عليهم للإنفاق على قطاع ملكية عامة. وأضاف لـ”العرب” أن الحكومة تبدو كأنها تتعمد السير عكس الاتجاه، فسيارات الإسعاف تخدم أصحاب المعاشات وكبار السن بشكل أكبر، مع أن تلك الشريحة يفترض أن النظام يتعامل معها بخصوصية، فكيف تضاعف عليهم الأعباء؟
وترى دوائر سياسية أن تكرار تحرك الحكومة لتنمية موارد القطاعات الخدمية من جيوب المواطنين يوحي بأنها ستمضي في فرض المزيد من الأعباء على المواطنين. ولم تترك الحكومة خدمة إلا وحدّدت لها رسوما تفوق قدرات البسطاء، ما تسبب في تآكل الدعم الشعبي لها، وباتت تواجه صعوبة في إقناع الناس بإنجازاتها على الأرض.
ولم تُحرّك الحكومة أسعار الإسعاف الطبي منذ خمس سنوات، لكن القفزة الأخيرة بدت صادمة لأنها اعتادت التحريك ببطء كي لا يتحمل الناس عبء الغلاء مرة واحدة. ويشير استسهال فرض أعباء مضاعفة وسط ظروف معيشية صعبة إلى أن تعاطي الحكومة مع الشارع يتّسم بقدر من الصلف دون اختيار التوقيت والأسلوب المناسبين لفرض تلك الأعباء، وبلا حماية لمحدودي الدخل.
ويصعب فصل ذلك التوجه عن اقتناع شريحة معتبرة من المسؤولين في مصر بأن صمت الناس انعكاس لرضاهم عن الإجراءات المتخذة، وعدم ممانعتهم ضرورة مشاركة الدولة في إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية كمسؤولية تشاركية. وتعبّر تلك القناعة عن وجود توصيف غير دقيق لدى الحكومة للحالة التي صار عليها الشارع، لأن الهوة متسعة، والاستقرار السياسي يعني وجود أرضية صلبة وعلاقة قوية تربطها بالغالبية العظمى من المواطنين.
◙ الحكومة لم تحرك أسعار الإسعاف الطبي منذ سنوات، وبدت خطوتها صادمة لأنها اعتادت التحريك ببطء كي لا يتحمل الناس عبء الغلاء
وجزء من المشكلة أن مبررات بعض المسؤولين حول إجراءات رفع الأسعار تبدو مثيرة للتهكم، وتقدم للرأي العام بطريقة تفتقد إلى الحنكة السياسية، كأن يتم التحجج بمضاعفة سعر الإسعاف بغلاء البترول. ويُحسب على الحكومة أنها لا تُشارك الناس تصوراتها وخططها المستقبلية حول القطاعات الحيوية، ما يثير الشكوك حولها، ولو كانت تمتلك رؤية صحيحة وتجلب منافع للناس، لكن طريقة تقديمها توحي بأنها متسلطة على الشارع.
ونادرا ما تفصح الحكومة عن التفاصيل الخاصة بكل قطاع اضطرت إلى تحريك أسعار خدماته وتشرح الأسباب والدوافع والمزايا التي ستعود على المواطنين، ما يترك الباب مفتوحا أمام التيارات المناهضة لتأليب الرأي العام عليها. ومهما كانت الحكومة على صواب أو أنها تطبق اقتصاد الحرب، فالحكمة تقتضي أن تترك للناس فرصة دعم توجهاتها لتبقى الدولة آمنة ومستقرة.
ويتحفظ مناصرون للسلطة على توقيت فرض أعباء جديدة، لأن الظرف السياسي والتحديات الراهنة يستدعيان تأجيل أيّ قرارات تثير تحفظات شعبية، والأولوية لتجييش الرأي العام خلفها مهما كانت التكلفة الاقتصادية على الدولة. ولفت طلعت خليل في حديثه لـ”العرب” إلى أن الاستقرار الحقيقي في وجود كتلة شعبية ضخمة تدعم توجهات الحكومة، لكن ما يحدث خطأ سياسي، لأن الأعباء فاقت قدرة تحمل الغالبية من المجتمع المصري، بما يقوّض مواجهة التحديات الخارجية.
وتشتكي دوائر رسمية من تهالك الكثير من المرافق الحيوية المرتبطة بصميم الخدمات العامة، وهي مبررات يتم التسويق لها من منابر إعلامية وكيانات سياسية قريبة من السلطة، لإقناع الشارع بحتمية أن يتحمل الناس جزءا من تكلفة الإصلاح. وبقطع النظر عن أسباب جرأة الحكومة، فقد أصبحت مطالبة بعدم تجاهل نبض الناس كي لا تصنع بإجراءاتها معارضة شعبية، مع وجود دوائر تتعمد اللعب على وتر صمت واستسلام الناس للأمر الواقع.