ارتفاع الأصول في الخارج لا يلمس الكويتيون له أثرا في الداخل

تزايد قيمة الاحتياطات في بلد لا يعاني من أزمة ديون خارجية يعكس أهمية المرونة لتمويل الاستثمارات التنموية.
الاثنين 2023/03/27
غيوم الأزمة السياسية تلف اقتصاد الكويت

الكويت - كشف بنك الكويت المركزي في أحدث إحصائية له عن ارتفاع بلغ نسبة تزيد عن 14 في المئة في الاحتياطات والأصول الرسمية للدولة في الخارج، حتى نهاية فبراير الماضي.

وبلغ إجمالي هذه الاحتياطات والأصول 16.046 مليار دينار (52.537 مليار دولار)، مقابل 14.016 مليار دينار (45.891 مليار دولار) في فبراير 2022، لكن ذلك لم يترك أثرا ملموسا على الحياة العامة داخل البلاد، حيث أدى الاضطراب السياسي طويل الأمد إلى عرقلة أعمال الخدمات والتنمية، وتعثر العديد من المشاريع المزمع القيام بها.

ويقول كويتيون إن البنية التحتية في البلاد تعاني من التدهور، وفيما تنشغل الإدارات الحكومية بقضايا من قبيل تقليص العمالة الأجنبية، فإن هذا التوجه نفسه يعكس حقيقة أن البلاد لم تعد تقدم لنفسها ما يستدعي الاحتياج إلى المزيد من العمالة، كما هو الحال في دول مثل السعودية والإمارات وقطر التي تخوض في مشاريع إعمار شتى.

وتعد الحاجة إلى العمالة الأجنبية مؤشرا على حيوية الاقتصاد وانفتاحه على أعمال ومشاريع جديدة في بلد لا يزيد إجمالي المقيمين فيه عن 4.25 مليون نسمة، بينهم 1.3 مليون كويتي فقط. وفي إشارة على مدى تراجع مكانة الكويت مقارنة بجيرانها الخليجيين، فقد ذكر الاستطلاع السنوي لمنظمة "إنترناسيون" في العام 2022 أن الكويت احتلت المركز 52 كوجهة للوافدين الأجانب، بينما احتلت الإمارات المرتبة السادسة.

بدر السيف: الشارع الكويتي منهك بسبب حالة الجمود الدائم
بدر السيف: الشارع الكويتي منهك بسبب حالة الجمود الدائم

والوافدون الأجانب ليسوا مجرد عمالة رخيصة، وإنما مستثمرون وتجار ورجال أعمال ومدراء مشاريع، تفتقر إليهم الكويت بدرجة واضحة قياسا بالدول الخليجية الأخرى.

ويشير ارتفاع قيمة الاحتياطات، في بلد لا يعاني من مشكلة ديون خارجية، إلى أن هناك مرونة كافية لتمويل الاستثمارات التنموية داخل البلاد، من دون أن تتأثر تلك الاحتياطات. كما أنه يمكن استغلال نمو الاحتياطات نفسه لتغطية العديد من المشاريع الحيوية، ومنها مشاريع التطوير المتعلقة بالنفط والغاز الذي يعد مصدر الدخل الرئيسي للبلاد. في حين تشير الحوادث المتكررة في منشآت الطاقة إلى أنها تتهالك مع مرور الوقت، ويتم الاكتفاء بإصلاحات طوارئ، لا يمكنها أن تغني عن بناء منشآت جديدة.

والاحتياطات التي أشار إليها البنك المركزي لا تشمل الأصول الخارجية لدى الهيئة العامة للاستثمار، وتقتصر على الأصول الخارجية الموجودة تحت تصرف السلطات النقدية والخاضعة لسيطرتها لتلبية احتياجات ميزان المدفوعات التمويلية، أو التدخل في أسواق الصرف للتأثير على سعـر صرف العملة. وهو ما يعني أنها أدوات سائلة إلى حد بعيد، وليست مرتبطة باستثمارات متوسطة أو بعيدة المدى. فحتى نهاية العام الماضي، كان الصندوق السيادي الكويتي أو الهيئة العامة للاستثمار الكويتية تملك 708 مليارات دولار في الخارج.

وكشفت إحصائية البنك المركزي استقرار القيمة الدفترية لاحتياطي الذهب عند 31.7 مليون دينار أو ما يعادل نحو 100 مليون دولار، كما تملك الكويت احتياطات لدى صندوق النقد الدولي تبلغ 234.7 مليون دينار، تعادل نحو 767 مليون دولار. ويقول مراقبون إن هذه الأموال تتكدس بينما تتراجع الخدمات العامة في بلد يمتلك نحو 7 في المئة من إجمالي احتياطي النفط العالمي.

ويعزو المراقبون الهوة بين الإمكانيات المالية الضخمة للبلاد، وبين تراجع مستويات الخدمات في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية ومشاريع الاستثمار والتطوير الداخلية، إلى الاضطراب السياسي الذي تعانيه البلاد منذ عدة سنوات، الأمر الذي جعل حكوماتها غير مستقرة، فتستقيل خلال مدة تبلغ كمعدل نحو عام واحد فقط خلال سنوات العقد الماضي.

ويؤدي هذا الواقع إلى تعطيل البرامج التنموية الحكومية، بينما تقع الحكومات نفسها تحت طائلة الاتهامات بالتقصير أو الفساد من جانب البرلمان، الذي كلما تم حله، عاد من جديد ليشكل تحديا للحكومة الواحدة تلو الأخرى.

وكانت الحكومة السابقة التي شكلها الشيخ أحمد نواف الأحمد في أكتوبر الماضي وعدت بإطلاق مشاريع تنموية ومكافحة الفساد، ولكنها اضطرت إلى الاستقالة في الثالث والعشرين من يناير الماضي، بعد نحو ثلاثة أشهر، تحت ضغط مطالب شعبوية قصدت إحراج الحكومة، من قبيل المطالبة بشراء ديون الكويتيين وتسديدها عنهم. وهو أمر لم تفعله أي حكومة في العالم.

◙ طموحات الحكومة الجديدة التي تكلف الشيخ أحمد النواف بتشكيلها من جديد عادت لتواجه سجالا حول مدى قدرة البرلمان العائد مؤخرا على البقاء

ويقول المحلّل الكويتي بدر السيف في تغريدة إن "الشارع الكويتي منهك بسبب حالة الجمود الدائم"، وإن "السياسة في الكويت بحاجة إلى إعادة ضبط”. كما أن البلاد بحاجة إلى حوار وطني ودستور جديد.

وترى كريستين ديوان، الباحثة في معهد دول الخليج العربية، أن "مشاكل الحكم في الكويت تنعكس في فشل التخطيط وتزايد الصعوبات الاجتماعية"، فيما يقول الخبير الاقتصادي في شؤون الخليج جاستن ألكسندر إنّ البلاد لديها "ديون قليلة جدا، وأكبر صندوق للثروة السيادية في العالم كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وأكبر احتياطي نفطي في العالم مقارنة بالسكان، غير أنّ الاختلالات السياسية في السنوات الأخيرة منعتها من اتّخاذ الإجراءات اللازمة للسيطرة على ارتفاع الإنفاق وتوليد الإيرادات غير النفطية وتنويع اقتصادها".

ويقول مراقبون إن طموحات الحكومة الجديدة التي تكلف الشيخ أحمد النواف بتشكيلها من جديد، عادت هي الأخرى لتواجه سجالا حول مدى قدرة البرلمان العائد مؤخرا، على البقاء. وهو ما يعني أن "حكومة تصريف أعمال" إضافية هي التي ترث الفراغ المتكرر حتى تتم انتخابات برلمانية جديدة، ولا أحد يعلم كيف ستكون موازين القوى فيها.

3