ارتفاع الأسعار يبعد الهند عن النفط الروسي

يراقب محللون تأثير أسعار النفط الروسي على المشتريات الهندية التي تقلصت كثيرا خلال الأشهر الماضية، رغم أن البعض يشكك في استمرار أحد أكبر المستهلكين للخام في العالم البقاء بعيدا لفترة طويلة عن فلك موسكو رغم إغراءات الخامات الخليجية.
نيودلهي - بلغت عمليات شراء الهند للخام الروسي رغم الضغوط الغربية المرتبطة بأوكرانيا أدنى مستوى لها منذ 11 شهرا في ظل ارتفاع كلفة هذا النفط المخفّض، وفق ما أظهرت آخر البيانات.
ومنذ غزو أوكرانيا قبل نحو عامين، اشترت الهند مئات الملايين من براميل الخام الروسي بأسعار مخفّضة، لتدّخر المليارات من الدولارات مع تعزيز خزينة الحرب الروسية.
ووضعتها عمليات الشراء في المرتبة الثانية ضمن زبائن روسيا بعد الصين. ولم يخف المسؤولون الهنود قرارهم منح أولوية للمصلحة الوطنية على العقوبات الدولية المفروضة على موسكو.
لكن سعر الخام الروسي ارتفع في مواجهة خفض تحالف أوبك+ الإنتاج وازدياد الطلب من الصين، وفق ما يؤكد محللون، ما يجعله أقل جاذبية بالنسبة إلى الزبائن الهنود.
واشترت مصافي التكرير الهندية 1.45 مليون برميل من النفط الروسي يوميا الشهر الماضي، في أقل كميّة منذ يناير العام الماضي وأقل بنحو 16 في المئة عن نوفمبر 2023، بحسب منصة استخبارات تجارة الطاقة العالمية كبلير.
وقال كبير المحللين المتخصصين في الخام لدى كبلير فيكتور كاتونا لفرانس برس إن “التأثير المتبادل بين الهند والصين” كان محركا رئيسيا للتغيير “فيما يتنافس البلدان للحصول على ذات البراميل”.
وتعد روسيا المستفيد الأكبر من التغيير إذ يتم تداول الخام الروسي بسعر يبلغ أكثر من 85 دولارا للبرميل، بحسب تقارير، رغم أن ائتلاف مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي وأستراليا فرض سقفا للأسعار عند 60 دولارا قبل عام.
وستحظى واردات نيودلهي المخفّضة بترحيب بعض صانعي السياسات الأوروبيين الذين أعربوا عن قلقهم حيال الطريقة التي عالجت من خلالها المصافي الهندية الخام الروسي لتحويله إلى وقود للسوق الأوروبية، في التفاف على عقوبات الاتحاد الأوروبي.
وترتبط نيودلهي وموسكو بعلاقات تعود إلى حقبة الحرب الباردة، وما زالت روسيا أكبر مزوّد للأسلحة للدولة الأكثر سكانا في العالم.
وتجنّبت الهند التنديد بشكل صريح بروسيا على خلفية غزوها أوكرانيا، فيما تسعى لتعزيز العلاقات الأمنية مع الولايات المتحدة.
لكن بدلا من المضي قدما على خطى الغرب، عززت شراكتها التاريخية مع روسيا لضمان الحصول على طاقة زهيدة الثمن لمساعدتها على تعزيز النمو من دون مفاقمة عجز الموازنة.
وأصبحت روسيا أكبر مزوّد نفط للهند، متجاوزة أكبر المصدّرين التقليديين في الشرق الأوسط، وما تزال كذلك بفارق كبير رغم تراجعها مؤخرا.
وتعد الهند ثالث أكبر مستورد ومستهلك للنفط في العالم وتستورد حوالي 80 في المئة من احتياجاتها.
وفي الأشهر العشرة التي أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا، ادّخرت الهند 3.6 مليار دولار عبر استيراد نفط مخفّض إلى حد كبير من روسيا، وفق بيانات نشرها نائب عن الحزب الحاكم.
ومباشرة قبل الحرب، كانت الهند تستورد 67.5 ألف برميل فقط من الخام الروسي يوميا، بحسب بيانات كبلير.
وارتفعت الكميات التي تشتريها لتبلغ ذروتها عند أكثر من مليوني برميل يوميا في مايو 2023، لكنها تراجعت بشكل ثابت.
ويفيد مسؤولون حكوميون بأن التغيير الأخير براغماتي محض ومدفوع بالأسعار، أكثر من كونه سياسيا. وقال وزير النفط الهندي هارديب سينغ بوري للصحافيين الأسبوع الماضي “لمَ قد نشتري منهم إن لم يعرضوا علينا تخفيضا”.
وأضاف إن “القيادة الهندية لديها شرط واحد فحسب، وهو أن يحصل الزبون الهندي على الطاقة بأكثر سعر اقتصادي ومن دون اضطراب” الإمدادات.
1.45
مليون برميل يوميا اشترتها الهند من روسيا في ديسمبر وهي الأدنى منذ يناير 2023
ودفعت المصافي الهندية ما معدله 85.9 دولار للبرميل في نوفمبر، وفق تحليل لبلومبرغ لبيانات حكومية، وهو مبلغ أعلى بقليل من ذاك الذي عرضه العراق والبالغ 85.5 دولار وأعلى بنحو 25 دولارا من سقف السعر المحدد من قبل مجموعة السبع.
وتسعى موسكو بدورها لزيادة عائداتها النفطية، ففي مايو الماضي، ألقى وزير المالية الروسي أنتون سيلوانوف باللوم “على كل هذه التخفيضات” في تراجع عائدات الطاقة في البلاد بنسبة 50 في المئة.
وأفاد الأستاذ في جامعة ييل جيفري سونينفلد الذي قدّم الاستشارة لوزارة الخزانة الأميركية في ما يتعلق بسقف الأسعار لفرانس برس بأنه “انخفاض في فعالية سقف الأسعار”، لكنه أشار إلى أن الخطوة ما زالت ترفع تكاليف الشحن والتأمين على روسيا.
ويقر مسؤولون هنود بوجود تحديات لوجستية. وتفضّل نيودلهي وزبائن آخرون للنفط الروسي تجنّب تسديد ثمنه بالدولار الأميركي، إذ أن القيام بذلك يمكن أن يعرّضهم لعقوبات ثانوية.
ووافقت شركة النفط الهندية التابعة للدولة الشهر الماضي على شراء خام سوكول من جزيرة سخالين الروسية الواقعة في المحيط الهادئ بالدرهم الإماراتي، وفق ما أكد مسؤول حكومي هندي لفرانس برس.
لكن الصفقة لم تتم في نهاية المطاف نظرا إلى أن الجهة الروسية المزوّدة للنفط لم تتمكن من فتح حساب مصرفي في الإمارات للقبول بالعملة، بحسب المصدر ذاته.
وبدّلت الشحنة وجهتها ويبدو أنها الآن في طريقها إلى مصفاة صينية، وفق تقييم لمنصة فورتيكسا للتجارة المرتبطة بالطاقة.
وما تزال الصين أكبر زبون للنفط الروسي فيما تظهر بيانات تعقّب من كبلير بأنه على مدى الشهرين الماضيين بدّلت 10 ناقلات تحمل شحنات نفط سوكول كانت متوجّهة إلى الهند مسارها أو توقّفت فجأة.
لكن بوري شدد على أن مشاكل الدفع ليست وراء تراجع الواردات، مشيرا إلى أن الأمر يتعلّق فقط “بالسعر الذي توافق مصافينا على الشراء به”.
