ارتفاع أسعار الطاقة يضع أكثر الخطط الطموحة لمواجهة تغير المناخ على المحك

تضخم فواتير استهلاك الكهرباء إحدى صور تداعيات أزمة الطاقة في العالم.
الخميس 2021/09/30
الخطة الطموحة تواجه خيبة أمل

وضع الارتفاع القياسي في أسعار الطاقة الخطة الطموحة للاتحاد الأوروبي لمكافحة تغير المناخ على المحك. ووسط توقعات بالمزيد من الارتفاعات جراء تفاقم نقص الإمدادات مع بدء فصل الشتاء وارتفاع فواتير المنازل والشركات تجد الكثير من الدول نفسها أمام العديد من التحديات الحقيقية ومن أهمها الحاجة إلى المزيد من الوقود لتوليد الكهرباء وأنظمة التدفئة.

واشنطن – لم يكن الارتفاع القياسي في أسعار الطاقة ليأتي في وقت أسوأ من هذا بالنسبة إلى خطة الاتحاد الأوروبي الطموحة لمكافحة تغير المناخ، حيث شرع الساسة للتو في الحديث عن كيفية تنفيذ الاستراتيجية الأكثر شمولا في العالم لخفض الانبعاثات الكربونية.

وتقول الكاتبة الصحافية إيوا كروكوسكا، في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، إن أزمة الطاقة تشكل تهديدا بحدوث زيادة كبيرة في فواتير استهلاك الكهرباء قبل قدوم فصل الشتاء القارص، كما أنها تشكل ضغطا كبيرا على عمالقة صناعة الطاقة.

ووفقا لشبكة “سي.أن.أن” الأميركية، أعرب ديميتري فيرجني رئيس فريق الطاقة في منظمة المستهلك الأوروبية عن قلقه قائلا “لقد شهدنا ارتفاعا هائلا في الأسعار.. إنه أمر مقلق قبل الشتاء، حيث سيزداد استهلاك الغاز بالضرورة”.

وأدت شبكة معقدة من العوامل دورا كبيرا، إذ استنفد الربيع البارد مخزونات الغاز الطبيعي. وكانت إعادة بناء الأسهم صعبة، وذلك بفضل قفزة غير متوقعة في الطلب مع انتعاش الاقتصاد من فايروس كورونا وزيادة الشهية للغاز الطبيعي المسال (LNG) في الصين. كما أن روسيا تزود السوق بغاز طبيعي أقل مما كانت عليه قبل الوباء.

وفي الوقت ذاته، كانت مصادر الطاقة الأخرى غير متوفرة بسهولة، فكان الطقس الصيفي عمل على تهدئة حركة رياح بحر الشمال، إضافة إلى تخلص البلدان من الفحم مع تصاعد الضغط لمعالجة أزمة المناخ. وتعمل ألمانيا أيضا على التخلص التدريجي من الطاقة النووية بحلول عام 2022.

ويبدو أن الوضع المتدهور يتحول بسرعة إلى أزمة كاملة.

زيادة الطلب على الكهرباء

زيادة كبيرة في فواتير استهلاك الكهرباء
زيادة كبيرة في فواتير استهلاك الكهرباء

تتوقع وكالة الطاقة الدولية زيادة الطلب العالمي على الكهرباء خلال 2021 مع خروج العديد من دول العالم من الجائحة، في الوقت الذي زادت فيه إمدادات الوقود الأحفوري لتلبية الطلب على الكهرباء الأمر الذي يهدد خطط الوصول إلى هدف صفر انبعاثات كربونية.

وأفادت الوكالة في تقرير حديث أن “الطلب على الطاقة سيرتفع خلال العام الحالي بنسبة 5 في المئة بعد تراجعها خلال العام الماضي بنسبة واحد في المئة”.

وفي الوقت الذي تهرع فيه الحكومات الأوروبية لتخفيف حدة تداعيات زيادة أسعار الطاقة على المستهلكين، تعهدت اليونان، على سبيل المثال، بدعم فواتير الكهرباء، في حين ظهرت تهديدات بحدوث انقطاع في التيار الكهربائي بالمملكة المتحدة الأسبوع الماضي لتشكل ذكرى حية للهشاشة التي تتسم بها إمدادات الطاقة.

وبالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، الذي يقترح حظر السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري بحلول عام 2035، وفرض تكاليف جديدة على التدفئة غير النظيفة بالمنازل، ستشكل الأسعار الباهظة لمثل هذه الخطة الطموحة خيبة أمل أكثر قسوة للناخبين الذين يعانون بالفعل جراء الفواتير الفلكية.

ونقلت كروكوسكا المتخصصة في كتابة تقارير عن سياسات البيئة والطاقة في الاتحاد الأوروبي، مع التركيز على نحو خاص على تجارة الانبعاثات في أوروبا، ومحادثات المناخ العالمية، عن بيتر فيز، المستشار البارز بمؤسسة “رود بيديرسون” للاستشارات الخاصة بالشؤون العامة، القول “بالطبع، من الممكن للمستوى الحالي لأسعار الطاقة أن يجعل المناقشات الخاصة بحزمة المناخ أكثر صعوبة”.

وأضاف فيز، الذي كان مساعدا لأول مفوض أوروبي لشؤون المناخ “ولكن إضعاف الحزمة بسبب أزمة الطاقة اليوم سوف يصرف الانتباه عن الحل على المدى الطويل، والذي يتمثل في خفض اعتماد أوروبا على الوقود الأحفوري، دون التعامل مع السبب وراء أزمة الغاز الطبيعي”.

وتشهد أسعار الغاز الطبيعي والطاقة في الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أكبر ارتفاع لها على الإطلاق، في الوقت الذي تتعافى فيه اقتصادات هذه الدول من تداعيات جائحة كورونا وتأتي الزيادة في الطلب في وقت تراجعت فيه إمدادات الغاز من النرويج وروسيا، وتتهم بعض الدول موسكو بالتلاعب.

أسعار الغاز الطبيعي والطاقة في الدول الـسبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تشهد أكبر ارتفاع لها على الإطلاق

وأدت استراتيجية الاتحاد الأوروبي في نفس الوقت لتسريع وتيرة خفض الانبعاثات في جميع القطاعات إلى تعزيز الطلب على تراخيص الكربون، حيث تجاوزت الأسعار الضعف خلال العامين الماضيين لتصل إلى مستوى قياسي جديد.

ويريد الاتحاد الأوروبي قيادة الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي، ليعطي مثالا للدول الأخرى صاحبة معدلات الانبعاثات المرتفعة، مثل الولايات المتحدة والصين. والهدف الأسمى من وراء الاتفاق الأخضر الأوروبي الذي تم التوصل إليه في يوليو الماضي هو الوصول إلى “صفر انبعاثات بحلول عام 2050”.

ويهدف الاتفاق إلى مواءمة الاقتصاد مع هدف ملزم وأكثر صرامة، يتمثل في خفض الانبعاثات بنحو 55 في المئة، على الأقل، بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 1990.

أما بالنسبة إلى الدول الأوروبية الأقل دخلا، وأيضا بالنسبة إلى الصناعات كثيفة الطاقة، سيكون أثر أي عملية انتقالية موجعا، وسيقع الاتحاد الأوروبي تحت ضغوط لتخفيف حدة الصفعة جراء القفزة الحالية في الأسعار.

وقد بدأت الحكومات الأوروبية، من مدريد إلى أمستردام، اتخاذ خطوات لتخفيف التداعيات المباشرة لأزمة الطاقة والحيلولة دون صدور رد فعل حاد على سياسات خفض الانبعاثات.

وقالت إسبانيا في خطاب للاتحاد الأوروبي يحمل تاريخ العشرين من سبتمبر الجاري إن إجراءات خفض الانبعاثات “قد لا تصمد أمام أسعار الكهرباء التعسفية إذا امتدت لفترة طويلة”، مشيرة إلى مظاهرات أصحاب “السترات الصفراء” التي عصفت بفرنسا قبل عامين.

وفرضت أزمة الغاز نفسها بقوة على اجتماع وزراء الطاقة الأوروبيين الأسبوع الماضي، والذي عقد بالأساس لمناقشة مشروعات قوانين تهدف إلى تعزيز دور مصادر الطاقة المتجددة وزيادة ترشيد الطاقة.

ويتمتع الاتحاد الأوروبي بصلاحيات محدودة في ما يتعلق بسياسة الطاقة، والتي تظل إلى حد بعيد في متناول الدول الأعضاء.

الوضع يتحول إلى أزمة كاملة

ارتفاع الأسعار أمر مقلق قبل الشتاء
ارتفاع الأسعار أمر مقلق قبل الشتاء

تعهدت المفوضية الأوروبية بأن تنشر خلال الأسابيع المقبلة الخطوط الاسترشادية الخاصة بالأدوات التي تستطيع الدول الأعضاء توظيفها على المدى القصير في ما يتعلق بقانون الاتحاد الأوروبي. وتتضمن الاختيارات المتاحة، خفض ضريبة القيمة المضافة والضرائب على الطاقة.

وفي اليونان تعهد رئيس الوزراء كرياكوس ميتسوتاكيس في وقت سابق بضمان تقديم دعم للمستهلكين خلال الربع الأخير من العام لجميع الأسر بهدف تغطية الجزء الأكبر من الزيادة المتوقعة في فواتير الكهرباء.

كما أعلن ميتسوتاكيس خفض قيمة الضريبة على المبيعات حتى شهر يونيو 2022 على البن والمواصلات والمشروبات غير الكحولية ودور السينما وصالات اللياقة البدنية ومدارس الرقص وحزم الرحلات السياحية.

وقامت هولندا بتعديل الموازنة لتشمل 500 مليون يورو (585 مليون دولار) من أجل خفض تكاليف الطاقة على الشركات والأُسر.

وأعلنت إسبانيا عن إجراءات طارئة لخفض فواتير الطاقة بينها أنها ستفرض ضريبة لم تكن متوقعة على مرافق الطاقة، وستضع سقفا لفواتير استهلاك الكهرباء، بينما تخطط فرنسا لدفع 100 يورو (117 دولارا) لمرة واحدة إلى ما يقرب من 6 ملايين أسرة منخفضة الدخل. وفي المملكة المتحدة، حيث هددت ارتفاعات الغاز الطبيعي بالفعل بتفاقم نقص الغذاء، يناقش فريق رئيس الوزراء جونسون المدى الذي ينبغي أن يقدم دعم الدولة إليه.

ويتم الحفاظ على سقف الأسعار في المملكة المتحدة للمستهلكين، ولكن هذا يساعد في دفع شركات الطاقة البريطانية الصغيرة إلى التوقف عن العمل.

المفوضية الأوروبية تعهدت بأن تنشر خلال الأسابيع المقبلة الخطوط الاسترشادية الخاصة بالأدوات التي تستطيع الدول الأعضاء توظيفها على المدى القصير، وتتضمن الاختيارات المتاحة، خفض ضريبة القيمة المضافة والضرائب على الطاقة

ويرى معارضون أن هذه الخطوات من شأنها الحد من الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة.

ويقول جون ماسك المحلل في بنك “آر.بي.سي يوروب ليمتد” “يبدو من غير المحتمل أن يعكس الساسة المسار ليعودوا إلى توليد الطاقة باستخدام الفحم، أو إدخال تعديلات على نهج التعامل مع الكربون… من الصعب تحديد الإجراءات التي يمكن تبنيها لتخفيف قيود العرض والطلب على الغاز والكهرباء في المدى القريب”.

وتختتم كروكوسكا تحليلها بالقول إن أكبر مستهلكي الطاقة في مجال الصناعة يواجهون خطر التعرض للآثار المباشرة لارتفاع الأسعار، وقد أعلنت شركة “نيرستار إن.في” لإنتاج الزنك الخميس الماضي خفض الإنتاج في مصنع رئيسي لها بالدنمارك خلال ساعات الذروة اليومية.

وبالنسبة إلى منتجي الألومنيوم في أوروبا، قد تصل تكاليف الكهرباء إلى حوالي 80 في المئة من السعر الكلي للمنتج، بحسب ما ذكرته وكالة “يوروميتوكس”، التي تمثل منتجي المعادن في القارة، لمفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الطاقة كادري سيمسون، ودعت إلى المزيد من الدعم للقطاع.

وبإمكان التداعيات أن تؤثر على الاقتصاد الأوروبي، فقد تؤدي إلى تفاقم المخاوف بشأن التضخم في لحظة حساسة من التعافي الوبائي.

إذ تشهد الصناعات في جميع أنحاء المنطقة ارتفاعا في التكاليف. حيث اضطرت بعض شركات صناعة الصلب البريطانية إلى تعليق عملياتها، وفقا لمجموعة “يوكيه ستيل”
التجارية. وخفضت شركة “يارا” النرويجية (YARIY) للأسمدة إنتاج الأمونيا في أوروبا بنحو 40 في المئة بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي القياسية.

وعلى الرغم من أن المستثمرين حول العالم ضخوا أموالا أكثر من أي وقت مضى في الطاقة النظيفة خلال النصف الأول من 2021، إلا أن الوتيرة ما تزال بعيدة عن أن تكفي للجم الانبعاثات المتزايدة للكربون خاصة مع عودة الصين لاستخدام الفحم.

اقرأ أيضا: رؤساء الشركات مطالبون بتقديم أفكار علمية لخفض الانبعاثات

13