ارتدادات زلزال تركيا.. اعتقال مستخدمي تويتر ومحاصرة وسائل الإعلام

أردوغان لا ينسى عاداته في تكميم الأفواه لأجل "صورته العامة" حتى في الكوارث.
الجمعة 2023/02/10
الهاتف الوحيد المسموح به

يسابق نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الزمن لمحاصرة الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي وضمن وسائل الإعلام، في الوقت الذي أحدث فيه الزلزال ارتدادات سياسية كبيرة.

إسطنبول - تمكن مستخدمو تويتر في تركيا من استخدامه مرة أخرى، بعد تقارير تفيد بتقييد الوصول إليه داخل البلاد عقب الزلزال المدمر الذي حدث في وقت سابق من الأسبوع الجاري.

وتمت إتاحة استخدام تويتر دون اللجوء إلى خدمات الوصول عن بعد (في.بي.إن) صباح الخميس بعد انتقادات لنظام الرئيس رجب طيب أردوغان.

وبعد شكاوى من الاستجابة الرسمية البطيئة لزلزال الاثنين منعت الحكومة الوصول إلى موقع تويتر، وهو مصدر اتصال رئيسي لأقارب الضحايا والناجين ورجال الإغاثة. كما استخدمه الأشخاص من تحت الأنقاض لطلب المساعدة.

وفي الأيام الأخيرة امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي برسائل من أشخاص يشكون من قلة جهود الإنقاذ والبحث عن الضحايا في مناطقهم.

كما انتقد زعيم المعارضة كمال كيليجدار أوغلو بطء وصول المساعدات، وقال “إذا كان هناك شخص مسؤول فهو أردوغان”. واعتقلت الشرطة 18 شخصا منذ حدوث الزلزال بسبب منشورات “استفزازية” على مواقع التواصل الاجتماعي انتقدت رد فعل الحكومة.

 ويدرك أردوغان أن هذا الزلزال قد يكون أكبر تحد سياسي يواجهه إلى حد هذه اللحظة. وفي ظهور علني ناري، وبدلا من الاعتراف بمستوى الصدمة العامة التي تواجهها البلاد، حذر أردوغان من أنه سيستهدف الأشخاص “الذين ينشرون الأكاذيب” حول الكارثة الوطنية. وقال “من المستحيل أن نكون مستعدين لمثل هذه الكارثة”.

وغرد الممثل والكوميدي التركي جيم يلماز “هل هناك تفسير للتقييد على تويتر في حين أنه قد يكون مفيدًا في إنقاذ الأرواح؟ استسلم”.

ولدى تركيا تاريخ من فرض القيود على مواقع التواصل الاجتماعي أثناء حالات الطوارئ والحوادث الكبرى. وخلال أكتوبر الماضي أقر البرلمان التركي تشريعاً بنص على وجوب أن تزيل شركات مواقع التواصل الاجتماعي المحتوى وتقدّم معلومات إلى السلطات إذا طُلب منها القيام بذلك. وقد تواجه الشركات التي لا تلتزم تباطؤًا في سرعة خدماتها في تركيا.

ووصف كيليجدار أوغلو حجب تويتر في هذه الظروف بـ”الجنون”.

وقال المحامي والناشط على تويتر علي غول “بتقييد تويتر في هذا الوقت، فإنك تمنع أو تؤخر وصول المساعدة إلى الأشخاص” الذين هم في حاجة إليها.

وسألت رئيسة الحزب الصالح ميرال أكشينار أردوغان “مِمَّ أنت خائف؟”.

ويبدو أن الشاغل الرئيسي لأردوغان هو الأمور ذات الانعكاسات السياسية. وبعد يومين من الكارثة أعلن أردوغان حالة الطوارئ  في المناطق المتضررة. ويأتي هذا في توقيت محرج، إذ ستنتهي حالة الطوارئ قبل أسبوع واحد من الموعد المقرر للانتخابات العامة في تركيا خلال مايو القادم. ومن الصدف أن حالة الطوارئ ستسمح للحكومة بالسيطرة على وسائل الإعلام المسيطر عليها أصلا، وتحديدا السيطرة على التقارير السلبية التي قد تحمّل الحكومة مسؤولية إعادة البناء ومواجهة التحديات الإنسانية.

ودعا المعهد الدولي للصحافة الخميس السلطات التركية إلى السماح بالتغطية الإعلامية المستقلة للزلزال المدمر بعد عدة تقارير تفيد باعتقال الصحافيين الذين يغطون الأحداث، بالإضافة إلى أن المسؤولين الحكوميين يهددون أصحاب التقارير المستقلة. كما دعا المعهد تركيا إلى رفع جميع القيود المفروضة على مواقع التواصل الاجتماعي كقنوات اتصال ضرورية بالنسبة إلى جهود الإنقاذ ولإبقاء الجمهور على اطلاع في أوقات الأزمات.

وعبّر المعهد عن قلقه المتزايد بشأن التقارير التي تتحدث عن اعتقال الصحافيين و”التي تتبع للأسف نمطًا مألوفًا من السلطات التي تضايق وسائل الإعلام الناقدة”.

وفي الأيام التي أعقبت الزلزال كثفت الحكومة التركية ضغوطها على التغطية الإعلامية المستقلة.

وفي 6 فبراير الجاري حذر رئيس المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون التركي (RTÜK) إيبوبكير شاهين الصحافيين والمذيعين من أن عليهم التزامًا قانونيًا “بعدم مشاركة المعلومات التي تضر بجهود البحث والإنقاذ في منطقة الزلزال وأسبابه. الذعر والتضليل”.

بعد ذلك، في 7 فبراير، هدد أردوغان بالانتقام على نطاق واسع ممن نشر “معلومات مضللة”.

وقال أردوغان “المدعون العامون لدينا سيحددون أولئك الذين يحاولون خلق فوضى اجتماعية من خلال بعض الأساليب اللاإنسانية وسيتخذون الإجراءات اللازمة. نحن نراقب عن كثب أولئك الذين يحاولون استقطاب الأمة من خلال الأخبار الكاذبة والتشويهات. اليوم ليس يوم المناقشة، عندما يحين الوقت سنفتح القائمة التي نحتفظ بها”.

بدلا من الاعتراف بالصدمة العامة، حذر أردوغان من أنه سيستهدف الأشخاص «الذين ينشرون الأكاذيب» حول الكارثة

وفي اليوم ذاته أطلق مكتب المدعي العام في إسطنبول تحقيقًا ضد الصحافيين مردان يانارداغ وإنفر أيسيفر بشأن مزاعم “الحضّ العلني على الكراهية والعداء”، وهي تهمة غامضة تم استخدامها لاستهداف الصحافيين.

ويعتقد أتراك أنه كان ينبغي على الحكومة التركية أن تكون مستعدة بشكل أفضل لتجنب هذا السيناريو الأسوأ.

وبدأت تتردد عدة أسئلة على حسابات الأتراك في تويتر وفي وسائل الإعلام. يتعلق السؤال الأول بتوافر أموال الطوارئ، المخصصة تحديدا للإغاثة من الزلزال. ففي أعقاب زلزال مميت في عام 1999، فرضت الدولة ضريبة دائمة على جميع مالكي المنازل الأتراك للمساهمة في صندوق، حتى تكون البلاد مستعدة ماليا للزلزال المدمر التالي. وتشير التقديرات إلى أن الدولة جمعت ما يقرب من 40 مليار دولار. ويتساءل معلقون: أين هذه الأموال؟

وفي عام 2020 سأل صحافيون الرئيس رجب طيب أردوغان هذا السؤال بالذات. ورد ردا لا يحمل إجابة واضحة، قائلا “لقد أنفقنا (الأموال) على ما هو ضروري. ليس لدي الوقت الكافي لشرح ما تم إنفاق الأموال عليه”.

ويتعلق السؤال الثاني بلوائح البناء. ففي أعقاب زلزال عام 1999 فرضت الدولة لوائح بناء أكثر صرامة، وتهدف خصيصا إلى ضمان مقاومة المباني للزلازل قدر الإمكان. ويشير الدمار الذي لحق بمبان في مدن مثل هاتاي وأنطاكيا وإسكندرون بقوة إلى أن المباني لم تكن مطابقة للمعايير.

ويتساءل معلقون “من المسؤول؟”، وشرع معلقون في طرح سيناريوهات ساخرة عن الجهود التي سيبذلها حزب العدالة والتنمية التابع لأردوغان بهدف الهروب من الإحراج. وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف سيحققون ذلك.

ويركز سؤال آخر على استجابة الحكومة لحالات الطوارئ. ومن المُسلّم به أن شدة الزلازل كانت هائلة إلى درجة أن أي حكومة مستعدة ستكافح من أجل القيام باستجابة كبيرة. ومع ذلك، يشكو المواطنون في المناطق المتضررة من النقص التام في خدمات الطوارئ، مما دفع البعض إلى التساؤل “أين الدولة؟”. وفي الساعات الثماني والأربعين الأولى ترددت الحكومة في نشر الجيش التركي، الذي يمتلك موارد كبيرة. ويقول معلقون إن هذا التردد قد أدى إلى فقدان الآلاف من الأرواح. علاوة على ذلك تخضع إدارة الكوارث والطوارئ التركية “آفاد” لتدقيق عام؛ فهي متهمة بالاستجابة البطيئة جدا، وبشكل غير مقبول، لكارثة وطنية كبرى.

5