اختيار قيادة جديدة للبنك المركزي بتوافق نادر بين أجنحة الشرعية في اليمن

الرئيس اليمني يتحرك لاحتواء غضب الشارع دون برنامج واضح للإصلاح.
الأربعاء 2021/12/08
الرئيس عبدربه منصور هادي تحت ضغط الشارع اليمني

بعثت التغييرات التي قام بها الرئيس عبدربه منصور هادي في صلب البنك المركزي ارتياحا نسبيا في اليمن، بيد أن مراقبين وخبراء اقتصاد يشككون في نجاعة الخطوة في كبح الأزمة الاقتصادية، خاصة وأنها جاءت كردة فعل وليست ضمن برنامج واضح للإصلاح.

عدن - عين الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي قيادة جديدة للبنك المركزي، بعد فشل القيادة السابقة في وقف الانهيار المدوي للعملة المحلية الريال أمام العملات الأجنبية.

وجاء القرار بتنسيق مع القوى السياسية ومن بينها المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي زكى عددا من الأسماء في الطاقم الجديد للبنك المركزي.

وتضمنت القرارات الرئاسية تعيين أحمد غالب المعبقي محافظا للبنك المركزي ومحمد عمر باناجة نائبا له، إضافة إلى تعيين أربعة أعضاء في مجلس البنك.

وصدرت قرارات بتعيين وكيل لقطاع الرقابة على البنوك بالبنك المركزي اليمني، ونائب لوزير المالية، وتكليف الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة اليمني بالعمل على مراجعة وتقييم كافة أعمال البنك المركزي اليمني منذ تاريخ نقله ومباشرة عمله في العاصمة المؤقتة عدن في سبتمبر 2016 وحتى نهاية العام 2021.

ومنح القرار، الذي يأتي للحد من الفساد في القطاع المالي والمصرفي في الحكومة اليمنية، رئيس الجهاز حق اختيار مدقق حسابات متخصص وخبير اقتصادي وعضو من الجهاز القضائي المتخصص لمساعدة الجهاز في أداء هذه المهمة، على أن ينجز أعماله خلال تسعين يوما من تاريخ هذا التكليف قبل رفعها إلى رئيس الجمهورية.

وأكدت مصادر مطلعة أن القرارات الجديدة حضيت بتوافق القوى والمكونات السياسية اليمنية الرئيسية، بما في ذلك المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أكد مصدر مسؤول فيه أن قيادة المجلس اطلعت على القرارات قبل صدورها وشاركت في تزكية عدد من المعينين في المناصب، من بينهم نائب محافظ البنك المركزي الجديد.

عزت مصطفى: توقيت القرار يدل على أن إرادة الإصلاح لا تزال غائبة

وقال الناطق الرسمي باسم المجلس الانتقالي الجنوبي علي الكثيري إن المجلس ظل “يسعى لإعادة هيكلة مجلس إدارة البنك المركزي على النحو الذي يوطد دعائم الاستقرار الاقتصادي، ويوقف الانهيار المتسارع للعملة”.

وأضاف “ومن هذا المنطلق نبارك قرارات تغيير مجلس إدارة البنك التي تمت بالتوافق بين المجلس ورئاسة الشرعية اليمنية.. آملين أن يتم تذليل كافة المصاعب أمام الإدارة الجديدة للبنك المركزي بالعاصمة عدن على النحو الذي يحقق الاستقرار الاقتصادي والمعيشي، ومن ذلك ضرورة توريد كافة عائدات النفط والغاز إلى البنك المركزي بعدن”.

وفي أول تعليق حكومي على القرارات، اعتبر وزير الإعلام في الحكومة اليمنية معمر الإرياني أن إعادة تشكيل مجلس إدارة البنك المركزي اليمني، وتكليف الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بالعمل على مراجعة وتقييم كافة أعمال البنك، تدشين لمعركة أعلنها الرئيس اليمني و”تأكيده أن الانشغال بقتال ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، لن يثني الدولة عن التصدي لمن يستغل هذه الظروف العصيبة التي يمر بها البلد، لممارسة الفساد”.

وأشار الإرياني في تصريح بثته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية إلى أن “قرار رئيس الجمهورية بتكليف الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بالعمل على مراجعة وتقييم كافة أعمال البنك منذ تاريخ نقله للعاصمة المؤقتة عدن، خلال 90 يوما، ورفع تقرير نهائي إلى رئيس الجمهورية، ترجمة لإرادة حقيقية وصلبة وتوجه جاد لمكافحة الفساد ومعاقبة المفسدين، وإحالتهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل والرادع”.

وكشفت مصادر سياسية يمنية مطلعة لـ”العرب” عن حزمة من القرارات التي ستصدر في الأيام القادمة، في إطار محاولات قيادة الشرعية امتصاص حالة الغضب والاحتقان المتصاعدة في الشارع اليمني، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والخدمية، إلى جانب الضغوط الدولية التي تضع اللوم على عاتق الحكومة اليمنية في عدم العمل على رفع كفاءة القطاع الاقتصادي والمصرفي.

ويرى خبراء ومحللون يمنيون أن الخطوات التي أقدمت عليها السلطة اليمنية غير كافية، بالنظر إلى كونها جاءت نتيجة ضغط شعبي متزايد وليس في إطار خطة شاملة للإصلاح الاقتصادي والنقدي ومعالجة الأخطاء التي رافقت أداء الحكومة في هذا الجانب منذ سنوات.

وأكد الباحث السياسي اليمني ورئيس مركز فنار لبحوث السياسات عزت مصطفى في تصريحات لـ”العرب”، أنه رغم التفاؤل الشعبي بقرار تغيير مجلس إدارة البنك المركزي، إلا أن توقيت القرار ودوافعه يدلان على أن الإرادة السياسية لا تزال غائبة لإصلاح ما يمكن إصلاحه في السياسة النقدية، على حد تعبيره، مشيرا إلى أنه رغم التدهور المريع والمتسارع لسعر صرف الريال منذ فترة طويلة، لم تتخذ أي قرارات لتدارك الأمر.

وأعرب مصطفى عن اعتقاده “بأن القرار الأخير اتخذ نتيجة مؤشرات عزم المملكة العربية السعودية تقديم وديعة إضافية لليمن، وقد تكون التغييرات الأخيرة في البنك المركزي اليمني مرتبطة باشتراطات المانح، ما جعل الإرادة السياسية تحضر أخيرا بعد غياب”.

وقال الباحث السياسي اليمني “إذا ما استمر الموقف السياسي رهين تأثير العامل الخارجي ليستشعر المشكلة الاقتصادية، فلا أظن أن التغييرات الأخيرة ستكون ذات جدوى، بل يمكن أن تضاعف المأساة باستغلال اللوبي المسيطر على سوق صرف العملات في اليمن للقرارات السياسية بإيهام المتداولين بتعاف نسبي لقيمة الريال، بغية سحب مدخرات المواطنين من العملات الصعبة عبر سياسة تداول باتجاه واحد، بشراء العملات الأجنبية والامتناع عن بيعها”.

وعن الإجراءات التي يمكن أن تسهم في نجاح الإدارة الجديدة للبنك المركزي اليمني، أوضح أن على “القيادة الجديدة للبنك المركزي اليمني أن تعي بأن وقف تدهور الريال مرتبط بسيطرتها على سوق الصرف في المناطق المحررة كمرحلة أولى ملحة جدا، تتزامن مع إجراءات جريئة لسحب السيطرة النقدية من ميليشيا الحوثي في المناطق التي تحت هيمنتها ونقل هذه السيطرة إلى عدن ولو تدريجيا”.

القرارات الرئاسية تضمنت تعيين أحمد غالب المعبقي محافظا للبنك المركزي ومحمد عمر باناجة نائبا له، إضافة إلى تعيين أربعة أعضاء في مجلس البنك

واعتبر أن “تقليص الهامش بين أسعار الصرف في مناطق سيطرة البنك المركزي ومناطق سيطرة الحوثيين هو أولوية تسبق أولوية محاولة وضع معالجات غير مجدية لانهيار الريال، لأن بقاء الهامش الكبير في أسعار الصرف بين منطقة وأخرى مع استمرار تدفق التحويلات بينها بشكل كبير، سيفاقم الوضع وستبقى كل المعالجات التي تتم دون العمل على ردم هذه الفجوة معالجات مخادعة ستستنزف الودائع المالية الجديدة من الأشقاء كما سبق واستنزفت الودائع السابقة”.

ووصف الباحث السياسي اليمني ماجد الداعري قرار الرئيس هادي بتعيين أحمد غالب، الذي كان يتولى رئاسة الهيئة الوطنية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب منذ عام 2004، محافظا جديدا للبنك المركزي اليمني بأنه “قرار موفق يأتي لإنقاذ ما يمكن من كارثة انهيار العملة وإعادة الاعتبار لسمعة ومكانة البنك المركزي وترميم الثقة المفقودة به محليا وإقليميا وكذلك دوليا، وإزالة القيود المتعلقة بالتحويلات المالية لليمن وتفعيل علاقات التعامل والتعاون المصرفي بين مركزي الشرعية والبنوك اليمنية وغيرها من البنوك الدولية المراسلة وصندوق النقد والبنك الدولي، على أمل إزالة الصورة السيئة التي تكونت حول البنك المركزي”.

وكان تقرير لجنة العقوبات الدولية التابعة لمجلس الأمن اتهم البنك بتورطه في جرائم غسيل وتهريب أموال ومضاربات بالعملة الوطنية.

ولفت الداعري في تصريحات لـ”العرب” إلى أن مهمة القيادة الجديدة للبنك المركزي لا تزال “معقدة وشبه مستحيلة ما لم يلحق قرار تعيينه وإعادة تشكيل مجلس إدارة البنك دعم مالي لاحتياطي البنك وإعادة المنح الخارجية وحوالات المغتربين وتصحيح مالية الدولة المتعلقة بتوريد الجمارك والضرائب من كل المحافظات المحررة إلى مركزي عدن، وتفعيل أجهزة الرقابة والضبط والمحاسبة وإغلاق شركات وصيارفة الإجرام وإنهاء هيمنة هوامير السمسرة والمضاربة بالعملة على القطاع المصرفي اليمني”.

3