اختيار حاكم مصرف لبنان يخضع لحسابات أميركية دقيقة

واشنطن تركز على قطع قنوات تمويل حزب الله.
الاثنين 2025/03/17
من سيشغل منصب حاكم مصرف لبنان

تتولى الإدارة الأميركية التدقيق في هوية المرشحين لمنصب حاكم مصرف لبنان، معتمدة على جملة من المعايير لعل أهمها مدى قدرتهم على مواجهة حزب الله ومساعيه في الحصول على تمويلات عبر النظام المصرفي اللبناني.

بيروت - يخضع اختيار حاكم مصرف لبنان لحسابات أميركية دقيقة، وهو ما يفسر التأني الحاصل في حسم اسم المرشح للمنصب. وتعمل الولايات المتحدة على خنق حزب الله ماليا عبر سد المنافذ أمام الحزب المدعوم إيرانيا، بما في ذلك عبر النظام المصرفي اللبناني، وهو ما يتطلب فرض شخصية قوية في منصب حاكم مصرف لبنان. وذكرت خمسة مصادر مطلعة أن الولايات المتحدة تجري مشاورات مع الحكومة اللبنانية لاختيار حاكم مصرف لبنان (المركزي) الجديد..

ويُعد إدلاء واشنطن برأيها في المرشحين للمنصب الأعلى في تشكيل السياسة النقدية للبنان أحدث مثال على النهج الأميركي غير المعتاد في التعامل مع البلد الذي يشهد أزمة مالية مستمرة منذ أكثر من خمس سنوات أدت إلى انهيار اقتصاده. وتريد الولايات المتحدة ومن خلفها إسرائيل الإبقاء على حزب الله تحت الضغط ومحاصرة كافة قنوات تمويله.

وتعرض حزب الله العام الماضي لضربات قاسمة من إسرائيل، تمثلت في خسارة أبرز قياداته، وتضرر ترسانته العسكرية، وأدى هذا الوضع إلى فقدان الحزب لتوازنه سياسيا في لبنان، حيث لم يعد يسيطر على مفاصل القرار في البلد.

وانتخب لبنان منذ بداية العام الجاري جوزيف عون، المدعوم من الولايات المتحدة، رئيسا للجمهورية، وتولت حكومة جديدة السلطة دون دور مباشر لحزب الله. ويتعين على هذه الحكومة الآن شغل المناصب الشاغرة، ومنها منصب حاكم مصرف لبنان، الذي يديره حاكم مؤقت منذ يوليو 2023.

وحسمت الحكومة الأسبوع الماضي التعيينات الأمنية والعسكرية، فيما تنتظر بالواضح موقف الولايات المتحدة من المرشح المفترض لمنصب حاكم مصرف لبنان. وقالت ثلاثة مصادر لبنانية ودبلوماسي غربي ومسؤول من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن الولايات المتحدة تراجع ملفات عدد من المرشحين لهذا المنصب.

وتحدثت المصادر إلى وكالة رويترز لمناقشة دور واشنطن في عملية الاختيار شريطة عدم نشر هويتها. ولم تنشر تفاصيل عملية الاختيار من قبل. وقال اثنان من المصادر اللبنانية والمسؤول من إدارة ترامب إن مسؤولين أميركيين التقوا ببعض المرشحين المحتملين في واشنطن وفي السفارة الأمريكية في لبنان.

وذكرت المصادر اللبنانية أن المسؤولين الأميركيين طرحوا على المرشحين أسئلة، مثل كيف ينوون مكافحة “تمويل الإرهاب” عبر النظام المصرفي اللبناني وإذا كانوا على استعداد لمواجهة حزب الله. ولم ترد وزارة الخارجية والبيت الأبيض ومكتب رئيس الوزراء اللبناني بعد على طلبات للتعليق. ورفض متحدث باسم الرئاسة اللبنانية التعليق على الدور الأميركي، وقال إن الأهم هو اختيار شخص مؤهل.

◙ المبادئ التوجيهية للإدارة الأميركية في اختيار حاكم مصرف لبنان هي: لا لحزب الله ولا لأي شخص متورط في فساد

وقال مسؤول إدارة ترامب إن الاجتماعات جزء من “الدبلوماسية المعتادة”، لكنه أضاف أن الولايات المتحدة توضح للحكومة اللبنانية توجيهاتها بشأن مؤهلات المرشحين. وأوضح المسؤول لرويترز “المبادئ التوجيهية هي: لا لحزب الله ولا لأي شخص متورط في فساد. هذا أمر ضروري من منظور اقتصادي.” وأكمل “أنتم بحاجة إلى شخص يقوم بالإصلاح ويدعو له ويرفض غض الطرف كلما حاول الناس ممارسة أعمالهم كالمعتاد في لبنان.”

قالت المصادر اللبنانية إن المرشحين الذين يُنظر فيهم بجدية هم كميل أبوسليمان وزير العمل السابق، وفراس أبي-ناصيف الذي يترأس شركة للاستثمار، وجهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، وفيليب جبر وكريم سعيد، وكلاهما يرأسان شركتين مملوكتين لهما لإدارة الأصول. وتصدر اسم وزير المال السابق والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية أزعور، في الأيام الأخيرة السباق إلى الحاكمية، بعد أن كان سعيد يتقدم قائمة المترشحين للمنصب.

ويقول خبراء إن تزايد حظوظ أزعور يعود إلى حاجة لبنان لتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وهذا يفترض وجود شخصية مثله لها مكانتها الدولية، باعتبار أنه مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، حيث يشرف على عمل الصندوق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى والقوقاز. ويلفت الخبراء إلى أن ارتباطات الوزير السابق مع صندوق النقد تعطيه الأفضلية على المستوى الدولي، كما أن المامه بالشأن اللبناني يعطيه أفضلية على المستوى الداخلي.

وسيلعب حاكم مصرف لبنان القادم دورا مهما في أي إصلاحات اقتصادية ومالية، والتي تعهد عون ورئيس الوزراء نواف سلام بإعطائها الأولوية لمساعدة لبنان على الخروج من الانهيار المالي الذي بدأ عام 2019. واندلعت الأزمة الاقتصادية بسبب استشراء الفساد والإسراف في الإنفاق من قبل النخبة السياسية الحاكمة، وتسببت في إفقار معظم اللبنانيين وتدمير الليرة اللبنانية وشل النظام المصرفي.

وتسعى الحكومة اللبنانية الجديدة إلى استئناف المحادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج تمويل، لكن إجراء إصلاحات لا يزال شرطا أساسيا. واشترطت دول غربية وعربية أيضا القيام بإصلاحات لتقديم أي دعم لإعادة إعمار لبنان بعد أن دُمرت مساحات شاسعة منه جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية العام الماضي.

ووفقا للدبلوماسي الغربي والمسؤول من إدارة ترامب، ناقش مسؤولون أميركيون مع السعودية هوية مرشحي حاكم المصرف المركزي. وسيحل الحاكم الجديد محل وسيم منصوري الذي يدير البنك المركزي بشكل مؤقت منذ انتهاء ولاية رياض سلامة الذي شغل المنصب لمدة 30 عاما في عام 2023 بفضيحة.

وخلال معظم فترة توليه منصب حاكم مصرف لبنان، أعتبر سلامة خبيرا ماليا وحظي بدعم الولايات المتحدة، التي تبدي اهتماما بالغا بالمنصب نظرا لإشرافها على النظام المصرفي اللبناني الأوسع ومساعدتها في ضمان امتثاله للقوانين الأميركية التي تمنع تمويل الجماعات المصنفة منظمات “إرهابية”، ومنها حزب الله. إلا أن الانهيار المالي في لبنان شوه إرث سلامة.

وبعد شهر من تركه منصبه عام 2023، فرضت عليه عقوبات من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا، التي اتهمته بالفساد لإثراء نفسه وشركائه، ويواجه حاليا اتهامات بارتكاب جرائم مالية في لبنان وخارجه. وأدرج لبنان العام الماضي على “القائمة الرمادية” لجهات رقابية مالية بعد فشله في معالجة مخاوف متعلقة بتمويل الإرهاب وغسل الأموال عبر نظامه المالي.

2