اختلال المعايير الاجتماعية ساهم في انتشار الجرائم التي ترتكبها النساء في ليبيا

بنغازي (ليبيا) – لا تزال الجرائم التي ترتكبها النساء من التابوهات في المجتمعات المحافظة، ومنها المجتمع الليبي، رغم أنها أضحت ظاهرة من الظواهر الاجتماعية وبدأت تشد اهتمام علماء الاجتماع والنفس ورجال القانون.
وتُعد المتغيرات الاجتماعية المتسارعة، وثورة المعلومات والاتصالات، واختلال المعايير الاجتماعية داخل الأسرة وفي المجتمع نفسه، وتنامي المشاكل الاجتماعية، وتدني مستويات المعيشة، والضغوط النفسية، وازدياد العنف والتنمر ضد المرأة وغير ذلك الكثير، من العوامل التي ساهمت في انتشار الجرائم التي ترتكبها النساء.
ورصدت مراسلة لوكالة الأنباء الليبية (وال) في بنغازي في هذا الصدد تردد عناوين في الشارع الليبي وعلى صفحات التواصل الاجتماعي من بينها: “قتلت زوجها لأنه كسر الفنجان”، “دفعتها الغيرة لسرقة شقيقتها”، “مربية أطفال تتسول بهم”، “امرأة تستغل تجارتها في النصب والاحتيال”، و”امرأة تقود عصابة لترويج المهلوسات”. ولاحظت أن الجريمة النسائية لم تعد اليوم تقف عند المشاجرة أو التسول أو الإجهاض أو السحر والشعوذة أو حتى القتل بالسم، فالعناوين التي نقرأها يوميا عن جرائم النساء داخل المجتمع الليبي جعلت الكثيرين يتساءلون هل أضحت ظاهرة؟ وهل تفوقت على الرجل؟ وهل هي شريكة فيها أم ضحية؟
ولمحاولة الإجابة عن بعض هذه التساؤلات المطروحة وللكشف عن بعض الحقائق والبحث في أسباب دخول النساء في أتون الجريمة، التقت مراسلة “وال” مختصين ومسؤولين سعيا للإجابة عن سؤال هل باتت الجريمة النسائية ظاهرة في المجتمع الليبي؟
جرائم النساء تتصل بقضايا الابتزاز عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي والمشاجرات التي تحتل أعلى نسبة
وقالت أخصائية علم النفس الجنائي ابتسام الطيرة إن “الدراسات التحليلية قليلة وربما تكاد تكون معدومة عن أسباب دخول المرأة أتون عالم الجريمة في مجتمعنا، إلا أنه من خلال متابعتنا لما ينشر أو يُتداول أو يكون على صفحات المصادر الرسمية، نجد أن المرأة متورطة في جرائم المخدرات والنصب والاحتيال والسرقة والقتل والخطف والسحر والشعوذة وغيرها من الجرائم”.
وأشارت الطيرة إلى أن إجرام المرأة مرتبط بعدة عوامل متداخلة ومعقدة، بدءا من التنشئة الاجتماعية لتكوينها العضوي الذي يكون وراء استغلالها جسديا قبل أن تتحول هي إلى استخدامه كأداة في ارتكاب الجريمة، والنفسي المتمثل في الإحباط والكبت الناتج عن صراعات الطفولة الأمر الذي يحفز السلوك الإجرامي عند توافر القوى المؤثرة مثل البيئة غير السوية (رفيقات أو رفاق السوء)، ضعف الوازع الديني، الفراغ وغير ذلك، والضغوط النفسية الناجمة عن ضغوط اقتصادية أو اجتماعية أو الشعور بالظلم، والمستوى التعليمي أو المرحلة العمرية وهي ليست معيارا ثابتا لخروج هذا السلوك من عدمه.
واعتبرت الطيرة أن إجرام المرأة من أخطر الظواهر الاجتماعية كونها عضوا فعالا في المجتمع وأي انحراف في سلوكها يلقي بظلال آثاره على المجتمع.
وطالبت في هذا الصدد بضرورة تكاتف جهود المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لبحث ودراسة الأمر ومحاولة السيطرة على خروج المعدلات من صورتها المتوقعة إلى غير المتوقعة.
من جانبها أوضحت رئيسة قسم الشرطة النسائية بمديرية أمن بنغازي النقيبة فوزية الحسناوي أنه “لا توجد مؤشرات على تزايد الجريمة الأنثوية مقارنة بالذكور من خلال متابعتنا اليومية”، مؤكدة أن معظم مرتكبات الجرائم من النساء هن، حسب قولها، من جنسيات غير ليبية، مثل العمالة المنزلية الوافدة والمتمثلة جرائمهن في السرقة.
المرأة باتت عنصرا بارزا في التكتلات الإجرامية التي ليس بالضرورة أن تكون كبيرة كغيرها الممتدة إلى الخارج
وأشارت الحسناوي مع ذلك إلى أن جرائم النساء من جنسية ليبية تتصل بقضايا الابتزاز عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي والمشاجرات، التي قالت إنها تحتل أعلى نسبة، غير أنها لاحظت أن الرجل هو الركن الأساسي في ارتكاب المرأة للجريمة مثل الجريمة الأخلاقية، وأن أغلب قضايا النساء تصنف قانونا جنحا ونسبة بسيطة جدا منها جنايات.
بدوره قال رئيس قسم المعلومات والتوثيق بمديرية أمن بنغازي اللواء خالد حيدر إن “الجريمة في ليبيا تختلف قبل عام 2011 عمّا بعده”، موضحا أن الجريمة تغيرت خلال العقد الأخير في شكلها ومضمونها ونوعها ومعدلاتها ومقياسها وأدواتها تغيرا تاما.
وأكد في هذا السياق أن هناك جرائم دخلت إلى المجتمع الليبي لم تكن موجودة من قبل، على رأسها الجرائم المرتكبة من قبل النساء اللاتي كن قبل عقد ونيف هن الضحايا.
واستطرد قائلا “بدأت مؤشراتنا تسجل خلال السنوات الأخيرة جرائم ترتكبها النساء، وكانت بعض شبكات الاتجار بالمخدرات المفككة مؤخرا، خاصة حبوب الهلوسة، تقودها المرأة التي أصبحت فريسة للعصابات وهذا مؤشر جديد في ليبيا”، مشددا على أن تلك الجرائم تظل حالات فردية.
ورأى أن تطور الثقافة الإجرامية وكون المرأة من أرباب السوابق يُعتبران أمرا طبيعيا “بالنظر إلى المتغيرات التي مرت بنا ونعيشها”، مبينا أن الجرائم النسائية شقان، جرائم شاذة تحدث لأول مرة في المجتمع الليبي وارتفاعها طفيف جدا، والأمر في وتيرته الطبيعية وفقا للمعيار الوقتي، وجرائم اعتيادية يومية من خلال الظروف والعلاقات الاجتماعية منها شكاوى الأزواج ضد بعضهم البعض، والأم ضد أبنائها والعكس، والمشاكل الأسرية وما يتولد عنها من جرائم، فأحيانا ترتكب المرأة جريمة مثل سرقة مقتنيات الزوج أو تقوم بالنصب والاحتيال ضد زوجها بمشاركة بعض أفراد أسرتها.
وأوضح أن المرأة اليوم أصبحت سيدة أعمال وتمارس الأعمال التجارية مثل العقارات والسيارات والبيع والشراء عبر الإنترنت وغيرها من الأعمال، مبينا أن هذه التجارة لها بعض السلوكيات التي تتولد معها جرائم وتعتبر بيئة خصبة للاحتيال والنصب. ولما دخلت المرأة هذا المعترك باتت تمتهن النصب والغش والاحتيال وغيره، حسب قوله.
المتغيرات الاجتماعية المتسارعة، وثورة المعلومات والاتصالات، وازدياد العنف والتنمر ضد المرأة.. من العوامل التي ساهمت في انتشار الجرائم التي ترتكبها النساء
ولاحظ أن المجتمع الليبي مقارنة مع غيره يعتبر محافظا، ولكن مقارنة بفترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي نجده أصبح محافظا بمعايير أخرى نتيجة الانفتاح الكامل.
وعبر حيدر عن الأسف الشديد كون المرأة باتت عنصرا بارزا في التكتلات الإجرامية التي ليس بالضرورة أن تكون كبيرة كغيرها الممتدة إلى الخارج، فهي، وفق توضيحه، باتت عنصرا هاما لنقل المواد المخدرة، حيث يتم اصطحاب المرأة في السيارة لإيهام البوابات الأمنية أن أسرة تستقل السيارة، خاصة وأن النظرة العامة لليبيين ترى أن العائلة دائما مصانة ولا تخضع للتفتيش، وفي داخل المدينة تستغل العصابات المرأة لاستدراج الضحية.
وحذر رئيس قسم المعلومات والتوثيق بمديرية أمن بنغازي من وجود ظاهرة يُفترض أن تنتبه إليها الدولة وهي منتشرة بين أوساط الأطفال والنساء داخل المجتمعات التعليمية والوظيفية النسائية، مؤكدا أنه بحسب التقارير الأمنية ووفق الإحصائيات أضحت المرأة “معولا مهما جدا لبعض التشكيلات الإجرامية لترويج المخدرات سواء حبوب الهلوسة أو مادة الحشيش بين هذه الأوساط”.
وأكد اللواء حيدر في هذا الصدد أن مديرية أمن بنغازي شرعت في حملات أمنية مكثفة بمشاركة الشرطة النسائية في هذه الأوساط لمحاربة هذه الظاهرة.
ويرى المختصون أن فكرة الجريمة لا تتغير في جوهرها بل في صورها المتعددة، ومن هنا تساءلت مراسلة “وال” هل أن رصد الشارع الليبي لارتفاع الجرائم النسائية يستلزم العمل على المزيد من الإحصائيات والدراسات، أم ستظل هذه الجرائم كما وصفت بحالات فردية قابلة للتمدد لتنافس مرتكبيها من الرجال؟