اختفاء وقود التدفئة في سوريا ينعش تجارة السوق السوداء

 الحظر الأميركي واستمرار موجة البرد يفاقمان متاعب السكان في سوريا.
الاثنين 2019/02/25
بعيدا عن أعين الرقابة

تفاقمت أزمة الوقود في معظم مناطق سوريا الخاضعة لحكومة دمشق في ظل عجز السلطات عن توفير احتياجات السكان، الأمر الذي أدى إلى ازدهار تجارة السوق السوداء وارتفاع الأسعار بدرجة كبيرة.

السويداء (سوريا) – تختزل أزمة فقدان غاز الطبخ ومعظم أنواع الوقود الأخرى، سلسلة طويلة من الأوضاع المعيشية المتفاقمة التي يعاني منها معظم سكان المحافظات السورية في ظل أحوال جوية قاسية تزيد الحاجة إلى الوقود لأغراض التدفئة.

وما يزيد من أعباء المواطنين أيضا هو زيادة ساعات التقنين الطويلة التي تشهدها معظم مناطق البلاد، بسبب نقص الفيول، ومعظم السوريين يستخدمون الكهرباء للتدفئة في ظل غياب وقود التدفئة التقليدية وكذلك الكهرباء.

والشيء اللافت في شوارع مدينة السويداء، على سبيل المثال، انتشار منصات بيع عبوات المازوت وأسطوانات الغاز في الشوارع لكنها معروضة بأسعار خيالية تفوق بعدة أضعاف أسعارها المعتادة التي تحددها الحكومة.

وقال أبوأيهم من سكان المحافظة لوكالة شينخوا الصينية إن “أسعار المشتقات النفطية في السوق السوداء غالية جدا. هم يستغلون حاجة الناس لها، فيطلبون أسعار خيالية”، مشيرا إلى أن الوضع بات سيئا، ولا يحتمل مع استمرار موجة البرد القارس.

أما في حلب، فيتكرر مشهد الطوابير يوميا في حي صلاح الدين، حيث يضيق أحد شوارع خلال دقائق معدودة، بالسكان الذين ما أن يسمعوا صوت شاحنة توزيع الغاز حتى يصطفّوا في طابور طويل.

130 ألف أسطوانة غاز يحتاجها سكان المحافظات السورية يوميا، وذلك وفق التقديرات الرسمية

وترتسم ابتسامة كبيرة على وجه أم بدر التي تمكنت أخيراً من الحصول على أسطوانة غاز تحاول بكل قوتها سحبها على الأرض قبل أن يتطوع شاب لمساعدتها في جرّها حتى مدخل منزلها.

وتقول السيدة، وهي في الخمسينات من العمر، وقد ارتدت جلباباً طويلاً وحجابا أسود لوكالة شينخوا “أقف هنا منذ ثلاثة أيام تقريبا بشكل دوري كل صباح.. واليوم كنت محظوظة لأنني حصلت على أسطوانة الغاز”.

وتضيف “أعتمد على الغاز من أجل الطهي، وهو الوسيلة الوحيدة مع انقطاع الكهرباء لفترات طويلة”.

وتُشرف لجنة من محافظة حلب برفقة عدد من عناصر الشرطة على تنظيم الصف الممتد على مسافة مئتي متر. ويتراجع عدد المنتظرين بشكل تدريجي مع إفراغ سيارة التوزيع حمولتها بالكامل. عندها يعود السكان سيئو الحظ أدراجهم بانتظار إعادة الكرّة في اليوم اللاحق.

ويحرص مختار الحي حسن الجوك على أن يأخذ المتقدمون في العمر والنساء الأسطوانات بشكل سريع. ويتابع مع عناصر الشرطة لائحة الأسماء المسجّلة لليوم.

ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية “يعتبر حي صلاح الدين أكبر حيّ في حلب من حيث عدد السكان، إذ يضمّ نحو 25 ألف عائلة، ويتمّ إرسال من جانب السلطات المعنية نحو مئتي أسطوانة غاز يوميا إلينا”.

علي غانم: التدابير الأحادية الجانب تسببت بتعثر وصول المشتقات النفطية
علي غانم: التدابير الأحادية الجانب تسببت بتعثر وصول المشتقات النفطية

ويتوقع أن تتحسّن الكميّات مع اقتراب الربيع ودفء الطقس، إذ يعتمد الناس راهناً على الغاز للتدفئة ما يزيد من الاستهلاك.

وأقر الرئيس بشار الأسد في كلمة ألقاها الأحد الماضي خلال استقباله رؤساء المجالس المحلية بـ”المعاناة الحقيقية” جراء نقص المواد البترولية.

وقال إن “معظم الشعب السوري عانى منها وأن هناك ضرورة لتغيير آلية التوزيع على المحافظات وفق الاستهلاك باعتبار أن البلاد في حالة حصار وشح”.

وربطت الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار في تقرير نشرته صحيفة الوطن المقربة من السلطات نهاية الشهر الماضي، الأزمة بأسباب عدة بينها “الحصار والعقوبات الاقتصادية التي تعوق وصول ناقلات الغاز إلى البلاد، واستيراد 70 إلى 80 بالمئة من المادة الخام من دول صديقة”، إضافة إلى زيادة الطلب خلال الشتاء.

وتعليقاً على أزمة الوقود، قال وزير النفط والثروة المعدنية علي غانم خلال جلسة لمجلس الشعب في يناير الماضي إن “الإجراءات الاقتصادية الأحادية الجانب المفروضة على سوريا تسببت بتعثر وصول المشتقات النفطية”.

ولوّحت وزارة الخزانة الأميركية في نوفمبر الماضي بفرض عقوبات على كل الجهات أو الأشخاص المنخرطين في عملية شحن النفط إلى سوريا.

وتزامن ذلك مع تحرك واشنطن لتعطيل شبكة دولية وفرت من خلالها إيران بالتعاون مع الشركات الروسية، ملايين براميل النفط للحكومة السورية.

وتحتاج سوريا يوميا كمعدل وسطي إلى 130 ألف أسطوانة غاز، وفق تقديرات رسمية. وتحدد السلطات سعر الأسطوانة بنحو 2700 ليرة سورية (5 دولارات). ونتيجة الأزمة، وصل سعرها في السوق السوداء إلى 12 دولارا، وفق السكان.

ومني قطاع النفط في سوريا بخسائر كبرى خلال سنوات النزاع منذ 2011 تقدرها السلطات بما يقارب 74 مليار دولار ولا تزال حقول النفط والغاز الرئيسية في شمال وشمال شرق البلاد خارجة عن سيطرة دمشق.

وانعكس نقص الغاز بشكل سلبي أيضا على أصحاب المؤسسات والمشاريع، لاسيما المقاهي والمطاعم.

10