اختفاء الكرتونة السياسية لا يمنع المصريين من المشاركة في الانتخابات

المصريون تعودوا في الانتخابات الماضية على ظاهرة الكرتونات التي تهدف لاستقطاب الأصوات لصالح هذه الجهة أو تلك، لكن هذه المرة اختفت الظاهرة بأوامر من الرئيس المنتهية ولايته عبدالفتاح السيسي المتأكد من الفوز.
القاهرة - استوعبت الحكومة المصرية دروس الانتخابات السابقة وتحركت بشكل غير مباشر لتحجيم مظاهر توجيه الفقراء نحو النزول إلى لجان الاقتراع من خلال إغرائهم بمساعدات مالية، وهو ما يفسر الاختفاء الواضح لـ”الكرتونة الغذائية” التي كان يتم توزيعها على البسطاء قبل ومع كل انتخابات برلمانية أو رئاسية.
وفسّرت دوائر سياسية تراجع مظاهر توزيع الكراتين الغذائية على الفقراء قبل الانتخابات الرئاسية، التي تبدأ اليوم الأحد ولمدة ثلاثة أيام في الداخل، بأن الحكومة ترفض الإيحاء بأن مساعدات البسطاء مرتبطة بتوقيتات سياسية وأن الأحزاب القريبة تشتري أصوات الناخبين بمنح غذائية.
واعتاد البعض من البسطاء الحصول على كراتين تحتوي مواد غذائية أساسية في موسم الانتخابات من جهات وشخصيات وأحزاب لها علاقة بالحكومة، للحفاظ على مصالحهم مع السلطة، أو كنوع من التملق السياسي لها، لكن هذه المشاهد تراجعت وربما اختفت، كأن هناك تعليمات صدرت بالكف عن هذا السلوك المشين.
وأعلنت الحملة الرسمية للمرشح الرئاسي عبدالفتاح السيسي بأنه طالب الأحزاب بالحد من الدعاية له، وتوجيه الأموال للمساعدات التي يتم تخصيصها لسكان قطاع غزة، وترشيد الإنفاق على الدعاية بكل أشكالها، والتعامل بتوازن بين كل المرشحين.
وترفض شريحة من المصريين أن تكون نظرة الحكومة أو الأحزاب المتناغمة معها للبسطاء مختزلة في كرتونة غذائية يتم توزيعها عليهم في أوقات الانتخابات أو غيرها، لأنه تصور يسيء للناس ويمتهن كرامتهم، ويقدم صورة سلبية عن المجتمع المصري، وتذكرهم برشاوى جماعة الإخوان الانتخابية في أوج ازدهارهم السياسي.
وقال إكرام بدرالدين أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة إن مشاهد الكراتين الغذائية التي كانت توزع بالتزامن مع الانتخابات أثّرت على صورتها، مع أن النظام المصري ليس في حاجة إليها، والفقراء أكثر حرصا على المشاركة في العملية الانتخابية لإدراكهم أن الاستقرار أولوية قصوى.
وأضاف لـ”العرب” أن النظام بريء من توجيه الأحزاب أو أيّ جهة بتوزيع مساعدات مرتبطة بالانتخابات كنوع من إغراء الناس، فالسيسي نفسه على مدار سنوات حكمه وضع الفقراء في صدارة اهتماماته، وظهر ذلك في برامج الحماية الاجتماعية، وفي كل مناسبة يؤكد رفض المتاجرة السياسية بمعاناة الناس أو أن تستثمر بعض التيارات هموم الفقراء لجعلهم بؤرة توتر.
ولا يخلو اقتصار الدعاية الحزبية على إقامة فعاليات ودفع الناس للمشاركة بعيدا عن توزيع المساعدات الغذائية من وجود تكليفات مشددة من دوائر في السلطة بعدم الإساءة للنظام باستغلال الانتخابات الرئاسية لتجييش الفقراء بإغراءات مالية وعينية يتم تصويرها داخليا وخارجيا على أن الرئيس نجح برشاوى انتخابية.
وتشير تقديرات سياسية إلى أن السيسي يخوض المنافسة وسيكسبها بتفوق، لذلك يرفض أن يحسب عليه قيام أيّ حزب أو تيار بدفع البسطاء نحو المشاركة والتصويت له بطرق غير مشروعة سوف يتحمل نتائجها النظام وحده، كما أن هناك اعتقاد أن الكرتونة الغذائية أمام اللجان ستكون معبرة عن أن الدولة غائبة طوال العام عن دعم الفقراء ثم تظهر فجأة وقت الانتخابات.
ويُدرك السيسي أنه خسر جزءا من شعبيته بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، لكنه على يقين أنه لا يزال الخيار الوحيد المقبول لدى شريحة كبيرة من المواطنين مهما بلغت معاناتهم المعيشية على وقع التحديات الأمنية، ولأنه يظل يتعامل مع البسطاء بخصوصية شديدة ويعتبر التقارب معهم أولوية لاستمرار دعمهم.
واستطاعت الحكومة المصرية أن تحمي طبقة من الفقراء وتمكنت من الوصول إلى قطاعات انتظرت دعمها في مواجهة موجات الغلاء المتلاحقة، وقدمت حوافز عديدة للتعامل مع مشكلات التسرب من التعليم وغياب غطاء صحي لشريحة من المواطنين.
وارتفع عدد البسطاء المستفيدين من الدعم خلال فترة حكم السيسي إلى قرابة 64 مليون مواطن من خلال 23 مليون بطاقة لأرباب الأسر والفئات المعيلة وفق ظروفهم المعيشية، وهذا رقم ضخم إذا قورن بالظروف الاقتصادية التي تعيشها الدولة، وتقدم الحكومة دعما نقديا موازيا إلى 4.6 مليون أسرة يمثلون 20 مليون مواطن ضمن برنامج “تكافل وكرامة”.
وترفض هذه الملايين من المواطنين خسارة المساعدات التي يحصلون عليها من الدولة، وبينهم الكثير من الأسر تتعامل بمنطق أن النزول في الانتخابات والتصويت لصالح السيسي يضمن لها استمرار الدعم المادي والغذائي، وبالتالي سواء تحصلوا على كراتين أم لا يتعاملون مع مشاركتهم في الاستحقاق الانتخابي وفي جانب منه كنوع من رد الجميل إلى رأس النظام بعيدا عن المتاجرة السياسية بهم.
◙ الكثير من الأسر يتعامل بمنطق أن النزول في الانتخابات والتصويت للسيسي يضمن لها استمرار الدعم المادي
وتقتنع بعض دوائر السلطة أن استمرار مشاهد توزيع المساعدات بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية يورط النظام في تهمة تقليد جماعة الإخوان والسلفيين وبعض الأحزاب السياسية التي لها رصيد من الوصول إلى الناس بالرشاوى الغذائية لاستقطابهم إلى صفوفها، وهي اتهامات تسيء للدولة والسيسي وتشوه صورة الانتخابات وتجلب على الحكومة انتقادات حادة هي في غنى عنها.
كما أن استمرار المساعدات المرتبطة بالانتخابات يجعل الحكومة متهمة بتناقض دورها سياسيا واقتصاديا، فهي لا تكف عن اتخاذ إجراءات قاسية وتظهر في صورة الداعم والمساند ضد الغلاء، مع أنها السبب في ما آلت إليه أوضاع المواطنين من صعوبة بالغة للحصول على الغذاء، وبالتالي فالخيار الأنسب أن تترك للبسطاء حرية التحرك بالمشاركة من عدمها من دون ضغوطات أو شبهات رشاوى.
وأكد إكرام بدر الدين لـ”العرب” أن الرئيس السيسي يرفض أن يأتي نجاحه في الانتخابات بطريقة غير نزيهة، ويدرك أن التحديات الراهنة تفرض على الكثير من المصريين النزول بكثافة لتوصيل رسائل إلى الجميع بأن النظام محاط بشعبية في مواجهة ما يحاك ضد بلادهم من مؤامرات، وهناك حالة شعبية شغوفة بالمشاركة بعيدا عن أيّ مظاهرة دعائية أو مكاسب مادية يمكن أن تحصل عليها.
ويصعب فصل هذه القناعات عن المخالفات التي تم رصدها من جهات ومنظمات حقوقية غربية خلال الانتخابات الرئاسية الماضية عام 2018، عندما تم فضح قيام بعض الأحزاب بتوزيع كراتين غذائية وأموال على الناخبين، وهي وقائع أساءت للعملية الانتخابية، وترى الحكومة أن القضاء على هذه الظاهرة يصب في صالحها سياسيا، باعتبارها نجحت في نسف ميراث بغيض عاصره المصريون سنوات كثيرة.